يقول عدد من المحللين السياسيين والصوماليين إن الرئيس الصومالي الجديد شيخ شريف شيخ أحمد يرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه سلفه عبدالله يوسف أحمد، ويُخشى أن يلقى المصير ذاته إذا ما أصر على إبقاء قوات حفظ السلام الأفريقية الداعمة لحكومته في البلاد، وتجاهل نداءات المطالبين بسحبها للحيلولة دون وقوع صدام بين قوات الحكومة القليلة العدد والعدة ومقاتلي المعارضة. وكان الرئيس السابق عبدالله يوسف، اللاجئ في اليمن حالياً، استقال في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي بعد خلاف حاد مع رئيس وزرائه نور حسن حسين. وأخذ عليه كثيرون من الصوماليين تغليب منطق القوة على الحوار، والاستعانة بالقوات الأجنبية - خصوصاً الإثيوبية - مما أفقده تعاطفاً شعبياً وأدى به إلى الغياب عن الساحة السياسية الصومالية. ويقول محللون إن دعوة الرئيس الصومالي إلى إرسال مزيد من قوات السلام الأفريقية إلى البلاد على رغم المعارضة الشعبية الواضحة لها، يدل على مدى المخاطر السياسية التي تُحدق بحكومته، والتي قد تقود، في نهاية الأمر، إلى انهيارها. ويشدد المحللون على أن الصوماليين يحتاجون إلى سماع تصريح واضح من رئيسهم عن مستقبل هذه القوات، وإلا فإن دائرة المعارضة لهذه القوات ستتسع على الأرجح. وكشف مسؤول في الاتّحاد الافريقي قبل أيام أن الاتحاد، الذي كان قد عجز حتى الآن عن جمع ثمانية آلاف جندي هم عديد قوة السلام المقررة للصومال، نجح قبل أسابيع في نشر نصف هذا العدد سراً في داخل هذه الدولة الغارقة في الفوضى منذ عقدين تقريباً. وسارعت «حركة الشباب المجاهدين» التي تقود التمرد المسلح في الصومال، إلى الدعوة إلى مضاعفة الهجمات ضد هذه القوات، داعية في بيان على موقعها على شبكة الانترنت إلى تصعيد العمليات ضد من سمّتهم «الكفّار». وحتى قبل أسبوع، كان للاتحاد الافريقي 3400 جندي فقط ينتشرون في الصومال ويتولون خصوصاً حماية المؤسسات الحكومية الأساسية مثل المطار والمرفأ والقصر الرئاسي في مقديشو. ومن ضمن الصلاحيات الممنوحة لهذه القوات، التي قتل من أفرادها 23جندياً منذ 2007، حماية كبار مسؤولي الحكومة وتدريب قوات الأمن الوطنية. ولكن يُتوقع أن يثير وصول القوات الجديدة عاصفة بين الصوماليين خصوصاً أولئك المعارضين لانتشار قوات أجنبية على أرضهم، ما سيشكل اختباراً جديداً لإدارة الرئيس الإسلامي المعتدل شيخ شريف شيخ أحمد، التي لم تكمل الشهرين منذ تدشينها أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي. وتأتي الضجة حول مستقبل القوات الأفريقية في وقت حساس يحاول فيه الرئيس أحمد «ارضاء» المعارضة الإسلامية التي تطالب بإخراج هذه القوات، من خلال استجابته أحد متطلباتها وهو تطبيق الشريعة الإسلامية. وكشف الرئيس أحمد يوم السبت، في أول تصريح له عن مستقبل القوات الأفريقية المنتشرة في العاصمة، أن حكومته طلبت من دولتي أوغندا وبروندي اللتين تكوّنان الآن كل قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، إبقاء قواتيهما في البلاد «حتى تتمكن الحكومة من بناء جيشها وإبرام مصالحة مع معارضيها»، مضيفاً أن الدولتين قبلتا منه هذا الطلب. وقال أحمد الذي زار أخيراً دولاً أفريقية عدة من بينها السودان وليبيا وأغندا وبروندي (والآن القمة العربية في الدوحة)، إنه أبلغ دول الاتحاد الأفريقي بحاجة حكومته إلى المساعدة «حتى تقوم على قدميها»، مما يشير إلى عدم وجود نية لدى الحكومة بطلب خروج القوات الأفريقية في المستقبل القريب. ولكن هل الشعب الصومالي مستعد لمنح حكومته هذه الفرصة إلى حين إنشاء جيش مؤهل وقادر على ضبط الأمن وحفظ القانون؟ «لا»، يقول محمد حسن حاد، رئيس مجلس زعماء قبيلة الهاوي (الهوية) النافذة في مقديشو. ويضيف: «لا يطيق الصوماليون الصبر على وجود القوات الأجنبية في بلادهم. إننا نعرف الأجانب الذين أتوا إلى الصومال باسم قوات حفظ السلام. جرّبنا قوات الأممالمتحدة، والقوات الإثيوبية. لقد ارتكبوا مجازر في حق المدنيين. إنهم، في غالب الأحوال، عقبة في سبيل جهود صنع السلام في البلاد». وكان حاد جزءاً من عدد من زعماء قبيلة الهاوي الذين جاؤوا إلى العاصمة الكينية قبل أيام لشرح موقفهم المناهض للوجود الأجنبي في البلاد للمجتمع الدولي. ويقول حاد إنه لو كانت الاستعانة بالقوات الأجنبية مجدية لأي حكومة صومالية، لكانت حكومة الرئيس السابق يوسف نجحت في بسط نفوذها في البلاد. ويضيف: «إذا لم يستجب شريف (الرئيس) إلى دعوات الشعب، فإنه لاشك سيلقى المصير نفسه الذي لاقته حكومة عبدالله يوسف». لكنه يقول إنه متفائل بأن الرئيس شريف أحمد سيغيّر موقفه ويؤيد موقفهم و «سيتفادى أخذ الطريق نفسه الذي أخذه سلفه». وكان مجلس علماء الصومال أمهل القوات الأفريقية الشهر الماضي 120 يوما للانسحاب، بدءاً من آذار (مارس) الجاري، قائلاً إن هذه القوات لم تدخل الصومال بناء على رضى الشعب، ولذا يجب انسحابها. وكان الرئيس أحمد (الإسلامي المعتدل)، قبل أن يصبح رئيساً للصومال، يدعو إلى سحب القوات الأجنبية، مؤكداً أن الصومال لا يحتاح إلى حماية من قوة أجنبية. واعتبر كثيرون من الصوماليين وصوله إلى سدة الحكم في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي تحوّلاً كبيراً في الساحة السياسية الصومالية التي همّشت الإسلاميين منذ استقلال البلاد في عام 1960. من جهة اخرى، قال نائب صومالي إن زميلاً له أصيب بجروح خطرة أمس الأربعاء عندما أطلق مسلحون النار على سيارته وقتلوا سائقه. وتعرض النائب قمر احمد ساهكتي للهجوم قرب منزله في اقليم ياكشيد في شمال مقديشو. وقال النائب إبراهيم اسحق لوكالة «فرانس برس»: «فتحوا النار على سيارته فقتلوا سائقه، ونُقل هو إلى المستشفى». وأضاف «أن وضعه ليس في غاية الخطورة. أصيب في صدره». وأكد قريب من النائب المصاب ويدعى محمد عبدالله الواقعة. ولم تُعرف هوية المهاجمين على الفور، لكن المتمردين الإسلاميين المعارضين لحكومة الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد شنّوا في الأسابيع الأخيرة سلسلة هجمات استهدفت مسؤولين صوماليين كباراً. في غضون ذلك، أوردت وسائل إعلام صومالية أن الزعيم الإسلامي المعارض حسن ضاهر أويس (عويس) الذي تدرجه واشنطن على لائحة المطلوبين بتهمة الإرهاب وتتهمه بصلات مع تنظيم «القاعدة»، غادر منفاه الاختياري في اريتريا وتوجه إلى السودان، وأنه ربما يعود إلى مقديشو قريباً. وضاهر أويس (62 عاماً) رئيس سابق ل «اتحاد المحاكم الإسلامية» الذي حكم مقديشو في العام 2006 حتى أطاحته القوات الإثيوبية، مع رفاقه الذين كان بينهم الرئيس الصومالي الحالي شيخ شريف أحمد، وأسسا معاً في ما بعد «تحالف إعادة تحرير الصومال»، قبل أن ينفصلا إثر انتخاب أحمد رئيساً للبلاد مطلع العام خلال محادثات رعتها الأممالمتحدة في جيبوتي. وذكرت محطات إذاعية في مقديشو أن أويس زار الخرطوم وأجرى محادثات أول من أمس مع اثنين من كبار المسؤولين السودانيين. وقالت إن من المتوقع أن يطير إلى العاصمة الصومالية في وقت لاحق للإعراب عن دعمه لحكومة أحمد. وأبلغ حليف وثيق لأويس في مقديشو وكالة «رويترز» أن وصوله مرتقب خلال أسبوعين. وقال المصدر إن خطط الرجل لم تتضح بعد، لكنه نفى أن يكون التقى أي مسؤول سوداني. وأكد مصدر صومالي رفيع في الخرطوم أن أويس زار السودان، وقال إن من المحتمل أن يسافر شيخ شريف أحمد لمقابلته هناك، من دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل. وكان أويس ندد بأحمد بوصفه أداة في أيدي الإثيوبيين واعتبره «خائناً للإسلام».