في نهاية الحرب بين العراق وإيران 1988 قال الإمام الخميني إنني أوقّع على اتفاق وقف إطلاق النار وكأنني أتجرع السم، وهو مشهد تكرر مع صديق لي بعد نهاية مباراة الميلان وبرشلونة، حيث قال لي: «إنني أعترف بهزيمة الفريق الذي أحب مكرهًا، وكأنني أتجرع السم». لقد كان المشهد مروعًا، فالفريق الذي اعتاد عليه الناس فائزًا في كل مواجهة يخرج بخفي ميسي الفارغين، خائبًا، ظلاً لنفسه، وكأنه في حال تنويم مغناطيسي، عاجز عن الوصول إلى مرمى فلايق بيرلسكوني الذي قال إنه سيقبل بأية نتيجة تكون أمام الفريق الكاتالوني، وعاش من عرف قدره.. غير أن رفاق بواتينغ قلبوا الطاولة على الفريق الذي قال الناس في شأنه: «كرة القدم لعبة سهلة جدا، إذ يكفي أن يلتقي 22 لاعباً في أي ملعب كان، لمدة 90 دقيقة ويكون الفائز دائمًا برشلونة..» واعترف الراشلة بأنهم كانوا سيئين مثل ملعب سان سيرو الذي نصحوا بيرلسكوني بأن يحوله إلى حقل للبطاطا، فقد يدر مزيداً من المال لخزانة الكافاليري. اعترف رورا واللاعبون، ولم يعترف عشاق البارشا، لأنهم تعودوا الفوز وحده، وأقل الأضرار تعادلاً بطعم الهزيمة أحيانًا، ولكن في قاموس كرة القدم توجد الهزيمة أيضاً، ومن يسقطها من حساباته يدخل نادي المتعصبين، الأنانيين، الرافضين لمنطق ثلاثية اللعبة «ربح، خسارة وتعادل» ومن يقبل باثنتين فعليه أن يتعلم من مباراة الميلان كيف يتجرع مرارة الخسارة، ولو كان الخاسر فيها ميسي وتشافي وإنييستا.. أنا واحدٌ من هؤلاء الذين اعتادوا حصول برشلونة على نقطة الامتياز في كل مبارياتها، حتى تكرس في ذهني أنه لا يجوز لهذا الفريق أن يخسر، وعندما خسر هذه المرة قدمت التعزية لمناصري هذا النادي الجميل.. ولنفسي أيضاً. وكان خير عزاء في كل هذا، ما قاله رورا حين سئل عن إمكان العودة في النتيجة في الكامب نو «تبدو المسألة مستحيلة.. لكن إذا كان هناك من فريق قادر على التحدي وقلب الموازين، فليس هناك سوى برشلونة».. هو كلام يحمل كثيراً من الثقة، ولكن صاحبي قال لي: «لو أن غوارديولا أو فيلانوفا كان حاضراً، ما كانت الأمور لتؤول إلى ما آلت إليه..»، فأجبته، لم نكن نعرف غوارديولا قبل رايكارد، ولم نكن نعرف رايكارد قبل كرويف، ولم نكن نعرف فيلانوفا قبل غوارديولا، وعلينا أن نعرف رورا بعد كل هؤلاء.. وأعتقد أنه سيكون مدرباً ناجحاً، لأنه يقبل بالهزيمة..». أما الميلان، فأمره عجيب، إذ بعد أن دقت جماهيره صفارة الإنذار بعد رحيل إبراهيموفيتش وسيلفا، انتظر الجميع سقوطاً حراً لسيد الفرق الإيطالية، وانتعش الأمل بمجيء بالوتيللي وبروز الموهبة الفرعونية الشعراوي، فكانت ضربة المعلم بفوز تاريخي على برشلونة، قد ينقل عشاقه من حال الإحباط إلى الغرور.. وعلى الجميع أن ينتظر موقعة الكامب نو ليعرف مسافة الأمل ودرجة الواقعية. لقد كانت مباراة سان سيرو امتحاناً حقيقياً لكيفية التعامل مع منطق الربح والخسارة.. والحلو والمرارة. [email protected]