لا تتجاوز القيمة التي يدفعها الزبون ليحصل على أحدث الأفلام المعروضة في دور السينما مبلغ عشرة ريالات للفيلم الواحد، من دون عناء السفر لدور السينما في الدول المجاورة، وهي استثمار استغلته محال بيع وتأجير الأفلام، والتي لا تهتم كثيراً بقرارات حماية الملكية الفكرية، ولا تنظر للعقوبات الرسمية التي يمكن أن تطاولها. وتعمل هذه المحال على متابعة المواقع الإلكترونية التي تقوم بسرقة الأفلام من طريق القرصنة، وتوفيرها لمستخدمي تلك المواقع، وتتمتع بجودة عالية للصورة والصوت، ما دفع هذه المحال إلى التعامل المباشر معها لحصد أرباح كبيرة، إذ تجذب زبائن يتعاملون مع هذه الأفلام المنسوخة وبطريقة تقليدية. ولم يتوقف البيع على نسخ الأفلام في قرص ممغنط، بل تعداه لتوفير خدمة تعبئة ذاكرة خارجية من الحجم الكبير أو المتوسط وبمبالغ لا تتجاوز 100 ريال، كخدمة إضافية لهذه المحال، وبالمرور بجوارها سيتعرف على حجم أعداد الزبائن المتعاملين معها. زارت «الحياة» أحد تلك المحال، وللوهلة الأولى في داخلها ينتاب الزبون تناقض غريب، بعد أن تصدمه كمية الملصقات الإعلانية لبرامج ومسلسلات وأفلام قديمة جداً، وكأن الزمن توقف عند حقبة فنية محددة، من دون الإشارة للحقبة الحالية، حتى إن أشرطة الفيديو القديمة لا تزال معروضة للبيع. يقف الزبون أمام سجلات تحوي صوراً إعلانية للبرامج والأفلام التي تباع، ومصنفة بحسب طبيعتها، ويجذب الانتباه سجل خاص بالأفلام الجديدة المعروضة في دور السينما حالياً، وبمجرد طلب الفيلم يخرج صندوق كرتوني لأقراص منسوخة وبهذه البساطة يتم البيع. رفض صاحب أحد هذه المحال الحديث حول هذا الموضوع، وبنبرة غضب قال «الكل ينسخ من الإنترنت، فالمواقع كثيرة والأفلام موزعة، وهذا رزقنا»، انتهى الحوار عند هذا الحد، إلا أن صاحب أحد المحال (فضل عدم ذكر اسمه)، أشار إلى أن السبب الرئيس وراء هذه التجارة هو «الكساد الذي أصاب المحال بعد ظهور الإنترنت والسرعات الكبيرة المتوافرة». وقال «كنا نعتمد في الماضي على أشرطة الفيديو التي تصلنا من شركات التوزيع، وكانت تجد رواجاً كبيراً، قبل أن تتحول هذه الأشرطة إلى ذكرى من الماضي، ونعم كان هناك نسخ وغش تمارسه بعض المحال، إلا أن الرقابة والتشديد على النسخة الأصلية كان يدفعها للالتزام ولو بشكل بسيط». ويقول سلطان محمد (أحد الزبائن) «أتعامل مع هذه المحال منذ زمن، وأستمتع بالأفلام التي يوفرونها، فمشاهدة الأفلام مع الأصدقاء في ليالي العطل الأسبوعية لها نكهة خاصة»، مضيفاً «أنا أعرف المواقع الإلكترونية التي يقصدها هؤلاء وأستطيع أن آخذ الفيلم مباشرة، ولكن هذا سيتطلب وقتاً طويلاً وجهداً أكبر، ويكون الإنترنت سريعاً، ولتوفير كل هذا أدفع عشرة ريالات وأحصل على الفيلم». ويوضح «كنا في الماضي نستأجر شريط الفيديو بمبلغ 15 ريالاً، ونشتريه بمبلغ 30 ريالاً، وكانت هذه المحال مصدراً جيداً من مصادر الترفيه، فلم يكن هناك قنوات فضائية أو إنترنت، وكل ما ننشده مسلسل أو فيلم عربي أو أجنبي، ومن كان يملك جهاز فيديو كان ملك زمانه». لم يكن عمل هذه المحال منذ بدايتها سهلاً، إذ تعرضت لموجات رفض من متشددين، وحتى من أناس عاديين كان يرون فيها أنها مصدر من مصادر الإفساد الخلقي، وأوكار لترويج إنتاج الكفار، بحسب تصريحات سابقة لمتشددين، وتعرضت في مناطق مختلفة من المملكة للإغلاق والإتلاف. ويروي الكاتب منصور النقيدان في أكثر من لقاء إعلامي حكايته مع هذه المحال، إذ سجن في منتصف 1991م، بعد أن قام وبمساعدة متطرفين بإحراق محال الفيديو في بريدة، ليحكم عليه بالسجن لمدة عامين وثمانية أشهر، والنقيدان واحد ممن ركبوا موجة القضاء على هذه المحال، إلا أنها لا تزال مفتوحة إلى الآن. وزاد غضب المجتمع المحافظ جداً على هذه المحال، بعد أن تمت مداهمة إحداها، والتي كانت توفر أفلاماً ومشاهد جنسية، تروجها عمالة وافدة تديرها، وتم الإعلان عن اكتشاف هذه الخلايا في مناطق مختلفة في المملكة مثل حفر الباطن والمكلا والأحساء والرياض ومناطق متعددة، ما جعل صورة هذه المحال مشوهة في نظر المجتمع. وتعد هذه المحال أرشيفاً مهما للكثير من الأعمال الفنية النادرة، ومرجعاً رئيساً للباحثين عن التراث الفني، ولا تزال كما كانت و بالترتيب ذاته، فالملصقات الدعائية القديمة وبطريقة عرضها من دون تغيير من إمالة الصورة بزاوية محددة، وصولاً إلى مكان وضعها وازدحامها داخل المحل، وبزيارة واحدة لها سيسترجع الزبون ذكريات كثيرة من زمن الفن القديم.