على رغم تصريحات وزير الصناعة التقليدية، عبدالصمد قيوح، بأنه يبذل جهداً لإعادة إحياء المهن المهددة بالإنقراض، ولتقريب الصناعة التقليدية من جمهور الشباب، سواء من طريق البرامج التكوينية المتعلقة بالتدرج أو التأهيل المهني، أو من خلال تشجيع حسّ المبادرة والإبداع، إضافة إلى ضخ ملايين الدراهم لدعم وتأهيل العديد في مجالات الصناعة التقليدية بحلول العام 2015 لا سيما في منطقة مراكش، إلا أن عدداً من الحرف التقليدية في خطر الإندثار، من بينها «اللبادة». رشيد حلبي على مشارف الأربعين من العمر، ورث حرفة «اللبادة» أبّاً عن جد، وأبى ألا يحلّ به ما حلّ بنحو 60 دكاناً في المدينة القديمة بمراكش، والتي تخلّى أصحابها عن هذه الحرفة طمعاً في تجارة التذكارات التقليدية في هذه المنطقة السياحية. وحرفة «اللبادة»، بحسب رشيد، تتمثّل في تشبيك شعيرات الصوف ومزجها بالماء والصابون الأسود (البلدي)، ثم فركه بقماش مبلل يمزج بالماء والصابون حتى تصير قطعة واحدة. وبعد غسل المنتج الملبد، يمكن أن يُصبغ أو يحتفظ بلونه الأصلي بعد أن يجفف في الشمس. لا يعرف رشيد أصل مهنته، لكن يقال إنها من إرث الثقافة العثمانية في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا يبدو أنها ممارسة عمرها قرن على الأقل، بحسب باحثين. ويروي رشيد أنه كان يقصد محلّ والده، أيام العطل المدرسية، منذ كان ابن 14 سنة، ويلفت إلى أنه لم يعد يمارس الصنعة في مراكش سوى أربعة حرفيين. ويقول إنه حاول تطوير الحرفة المهددة، لولا اهتمام سياح أجانب بمنتجاتها. فراح، بمساعدة أخيه، يتفنن في أشكال المنتجات التقليدية في شكل يبهر الأبصار، منتقداً ثقافة «الربح السريع» التي خرّبت عقول زملائه من الحرفيين، في ظل غياب معاهد تعلّم هذا الفن وتحافظ عليه. وتتأثر حرفة «اللبادة» بالتقلبات المناخية، إذ تفوق نسبة «الكسور» أحياناً 27 في المئة من وزن الصوف الذي يتأثر بالرطوبة خلال الشتاء، ما يؤثر في وزنها صيفاً. ويراوح ثمن الصوف بعد «استصلاحه» بين 10 و40 درهماً مغربياً (أي من دولار إلى خمسة) بحسب الأنواع (صوف الواد، حلوانة، العطارية، اللباطية، دزة ودحة، الدزة المغسولة، البروال وصوف الرأس). وتستغرق مدة إنجاز «اللبدة» الواحدة القياس الوسط يوماً كاملاً، ويحوّل إلى سجّادة للصلاة أو كمكوّن في صناعة السروج أو الطربوش الأحمر في الزي التقليدي. غير أن بعض الزبائن يفضل اليوم السجاد التركي لأنه أخف وزناً وأكثر مقاومة للتلف وأرخص أيضاً. كما انخفض عدد مُرتدي الطرابيش التقليدية من اللباد بأثر من عصرنة المجتمع. هكذا، قرر رشيد أن يجتهد في تجديد استخدامات «اللبادة»، في الأحذية مثلاً والأوشحة وحقائب اليد وغيرها، على رغم منافسة الآلة لهذه الصنعة و«نسخ البضائع الصينية» لأفكاره. يعوّل رشيد على امكاناته الذاتية، وتشجيع عشاق حرفته ومن بينهم مشاهير في السياسة والفن والرياضة، إضافة إلى سكّان أعالي الجبال الذين يعانون قسوة الطقس. ويشكو غياب مَعارض لتسويق منتوجاته، واللامبالاة الرسمية. وقد يتغنى البعض بعدد السياح في مراكش، كمؤشر لازدهارها، إلا أن الصناعات التقليدية لا تستفيد من ذلك بسبب منافسة الآلة والمنتجات الرخيصة. «يجب حماية اللبادة من الإندثار»، يقول رشيد، «نحن في حاجة إلى الدعم، ليؤمن الشباب بأنها حرفة لمستقبلهم، فيتشرّبون أسرارها».