بحيرة طمية    الجوال يتصدر مسببات حوادث المرور في الباحة    إحباط تهريب 70 كلغ من «القات»    التجار النجديون في البحرين    العيش بدهشة مرتين    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    الضمير الأخلاقي أهم مهارات المعالج النفسي    السعودية تعيد كتابة فصول مواجهة السكري    ولي العهد في البيت الأبيض.. تجديد التحالف ورسم المستقبل    بنزيما: سعيد مع الاتحاد.. والدوري السعودي ينمو بسرعة لا تُصدّق    «الأخضر» في تجربة قوية أمام الجزائر الليلة    رينارد: أفتخر بتدريب «الأخضر» وسالم نموذج رائع    القادسية يتوّج بطلاً للشرقية في الجودو لفئة الكبار ب 18 ميدالية    "رينارد": جاهزون لمواجهة الجزائر غدًا    أمير القصيم: محافظة عيون الجواء تشهد نموًا متسارعًا في كافة القطاعات    المرأة روح المجتمع ونبضه    أكاديمية وزارة الداخلية لأمن الحدود تقيم دورة مدربي "الفلاي بورد    بحيرة طمية    أمانة الشرقية توقع عقود استثمارية وتنموية ومذكرات تفاهم بتكلفة 5 مليارات ريال    من التحول الرقمي إلى التمكين الذكي!    «الإعلام» تودع «أيام الثقافة المصرية» بحضور كبير..    حياتنا صنيعة أفكارنا    ورحل صاحب صنائع المعروف    المفتي يستقبل وزير الحج والعمرة    زيارة استراتيجية.. ودولة تصنع التحوّلات    في واشنطن.. السعودية تقود حوار المستقبل    ماسك يتحدى أفضل الجراحين البشر    فيصل بن بندر يطَّلع على تقرير «غرفة الرياض».. ويعزي الشثري    أوكرانيا تطلب 30 ألف نظام روبوتي أرضي لمحاربة روسيا    تصريحات تاكايتشي.. تصعيد وعودة التوتر بين طوكيو وبكين    الكوهجي للتطوير العقاري تُطلِق فيلانو وفلامنت في سيتي سكيب العالمي بالرياض 2025    غدا.. انطلاق برنامج شاعر الراية في موسمه الرابع    الشورى يوافق على مشاريع 4 أنظمة    أمير المنطقة الشرقية يرعى انطلاق مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني    ولي العهد يغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة عمل رسمية    (50) يومًا على انطلاق كأس آسيا تحت (23) عامًا "2026 السعودية"    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا بشكل طفيف    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي وعدد من الدبلومات الصحية والطبية غدًا    جمعية التنمية الأهلية بأبها تُطلق نادي "ملهمات" بنسخته الخامسة للفتيات لتعزيز مهارات التسويق والإبداع.    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    رئيس جامعة أمِّ القُرى يحضر حفل افتتاح المؤتمر السَّادس للشَّبكة العربيَّة لضمان الجودة    محافظ مرات يقف على استعدادات موسم الشتاء السادس    عدد من القيادات الحكومية يقدمون التعازي باستشهاد العمور    82.4% من الأطفال يسيرون على المسار الصحيح للنمو في السعودية خلال 2025م    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة نجران تُختتم برنامج عناية لرعاية اليتيم بحفل متميز    في ملتقى نظمه مركز الملك عبدالعزيز.. نائب وزير الخارجية: المملكة تدعم الجهود الأممية لترسيخ الحوار    يغير اسمه سنوياً للتهرب من نفقة طفله    الغرامة بانتظار مخالف الرعي بمنطقة محظورة    التسامح.. سكينة تزهر في القلب وتشرق على الملامح    التعاون مع رجال الأمن في الحرم ضرورة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح دورة علمية في المالديف    السعودية تستضيف القمة العالمية للصناعة    تدهور أوضاع النازحين بشكل حاد.. غارات جوية إسرائيلية تستهدف خان يونس    في حدثٍ تاريخي يقام للمرة الأولى في المملكة.. 26 نوفمبر.. انطلاق الجولة الختامية من بطولة العالم للراليات    مختصون يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    أمير الشمالية يطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مذكرات امرأة شيعية» تخترق الأنواع رجاء نعمة تكتب عصر امرأة... لا سيرتها
نشر في الحياة يوم 20 - 03 - 2013

بعد الفراغ من قراءة كتاب الروائية رجاء نعمة الأخير، تختلط على القارئ التسميات والمفاهيم. هل هي مذكرات؟ رواية شخصية؟ سيرة روائية؟... لكنّه لا يلبث أن يرضخ للنوع الذي يقترحه عنوان الكتاب اللافت: «مذكرّات امرأة شيعية» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر).
