أعلن صندوق النقد الدولي بصورة مفاجئة أمس انتهاء الركود الاقتصادي العالمي وابتداء مرحلة انتعاش واسع النطاق، لكنه استبعد احتمال عودة الاقتصاد العالمي إلى معدلات النمو العالية التي ميزت أداءه طوال العقدين الحالي والماضي، محذراً من ان أزمة المال والاقتصاد خلفت «ندوباً عميقة» ستستمر في التأثير سلباً في العنصرين الأساسيين للنمو الاقتصادي، وهما العرض والطلب، سنوات كثيرة.وقال كبير الاقتصاديين في الصندوق أوليفييه بلانشار ان «الركود العالمي انتهى وبدأت مرحلة الانتعاش». وجاء الإعلان بعد نحو شهر من إجراء الصندوق تعديلاً جديداً على الآفاق الاقتصادية لعام 2009، متوقعاً انكماش النشاط الاقتصادي بنسبة 1.4 في المئة على مستوى العالم و3.8 في الدول المتقدمة وانهيار وتيرة نمو الاقتصادات الناشئة والنامية إلى 1.5 في المئة مقارنة بستة في المئة عام 2008. وأوضح بلانشار في مقالة نشرها الصندوق بأن الركود العالمي، الذي يتوقع ان تزيد خسائره الاقتصادية على ثلاثة تريليونات دولار بعد تبدد الآمال بمحاكاة نسبة النمو المحققة عام 2008 والبالغة 3.1 في المئة، من دون حساب مكاسب النمو القوي المسجل عام 2007 (5.1 في المئة)، «لم يكن نمطياً وبالتالي لن يكون الانتعاش كذلك». ودعا إلى عدم توقع تحقيق نسب نمو عالية في هذا الانتعاش. وشدد على ان «الانتقال من الركود إلى الانتعاش لن يكون سهلاً إذ خلفت الأزمة ندوباً عميقة ستؤثر سلباً في العرض والطلب سنوات كثيرة». وأضاف محذراً: «قد لا نعود في المستقبل إلى نمط النمو القديم»، مشيراً بذلك إلى أطول فترة ازدهار اقتصادي شبه متصلة في العصر الحديث وهي عقد التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة. ولفت كبير المستشارين الذي عدل في تموز (يوليو) الماضي نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد العالمي عام 2010 صعوداً إلى 2.5 في المئة، أي أقل من نصف نسبة النمو المحققة عام 2007، أي قبل اندلاع أزمة الرهون العقارية الأميركية، إلى ان الانتعاش سيأتي من معظم البلدان في الفصول القليلة المقبلة، لكنه نبه من ان خفض معدلات البطالة العالية الناجمة عن الركود سيحتاج إلى «بعض الوقت». وأشار إلى ان الانتعاش العالمي الوليد ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على مصادر الدعم الحكومي بشقيها النقدي والمالي المتمثلين بآليات تأمين السيولة وخفض كلفة التمويل وحفز الطلب عبر الإنفاق الحكومي، مشدداً على ان النمو المستدام يحتاج إلى العمل على اعادة التوازن الدقيق إلى الاقتصادات على مستوى الدول وعلى الصعيد العالمي. ولاحظ بلانشار بأن «النمو المستدام في الولاياتالمتحدة، كما الحال في الدول الأخرى، يتطلب إجراء عملية إعادة توازن بنقل مهمة الإنفاق من الحكومة إلى القطاع الخاص، مجدداً التأكيد على أهمية تصدي الحكومة لمهمة معالجة العجز الضخم الذي ترتب على حفز الاقتصاد في إشارة إلى نحو أربعة تريليونات دولار يتوقع ان تثقل كاهل الموازنة الأميركية في السنتين الماليتين الحالية والمقبلة. وقال ان «الولاياتالمتحدة لا يمكنها الاعتماد على أسعار الفائدة المنخفضة لتغذية انتعاش اقتصادها ولا حتى على الإنفاق الاستهلاكي، فمحتمل ان يلجأ المستهلك الأميركي إلى زيادة الادخار في السنوات المقبلة». وأضاف ان النمو المستدام يتطلب من أميركا زيادة صادراتها وحدوث خفض في مقابل صادرات بقية العالم، خصوصاً آسيا حيث تحتاج الصين، مثلاً، إلى زيادة الطلب المحلي». وبرزت مسألة توجه المستهلك الأميركي للحد من الإنفاق حقيقة مؤكدة بعدما أشار مكتب التحليلات الاقتصادية في وزارة التجارة الأسبوع الماضي إلى ارتفاع معدل الادخار الشخصي إلى 6.2 في المئة في أيار (مايو) الماضي للمرة الأولى في عقود قبل ان ينخفض إلى 4.5 في المئة مع تراجع الدعم الحكومي المباشر في حزيران (يونيو). وتحظى مسألة الادخار بتشجيع قوي من قبل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ومعظم المحللين لما لها من تأثير أيجابي مباشر في العجز التجاري المزمن لكن المستهلك الأميركي، الذي يساهم بإنفاقه بأكثر من 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويبقي أبواب سوق الواردات الأميركية مفتوحة أمام الجميع، لم يعد يملك الخيار بعد الخسائر الهائلة التي لحقت به وجعلت تقلص إنفاقه أكبر الندوب العميقة للأزمة بحسب بلانشار.