لستُ من المهوسين بنظرية المؤامرة الذين يجعلونها شماعة يفزعون إليها في كل صغيرة وكبيرة، ويجعلونها السبب الأوحد في تأخرهم. ولست أيضاً من المُخدّرين - بفتح الدال، وكسرها - لإيماني بأن نفي المؤامرة كلية هو نوع من المؤامرة، ولا سيما أن آيات القرآن دالة على وجودها، يقول تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ويقول: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) ويقول: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) وتأمل في الفعل المضارع (يزالون) الدال على الاستمرار، وأحاديث قتال المسلمين لطوائف مختلفة من الشرق والغرب ممتلئة بها كتب السنة من طرق صحيحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، لكنها المقولة نفسها التي قالها ابن سلول وفئته الناكصة يوم بدر: (لو نعلم قتالاً لاتبعناكم)، ولا تزال هذه الفلول المخذلة تتكرر بأسماء مختلفة، لكن الأوصاف واحدة. هذه المقدمة لا يمكن أن نفصلها عن الأحداث المتأخرة التي كشفت عنها وزارة الداخلية نقلاً عن المتحدث الأمني الذي «أفصح عن ارتباطات مباشرة لعناصر خلية تجسسية بأجهزة الاستخبارات الإيرانية» مشيراً إلى تسلمهم «مبالغ مالية وعلى فترات في مقابل معلومات ووثائق عن مواقع مهمة»، وأوضح أن «التحقيقات الأولية والأدلة المادية» تؤكد وجود «عملية تجسس لتلك الأجهزة» مشيراً إلى أن «التحقيقات مستمرة». هذه الأحداث التي تؤكد أننا مستهدفون في أمننا، وأن هناك من يلعب على ورقة البُعد الطائفي، ويستغلها لتمرير أجندة خاصة، للإضرار بالمملكة العربية السعودية، رافق هذا البيان من وزارة الداخلية تصريحات خطيرة أدلى بها الدكتور عبدالله النفيسي - المفكر الكويتي - في برنامج «حراك» مع مقدمه الأستاذ عبدالعزيز قاسم، وجاء في تغطية صحيفة السياسة الكويتية للحلقة في عددها الصادر31-3-2013: «وأوضح النفيسي أن «شيعة البحرين يتحركون هناك وفق أجندة إيرانية، ولو طالبوا بتحسين الخدمات لكان الجميع معهم، ولكن ما معنى أن تحمل صور الخميني وخامنئي في المظاهرات البحرينية! هذا دليل على التحرك وفق المطالب الصفوية». وشدد على أن «التغلغل الصفوي في اليمن خطير»، مضيفاً أن «هناك ميناء ميدي باليمن، وهو من أخطر المؤسسات التي يعتمد عليها الحرس الثوري الإيراني». وقال النفيسي: «الآن هناك شباب خليجيون من الكويت ومن القطيف بالسعودية ومن الإمارات ومن البحرين وعُمان يذهبون براً إلى اليمن عند الحوثيين، ثم يذهبون إلى ميناء ميدي، ويستقبلهم هناك الحرس الثوري الإيراني، ويأخذهم إلى جزر «دهلك» في البحر الأحمر». زامن هذا موقف بعض الشيعة الذين أصدروا بياناً وقّع عليه 135 شخصية شيعية من شرق السعودية رافضين «الاتهامات المسيئة» لوزارة الداخلية التي أكدت ارتباط 16 شخصاً معتقلاً بالاستخبارات الإيرانية، وأبدى الموقّعون على البيان «الرفض بشدة لهذا الاتهام المسيء بحقهم، فالمعتقلون هم من المواطنين الخيرين الذين لهم كفاءة علمية، ومكانة اجتماعية محترمة»، وطالبوا ب«الإسراع في إطلاق سراح المحتجزين ال16»، منددين ب«إقحام الورقة الطائفية في تصفية الخلافات السياسية الخارجية، أو إشغال الرأي العام عن المطالبات الإصلاحية والحقوقية الداخلية» وكأن هذا البيان يكذّب وزارة الداخلية حتى مع إعلانها وجود أدلة مادية، ويستعجل الحكم قبل أن يقول القضاء كلمته.. فما الذي دعاهم إلى هذه العجلة؟ كل ما تقدم يجعل المراقب يتأكد أن هذا الوقت وقت تظهر فيه أصوات الوطنيين الصادقين الذين لا يتغنون بشعارات الوطنية ويتراقصون على أنغامها، بل هم أصحاب المواقف الصادقة التي تدعو للالتفات حول ولاة الأمر واجتماع الكلمة وتوحيد الصف ضد الخطر الصفوي الذي يستخدم خلاياه النائمة لتمرير مشروعه، الأصوات التي ترفض افتعال قضايا هامشية وشغل الرأي العام بها عن مثل هذا الخطر، إن على الدعاة والمصلحين والمفكرين والمثقفين أن تجتمع كلمتهم للتحذير من الخطر الصفوي والتنديد بمن ولاه وتولاه، حفظ الله لبلاد الحرمين عقيدتها وسيادتها. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]