تتعمد إضافة نقطة من العطر على الورقة التي انتهت للتو من خطّها، قبل أن تضعها في مغلّف. تشمها للتأكد من أن الرائحة تفوح منها، وترسلها. تصل إلى يد رجل يتلذذ بشمّ المغلف قبل أن يفتحه، ليقرأ رسالة من حبيبة لوّعه الشوق إليها. مشهد يكاد يكون ضرورياً في الأفلام القديمة التي ترتكز الى قصص الغرام المستعصية. تلعب نقطة العطر هذه رابطاً يذكّر برائحة الحبيبة البعيدة عن النظر، فتحرّك مشاعر اللقاء الأول. قال كريستيان ديور: «عطر المرأة يعرّف عنها أكثر من خط يدها»، مقولة تحمل من الشاعرية ما يشبه ذلك العطر الذي يصعب تصور تركيبته أو الوقت الذي يأخذه كي يصل العطّار أو مبتكره إلى ما يترجم أفكاره، ليبتكر عطراً تجد فيه أكثرية النساء امتداداً لما يرغبن في اظهاره، إذ إن العطر جزء من شخصية المرأة الكاملة. اختيار العطر أمر شخصي. يصعب القول مَن يجب أن يختار ماذا، فالعطر يشبه اللاوعي الموجود في يومياتنا من دون أن نتنبه إلى أنه محرك غير مباشر لكثير من تصرفاتنا اليومية، والعطر بطبيعته ينبع من عواطف شخصية فيولد أحاسيس أخرى عند الآخر. لذلك نرى في كثير من الأحيان نساء يضعن عطراً خاصاً بالرجال، من دون أن ينتقص ذلك من أنوثتهن أو يؤثر في شخصيتهن، وذلك نابع من أن العطر بطبيعته يرتكز الى التفاعل الأولي مع رائحة الجسد الأولى، اللاعب الأساسي في اختيار العطر المناسب، إذ ان العطر يتفاعل مع هذه الرائحة ليوّلد التوقيع الخاص بكل شخص. وتتطرّف «كوكو شانيل» في نظرتها إلى العطر، إلى حد القول: «المرأة التي لا تضع عطراً، لا مستقبل لها»، قد يكون هذا التطرف من قبل «دوموازيل»، نابعاً من الأهمية التي تحاول أن تعطيها لهذا السحر الجذّاب الذي يساهم في تحديد هوية المرأة مرتكزاً الى الانطباع الذي تخلّفه حولها.