العيادات الطبية المتنقلة لمركز الملك سلمان للإغاثة في حرض تقدم خدماتها ل (197) مستفيدًا    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    134مليار ريال إنفاق المستهلكين    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. آل الشيخ: السعودية تعيش تحولاً كبيراً بمختلف المجالات    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء: المملكة سخرت إمكاناتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    الذهب يرتفع مع ضعف الدولار والرسوم الجمركية الأميركية    «الاستثمارات العالمية» في النفط والغاز تتجه للشرق الأوسط    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    موافقة الملك على منح وسام الملك عبدالعزيز ل200 متبرع بالأعضاء    تقرير «النقل» على طاولة أمير تبوك    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    انطلاق صيف المذنب في متنزه "خرطم"    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    فيصل بن مشعل يحتفي ب24 فارساً حققوا 72 إنجازاً محلياً ودولياً    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    "عسل جازان" يحقق ميدالية بلاتينية في مسابقة لندن الدولية 2025    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    مركز التنمية الاجتماعية في جازان يقيم حفل "فرحة نجاح" احتفاءً بنجاح نزيلات مؤسسة رعاية الفتيات    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    القيادة تعزّي أمير الكويت في وفاة الشيخ فهد صباح الناصر    العثمان.. الرحيل المر..!!    إلزام المطاعم بالإفصاح عن المكونات الغذائية    تحفيز الإبداع الطلابي في معسكر ثقافي    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    "الدهمشي" يطّلع على جهود فرع الصحة بجازان ويشيد بدوره في متابعة كفاءة الخدمات الصحية    حملة توعوية وتثقيفية على مغاسل الملابس بالظهران    غرفة الشرقية تناقش دور القطاع الخاص في البرنامج الوطني للتشجير    أمير جازان يستقبل قائد قوة الطوارئ الخاصة بالمنطقة    البيعة الثامنة لولي العهد بلغة الثقافة والفنون    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسين مروّة العلمانيّ الذي أقلق المستحوذين على... «الطائفة»
نشر في الحياة يوم 21 - 02 - 2012

بعد خمسة وعشرين عاماً على اغتياله، تبدو ذكرى رحيل حسين مروة مختلفة هذا العام عن الأعوام السابقة.
تغير العالم كثيراً منذ دخول مجموعة مسلحة إلى منزل الشيخ المريض وقتله على مرأى من زوجته. فاختفى الانقسام الدولي إلى معسكرين بانهيار الاتحاد السوفياتي وخرجت الشيوعية من ساحة المنافسة الإيديولوجية والفكرية على المستوى العالمي وظهرت الأحادية القطبية بتجلياتها المتنوعة.
إحياء ذكرى اغتيال حسين مروة اليوم مختلف عن الأعوام السابقة أيضاً، بسبب ضخامة التغيرات التي يشهدها العالم العربي منذ عام ونيف. والحديث عن الرجل، في منأى عن تفاصيل مشروعه الفكري، إذا جاز التعبير، يضعه في خانة الضحايا الذين سقطوا لتبنيهم فكراً نقدياً رفض البقاء أسيراً للتقليد الفكري والمعرفي ولزاوية واحدة وحيدة في النظر إلى العالم.
لكن المفارقة أن القرار بقتل حسين مروة لم يأت بسبب كتاباته أو لحملها مضموناً مناهضاً للدين أو داعياً إلى الإلحاد. فحسين مروة لم يتوقف عن التذكير بخلفيته الدينية وأنه من الدارسين في حوزات النجف، ولم يتخذ في أي من مؤلفاته موقفاً معادياً للدين بمعناه الواسع، ناهيك عن أي من المقدسات الإسلامية. كان شيوعياً من دون أن يحمل دعوة إلى الإلحاد. بل على الأرجح أن ما حمل القتلة على اتخاذ القرار بتصفيته، وهو الرجل الثمانيني المريض، كان ظهوره كاسم علم شيعي في وقت كان الصراع على الطائفة الشيعية يدخل طوراً جديداً.
