عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    محمد بن عبدالرحمن يفتتح ورشة الوضع الراهن في إمارة الرياض    أمير الشرقية يدشن منصة «ريادة»    اتحاد القدم السعودي يوافق على تقديم فترة تسجيل اللاعبين    المملكة وإندونيسيا.. شراكة تاريخية وحضور اقتصادي مؤثر    فيصل بن مشعل يكرّم اختصاصيي الحوكمة والجودة في «أبناء»    بطولة "درع الوطن" لكرة القدم بمشاركة 16 فريقاً عسكرياً في عسير    أسعار النفط تقفز 2%    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام ينظم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات    إيران تعلّق رسمياً تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    ملتقى "مشروع مجتمع الذوق" يجمع قادة المؤسسات في المنطقة الشرقية    تعيين أحمد زيدان أمينا عاما لغرفة المدينة المنورة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    سكان المملكة ينفقون 13.62 مليارات ريال خلال أسبوع    مقتل 2 بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فرنسا    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان.. الاثنين المقبل    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    وفد أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السعودية التركية بمجلس الشورى يلتقي رئيس البرلمان التركي    من أعلام جازان.. الأستاذ عبدالله بن عيسى إسماعيل الشاجري    دبي تستضيف النسخة السادسة من القمة الطبية لأمراض الدم لدول الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    بدء صرف"منفعة" للأمهات العاملات    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    ترمب: فلسطين وإيران محور مباحثاتي مع نتنياهو.. جهود دولية لوقف إطلاق النار في غزة    وصل إلى عدن في أول زيارة منذ 10 أشهر.. المبعوث الأممي يدعو لإنهاء الجمود السياسي باليمن    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أصداء    العثمان.. الرحيل المر..!!    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«موت دانتون» لبوخنر: غذاء الثورات من دماء أبنائها وأرواحهم
نشر في الحياة يوم 06 - 03 - 2012

«ليس التشاؤم في الفن فعلاً مضاداً للثورة، بل إنه يخدم في التنبيه ضد حسن نيات الممارسة الراديكالية: تلك الممارسة التي تعتبر خطأ أن كل المشكلات التي يثيرها الفن، وكل الشرور التي يندد بها، يمكن حلها من طريق الصراع الطبقي. ومن هنا فإن هذا التشاؤم يتسلل بالضرورة، وكفعل صحي، من داخل الأعمال التي تجعل من الثورة، والترويج لها، موضوعها الرئيسي. ومثالنا الأكثر كلاسيكية على هذا هو مسرحية «موت دانتون» لجورج بوخنر». هذا الكلام الذي كتبه الفيلسوف الألماني/ الأميركي هربرت ماركوزه في عام 1977 يمكن اعتباره نوعاً من إعادة الاعتبار لعمل فني كتب قبل ذلك بنحو قرن ونصف القرن، وكتبه مؤلف كان قدره أن يموت وهو بعد في الثالثة والعشرين، بعد عامين فقط من تقديم هذه المسرحية للمرة الأولى على الخشبة في هامبورغ وإثارتها ما أثارته من عواصف. واللافت أن بوخنر لم يكن حين كتب «موت دانتون» تجاوز العشرين من عمره، ومع هذا كان سبق أن ثبّت مكانته ككاتب متمرد واع، عبر الكثير من الكتابات السياسية والمسرحية. لكن «موت دانتون» رجمت ولعنت، ذلك أنها لم تتوانَ، في سبيل الحديث عن الثورة الفرنسية، عن ابتكار ما سمّي لاحقاً ب «البطل المضاد»، وعن طرح معضلة البطل الإشكالي ودور الفرد في صناعة التاريخ، ثم دور القلق في صناعة الفرد، مارّة في طريقها على واحدة من الإشكاليات التي ستشغل بال القرنين التاسع عشر والعشرين: حق الثورة في أن تأكل أبناءها. وبالنسبة إلى جورج بوخنر، تقدم إلينا الثورة الفرنسية حالاً كلاسيكية عن أهل الثورة وأبطالها حين ينقلب بعضهم على بعض، وقد شعر كل واحد منهم بأن الحق في جانبه، وأنه هو - من دون غيره - المؤهل لحمل رسالة التاريخ، ما إن ينتصر العمل الجماعي ضد العدو المشترك.
