ربما قالت السيدة فاليري تريرفيلر في نفسها: «وش ذا الورطة؟!»، حين وجدت نفسها في مهام دور جديد عليها وعلينا - نحن المتابعين -، فالسيدة الأولى في فرنسا لا تسكن الشقق بل القصر. هذه المشكلة حلتها وزارة الداخلية بالإقناع حين قالت لها: «ضفي عفشك. القصر يحتريك»، لأن الشارع الذي تسكن فيه ضيق، ولن يمكنهم تفتيش الداخلين ومراقبة سكانه، وإلا أضر بسمعة الرئيس. لكن ورطة تالية حلت على رأسها، حين وصف الشعب الفرنسي بأن عمل السيدة الأولى صحافية هو فضيحة ما بعدها فضيحة. فكيف تشتغل زوجة الرئيس صحافية، وتكتب عموداً يومياً؟ السيدة تريرفلير كان جوابها حاضراً منذ حملات زوجها الانتخابية، قالت لهم: «هذا أكل عيشي، لديّ ثلاثة أطفال - من زيجة أخرى - فمن سيصرف عليهم، أشحت يعنى؟». وإن ظن البعض أنها واحدة من حيل الانتخابات التي تسرف في تزييف الوعود، فإن إصرارها قد أصبح اليوم حقيقة. السيدة لا تريد أن تشحذ من أحد ولا حتى إعجابه، فهي جادة، وقد صارت تذهب إلى مكتبها كل يوم وتكتب. ربما - وبحسب منهج زوجها الرئيس الاشتراكي الذي أصر على أن يكون رئيساً عادياً - أرادت هي أيضاً أن تكون سيدة أولى عادية، وبدلاً من تنسيق الورود والتسوق من المراكز التجارية وشراء أحدث الماركات الغالية، تريد أن تكتب وتشارك في تزويد الرأي العام بالحقائق التي تساعد على دفع عجلة التطور والحياة قُدماً. هل تضحك علينا السيدة تريرفلير بمعاندتها الرخاء، وفخامة الغرف الرئاسية ولمعة الرخام وعاملات التدليك تحت الطلب والمزينات؟ لكن لو ضحكت علينا فإنها لن تستطيع أن تضحك على الشعب الفرنسي الذي راحت تحاجُّه بالتاريخ، وهو يلومها، فالفرنسيون الذين لاموا ساركوزي على خفته التي أساءت إلى صورة رئيس الجمهورية الوقورة، حين تزوج بمغنية تستخدم شهرته في بيع أسطوانتها، وهو يظهر معها في الأستوديو، ويدعو لها بالتوفيق، لاموها أيضاً، لأن هذه الصورة الحديثة لا تتطابق مع نمطية السيدة الأولى، وإن كانوا قد غفروا للسيدات الأوائل الثلاث قبلها عزوفهن وزهدهن في القصر الرئاسي، وغضوا النظر عن طيش زوجة ساركوزي فإنهم اليوم أمام امرأة عاملة، بل وعاملة بطريقة حساسة، فهي صاحبة رأي وتنشر هذا الرأي الذي قد يمتلك سطوته بحكم موقعها الجديد فيصبح القول ما قالت زوجة الرئيس، وإن كانوا قد غضوا الطرف عن زوجة رئيس تغني فلأن الأغاني لا تؤثر في الناس، كما تؤثر حقائق سياسية تخرج موقَّعة باسم زوجة الرئيس. السيدة تريرفلير حاججت شعبها بقصة أكبر من كل هذا، فقد لجأت إلى التاريخ لتستخرج منه دوراً لعبته زوجة الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت، التي وصفتها تريرفلير ب «المرأة غير الخاضعة»، وكشفت أن إليانور زوجة فرانكلين - على رغم أنها أمٌّ لستة أطفال - فقد اتخذت مواقف سياسية، وكتبت في الصحف وقبلت منصب رئيس تحرير، قبل أن يكون لها عمود يومي، وكأنها تقول للفرنسيين: «جيزي جيزها»، وبالعامي الهندي: «سيم سيم». إن كان الناس يحتكمون إلى التاريخ، كي ينتصروا للزهد في القصور ويفارقوا الدعة ويتحببوا في النزاهة والعمل فهذه من المآثر التي يُحمَدون عليها، المهم ألا يحتكم أحد إلى التاريخ، كي يبرر سرقاته وكذبه ونعراته. أنا شخصياً لو كنت مكانها ما تخليت عن متعة الكتابة التي لا تعادلها متعة، لكن هذا ليس بأية حال دعوة لأن تنتخبوني. [email protected]