ليس مرجحاً أن تكون رجاء نعمة وضعت مذكراتها هذه بمحض صدفة. ولا تحت تأثير ظرف من الظروف المستجدة. بل على الأرجح، أنّها حسَمَت قرارها قبل سنوات طويلة. ولكأنّها خبّأت هذه الفكرة في الطبقات السُفلى من الذاكرة، إلى أن مضت الاعوام وتراكمت التجربة وتهيّأت الأسباب لخروج هذه المذكرات من عتمتها. ولا تكشف رجاء نعمة، في أيٍّ من فصول هذه المذكرات، الهدف من وراء كتابتها. بل إنّها تترك للقارئ فرصة أن يستشفّ الأمر وحده، في فصل من أروع فصول الكتاب «أن تحلم بلقائها». وفيه تحكي نعمة تفاصيل لقائها بكاتبتها المفضلّة سيمون دو بوفوار - صدفةً - في إحدى مكتبات باريس. فهي بعدما تأكدّت من أنّ تلك المرأة هي نفسها الكاتبة التي تنشر صورها على أغلفة كتبها، بادرت إلى مصافحتها وأخبرتها أنّها قرأت كلّ أعمالها. ولمّا سألتها دوبوفوار عمّا وجدته الأفضل، أجابت بصراحة ومن دون تردّد: «الثلاثية» (مذكراتها). إلاّ أنّ الشابة رجاء فكرت - بعد هذا اللقاء - في جوابها الذي قد لا يرضي روائية اجتهدت كثيراً في الفنّ الروائي. لكنّها برّرت لنفسها هذا الجواب قائلة: «بين مذكرات (سيمون دو بوفوار) لا تقرأ حياة امرأة، بل عصراً بكامله. ترافق مسيرة كاتبة بدأت تكتب في ثلاثينياته، عايشت تقلباته ونهوضه وآلامه، وغدت من صانعيه» (ص293).
في مذكراتها التي صدرت حديثاً بطبعتها الثانية (بعد النفاد السريع للطبعة الاولى)، تحذو رجاء نعمة حذو صاحبة «مذكرات امرأة عاقلة»، فتكتب عن تاريخ عصر عرفته وعاشته أكثر ممّا تكتب عن نفسها.
تختار الكاتبة أن تُقدّم نظرة توليفية للأحداث التي تُعيد ترتيبها بما يوافق رغبتها. وبدلاً من أن تسبر ذاتها، كما يحصل عادة في «الأدب الذاتي»، تستذكر عصراً بكامله، من خلال عرض الوقائع المهمة التي طبعت حياتها. فلا يقتصر اهتمامها على الأنا «الخاصة»، بل إنّها تصرف اهتمامها نحو «العام»، ليمتزج «الوجه التاريخي» بالوجه «الشخصي».
لا تعتمد رجاء نعمة الأسلوب التقليدي في السرد، ولا تتقيّد بالترتيب الزمني للأحداث، وإنما تعرضها كقصص متفرّقة بعناوين وشخوص ووقائع مختلفة. ويبقى «المكان» بمثابة الخلفية التي تتكأ عليها الكاتبة في سردها. وهذه التقنية هي أبرز ما يُميز «مذكرات امرأة شيعية»، لكونها وضعت قصص التذكّر الشخصي في الوسط بين التاريخ والأدب.
الاسم «اللاطائفي»
يعكس عنوان الكتاب «مذكرات امرأة شيعية» لفتة ذكية من الكاتبة. فهو يحمل مجاهرة علنية بطبيعة الهوية الدينية والمذهبية، في وقت يشهد فيه لبنان والعالم العربي تغيرّات أو بالأحرى انقسامات حادّة تُعيدنا جميعاً، ليس إلى طوائفنا فحسب، وإنما إلى مذاهبنا ومناطقيّتنا. فالمسلم هو إمّا سنّي أو شيعي. والأقليّات المسيحية في العراق ومصر وسورية ولبنان تزيد في تقوقعها على ذواتها، وسط هذا الانشطار الذي يعيشه المحيط الإسلامي الكبير.