غير أن قراءة أكثر تعمقاً، اليوم، ل «موت دانتون» كفيلة بأن تجعلنا نرى فيها تجاوزاً، ومن بعيد، لإشكالية الثورة وأبطالها، لنصل إلى لب موضوعها، وهو ما يعبّر عنه الباحث الفرنسي جيرار روليه في قوله: إن علينا أن نفهم «موت دانتون» باعتبارها ترجمة لأزمة إيمان قوية وعاصفة في قدرة العقل نفسه على تغيير العالم، وتسيير وإعادة تسيير مجرى التاريخ الكوني.
ولم يكن روليه بعيداً من الصواب هنا. وحسبنا للتيقن من هذا أن نغوص في الحوار الفلسفي الأخير الذي يدور بين المحكومين في آخر المسرحية، حيث نشاهد هيرو وهو يمسك بذراع كاميل دي مولان، متحدثاً إليه، بلغة شاعرية خالصة، عن انهيار العالم قائلاً: «إن عليك أن تشعر بالمتعة يا كاميل. فنحن سنعيش ليلة بالغة الحسن. فالغيوم منتشرة في سماء الغسق الهادئة، مثل أولمب تنطفئ، مسكونة بعبور آلهة الأولمب وهي تمّحي وتختفي». وواضح أن هذه الصورة التي يصفها هيرو، إنما هي تعبير عن رؤية للعالم بمبادئ تجاوزية، وعن نهاية منظومة يتعيّن على البطل التراجيدي أن يخضع لها: إنه غروب الأصنام، لكنه في الوقت نفسه فجر يوم جديد لا أصنام فيه ولا أفكار.
وهكذا، في ضوء هذا التفسير، يمكننا أن نجد، بقلم جورج بوخنر، كيف يتحوّل فعل التشاؤم إلى نصّ ثوري وإلى عمل يعد بالفجر الجديد. وبالنسبة إلى بوخنر، لا يمكن هذا الفجر الجديد إلا أن يكون إنسانياً، من دون مثل عليا ومن دون بطولات خارقة. ولنتذكر أن بوخنر، حين كتب «موت دانتون» كان في طريقه الحاسم للتعبير عن بطل/ مضاد «آخر» وتأسيسي هو «فويزتيك» (الشخصية الرئيسة في مسرحيته التالية والأخيرة والتي ستكون الأكثر شهرة وتحمل في عنوانها اسم «بطلها» هذا). وفي إطار هذا التأسيس كان يمكن الفيلسلوف، وعالم الجمال الكبير ليسنغ أن يكتب في «درامية هامبورغ» أن ليس في وسعنا أن نشعر بتعاطف إنساني إلّا تجاه أبطال من البشر يمكننا أن نشعر بأن في إمكاننا التماهي معهم. إن على البطل أن يخطئ... يجب عليه أن يسقط، فارتكاب الخطأ وحده يمكنه أن يقربه منا، ذلك أن «المصير التراجيدي الذي يعرفه البطل/ الإنسان لا يقوم إلا في تجاوزه لعدم اكتماله، بغية تأكيده كرامته الإنسانية». والحقيقة أن هذا يلتقي مع ما كان جورج بوخنر يقوله من أن «المثل الأعلى ليس سوى الاحتقار الأكثر إثارة للاشمئزاز الذي يمكن الطبيعة البشرية أن تجابه به».