رجاء نعمة، التي اختار لها والدها اسماً «يموّه الطائفة»، اكتشفت في وقت من الأوقات أنّ اسمها يُشكّل إرباكاً بالنسبة إلى كثيرين، ممّن كان هاجسهم «معرفة الأصول». ولمّا كان الإسم المموّه يحول دون التكهّن بالطائفة، كانوا يلجأون إلى «المعلوم الجغرافي» علّه يُلقي ضوءاً على «المجهول الديني».
لكنّ صاحبة «كانت المدن ملوّنة» لا تترك قارئها الفضولي متحرّقاً لمعرفة أصولها، فهي تجاهر منذ البداية ب «شيعيتها» وبانتمائها إلى منطقة صور الجنوبية. هكذا تروي إبنة جبل عامل تاريخ عائلتها، وكيفية تشكّل وعيها الطفولي في بيئة جنوبية (شيعية)، قبل أن تتلقّى صدمتها المعرفية الأولى في الصفّ: «قالت المدرّسة إنّ المسلمين في العالم أقليّة مقابلةً بالمسيحيين» (ص18)، لتتضخّم تلك الصدمة في الانتقال من مدرستها في صور - ذات الغالبية الشيعية - إلى مدرسة الراهبات الداخلية في الأشرفية (المسيحية)، ومن ثمّ في سفرها إلى فرنسا - قلب أوروبا النابض - لاستكمال إعداد الدكتوراه في إحدى جامعاتها.
فصلاً بعد فصل، يتبيّن أنّ هذا الانتماء المذهبي الذي تُعلنه الكاتبة في العنوان «مذكرّات امرأة شيعية»، ما هو إلاّ إبراز للهوية التي تجاهلتها ونسيتها في شبابها بعدما عاشت في حقبة يسارية وقومية لم يعرف مثلها لبنان.
تتميّز الشخصيات النسائية التي تعرضها نعمة في هذا الكتاب بصلابتها وتمرّدها. نساء مدينتها الجنوبية اللواتي كنّ يتدثرنّ بالسواد من الرأس حتى الكاحل، هنّ اللواتي تجرأن على السير في شوارع صور العريضة «كاشفات في عزّ النهار». وبعدما كانت تُمنع الفتيات من دخول المدرسة وإكمال تعلميهن، خوفاً من «المكاتبة» (مراسلة العشاق)، بتن يدخلن المدارس ويُحصّلن تعليمهن حتى المرحلة الجامعية. ومع بداية الستينات من القرن الماضي، اختفى الحجاب، أو كاد، (وفق تعبير الكاتبة)، وصارت «الغلالة» (الزيّ الأسود القديم) مجرّد ذكرى تُصادفها في «صور الأرشيف». فاستبدلت الشابات الإيشارب ب «الميني جوب» والكمّ الطويل ب «الجابونيز».
وتقول الكاتبة: «خُيّل لنا أنّ ما حدث كان بلا رجعة» (ص203)، لتُصدم - بعد رجوعها إلى وطنها - بأنّ الفتيات عُدن إلى ما كنّ عليه قبل عشرين عاماً. علماً أنّ حجابهن أخذ شكلاً آخر، بمعنى أنّه لم يعد عُرفاً أخلاقياً واجتماعياً بقدر ما أصبح رمزاً سياسياً، نتج من انخراط النساء في الحياة العامّة وفي النضال السياسي في صفوف أحزاب إسلامية - شيعية قاومت ضدّ إسرائيل.
تقف رجاء نعمة في مذكرّاتها عند المحطّات الكبرى في تاريخ عائلتها، ومدينتها، ووطنها، وعروبتها. من نضال الجنوبيين ضد الحكم العثماني، إلى مقاومتهم ضدّ الاستعمار الغربي، فالهجرة نحو العالم الجديد (من خلال شخصيتي وهبي وحميد نعمة)، إلى كسر بعض التقاليد والانخراط الشيعي في الأحزاب اليسارية، مروراً بالنكبة الفلسطينية وما خلّفته من آثار عميقة في قلوب العرب، وصولاً إلى مرحلة الثمانينات وظهور الأحزاب الإسلامية وعودة ظاهرة «الاحتشام» التي ثارت عليها النساء.
من هذه المحطّات تنطلق نعمة لترسم مسار مذكراتها التي تتغنّى بمرحلة ذهبية عاشتها هيَ وشباب جيلها في وطن لا مكان فيه للترهّات. وطن يؤمن بالإنسان قيمة مطلقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.