كما يمكننا أن نتصور تتحدث مسرحية «موت دانتون» عن فصل أساسي من فصول الثورة الفرنسية. وهي تتألف، في الأساس، من مقاطع وفقرات تبدو في شكل مدوّنات تاريخية. ومنذ البداية تكشف لنا المسرحية كيف حدث الافتراق بين دانتون وروبسبيير، بطلي الثورة. وهنا لدينا دانتون وقد أدرك، وفق تعبيره، أن الثورة لم تتمكن من الوصول إلى أهدافها الحقيقية، لأن قوانين التاريخ الفولاذية لا يمكن تبديلها بين ليلة وضحاها، لذلك نراه يغوص في نوع من القدرية مفضلاً الغوص في ملذاته الخاصة على مواصلة السعي ضمن إطار الشأن العام. وفي الوقت نفسه ينصرف روبسبيير الذي تتسم مواقفه بالجمودية واليقينية والابتعاد الكلي عن كل ما هو ذاتي، ينصرف إلى مواصلة «ثورته» وقد آلى على نفسه، هذه المرة، أن يتخلص من كل من كان يعتبرهم «أعداء الثورة» ولو عبر حمام دم لا ينتهي. صحيح أن دانتون يشعر بالخطر محدقاً به وبكمّاشة روبسبيير مطبقة على عنقه، لكنه يظل على إيمانه بأن مساهمته في قيادة الثورة وشعبيته كفيلتان بحمايته من خطر رفيقه وجبروته. لذلك، يجد في نفسه الجرأة على أن يواجه روبسبيير ليقول له إن حمام الدم يجب أن يتوقف إذ «كفى! فأبرياء كثر قد سقطوا ضحايا حتى الآن!» ويجيبه روبسبيير إن الفضيلة لا يمكنها، والطبع الإنساني كما هو، أن تنتصر إلا من طريق الخوف. وبعد هذا الحوار القصير بين دانتون وروبسبيير يقرر هذا الأخير أن الوقت حان للتخلص من رفيقه. وإذ يدرك أصدقاء دانتون هذا ينصحون الأخير بأن يتصرّف بسرعة قبل فوات الأوان، لكنه لا يفعل شيئاً ويستسلم حين يقبض عليه رجال روبسبيير. صحيح أنه خلال المحاكمة التي تجرى له، يقوم عدد من رفاقه بالدفاع عنه ومن بينهم ليجاندر، غير أن روبسبيير يتمكن من تأليب العدد الأكبر من النواب ضد رفيقه القديم. وحين يتحدث دانتون مدافعاً عن نفسه تتحرك الصالة، ويقرر الجنرال ديون أن يحرر دانتون من سجنه، عبر مؤامرة سرعان ما تكشف ما يجعل سان - جوست يطالب برأس دانتون كمتآمر هذه المرة. صحيح أن الشعب المتجمع خارج قصر العدل لا يصدق التهم الموجهة إلى دانتون، لكنه يبدو حائراً إذ يقارن بين نمط حياة دانتون المترف، ونمط حياة غريمه روبسبيير الزاهد. وهذا ما ينقلنا إلى المشاهد الأخيرة التي تبدو أكثر حميمية، إذ تتدخل فيها زوجتا السجينين المحكومين دانتون وديمولين، لا سيما جولي زوجة الأول التي تبلغ زوجها في سجنه أنها ستنتحر إذا أعدم حقاً، فيما تفقد لوسيل زوجة ديمولين عقلها. وبالفعل إذ يساق الرجلان إلى الإعدام وينهمكان في وداع بعضهما بعضاً، تنتحر جولي و... ينتصر روبسبيير، ريثما يسوء مصيره هو الآخر ولكن... خارج المسرحية.
بنيت سمعة جورج بوخنر، ككاتب مسرحي، فقط انطلاقاً من ثلاث مسرحيات وحيدة كتبها خلال عامين هما 1835 و1836، أي قبل رحيله بشهور قليلة. ولقد ولد بوخنر في غودلاو قرب دارمشتادت في عام 1813، ومات بمرض الطاعون في عام 1837 ولم تكن سنه تزيد على 23 سنة وأربعة أشهر. والحال أن شهرته لن تصل إلى العالم إلا متأخرة، إذ خلال القرن التاسع عشر سيبدو إخوته (الفيلسوف لودفيغ، والكاتبة المناضلة النسائية لويز، والمترجم والأستاذ الجامعي ألكسندر) أكثر شهرة منه بكثير. ولكن، ما إن حل القرن العشرون حتى أعاد ماكس رينهاردت اكتشاف مسرحيات بوخنر، وبدأ يقدمها تباعاً، موصلاً شهرة بوخنر إلى الذروة، ليس فقط ككاتب مسرحي، بل كذلك ككاتب سياسي يساري ذي نزعة إنسانية، وكباحث في علوم التشريح، ثم كمترجم لمسرحيتين لفيكتور هوغو إلى الألمانية. كانت حياة بوخنر من القصر حيث لم تترك مجالاً ليعيش أحداثاً جسيمة، فكانت كتاباته أهم أحداث حياته، ولا تزال تبهر، حتى اليوم، ممثلين ورسامين وموسيقيين ومخرجين سينمائيين، كان من أبرزهم فرنر هرتزوغ الذي حوّل مسرحية «فويتزيك» فيلماً مميزاً.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.