وقبل حسين مروة وبعده، قتل على أيدي ذات الجماعات عشرات اليساريين اللبنانيين ينتمي كثر منهم إلى الطائفة الشيعية، كالكاتب حسن حمدان (المعروف باسم «مهدي عامل»). كان اليسار اللبناني واسع الحضور بين الشيعة اللبنانيين وكان هؤلاء يشكلون مادة ثمينة في سوق المساومات الإقليمية والداخلية. فبعد طرد إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان عام 1982، بات الصدام مع الاحتلال الإسرائيلي عملاً مجزياً سياسياً عند القوى الطامحة إلى تأسيس شرعيات «مقاومة» كإيران أو الاستفادة من الخروج الفلسطيني لتعميق دورها كمفاوض. وحيث أن الشيعة يشكلون أكثرية سكان الجنوب، كان لا بد من حسم الهيمنة على الطائفة الشيعية، ابتداء من ضرب الحلقة الأضعف، أي اليسار. وسقط حسين مروة ومهدي عامل وعشرات غيرهما في هذه العملية التي كان من مظاهرها المعارك التي دارت في بيروت في شباط (فبراير) 1987، وعادت على اثرها القوات السورية «مشكورة» إلى بيروت لوقف الاقتتال.
ولم يكن بعيداً عن أجواء المنافسة على السيطرة على الشيعة، قتل القوات السورية فور دخولها بيروت أكثر من عشرين من مسلحي «حزب الله» في ما راح يُعرف ب «مجزرة فتح الله»، على اسم الشارع الذي وقعت فيه المقتلة. كانت المحزرة هذه والتي جرى تبريرها كانتقام سوري على قتل الحزب عدداً من «مراقبي» المخابرات السورية قبل دخول القوات السورية إلى بيروت، إشارة إلى قرب انتقال الصراع على الطائفة الشيعية من تصفية اليسار التي أنُجزت تقريباً بحصاره وترهيبه وبقتل رموزه ومثقفيه وتقييد دوره في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي - أي «الاستثمار» الأهم الذي كان في حوزة اليسار العلماني وسبيله الوحيد لأداء دور ذي مغزى في الحروب الأهلية الطائفية - إلى الصدام بين الكتلتين الشيعيتين الكبيرتين، «أمل» و «حزب الله» اللتين تدين كليهما بالولاء إلى دولتين شديدتي الاهتمام بالحصول على دور مقرر في مسار الصراع ضد إسرائيل. غني عن البيان أن حجم «استثمار» الدولتين، وهما سورية وإيران لا غير، أكبر بما لا يقاس من حجم استثمارات رفاق حسين مروة.
الحرب الضروس بين العامين 1988 و1990، والتي تقاتل فيها الحزب والحركة وأسفرت عن آلاف القتلى وعن دمار واسع في قرى الجنوب وفي ضاحية بيروت الجنوبية، يجري تجاهلها حالياً في سرديات المقاومة. فهي «غلطة» عن البعض، و «تقطيع لأحشاء الطائفة» عند آخرين. ومعروف أن الحرب تلك لم تنته سوى باتفاق سوري - إيراني صريح على تقاسم النفوذ والأدوار في لبنان.
المفارقة هي أن حسين مروة، الذي ذهب ضحية الصراع من أجل الهيمنة على الطائفة الشيعية، لم يخطر في باله على الأرجح أنه هو نفسه رمز شيعي وأنه سيقضي نحبه بصفته تلك. صحيح أنه تبوأ مقعده هذا في عين قتلته بفضل مؤلفاته واتساع سمعته، لكن لا المؤلفات ولا السمعة كانت سلاحاً أراد مروة رفعه في وجه طائفته بينما وجهت القوى الممسكة بزمام هذه الطائفة السلاح إليه في نهاية المطاف.
وربما يأتي يوم يكمن فيه نقد المشروع الفكري الذي تصدى مروة له بقراءة التراث العربي – الإسلامي قراءة مادية، أو قراءة نقدية، في زمن بانت فيه بوضوح الحدود التي لا يمكن للفكر المادي، بالمعنى السوفياتي للماركسية، بلوغه، حيث يستحيل استخراج المضمون التعبوي السياسي الراهن من فلسفة انتهت كل الظروف التي أحاطت بظهورها.
وقد يبدو قليل الأهمية أن الورثة السياسيين لحسين مروة، أي من بقي في صفوف الحزب الذي انتمى إليه، التحقوا من موقع المهزوم بقتلة الرجل ورفاقه، من دون أن يحصلوا على اعتذار ومن دون أن ينالوا تعويضاً معنوياً أو سياسياً.
الأهم أن «جريمة» حسين مروة ليست في بناء مكانة في الحيز الذي أعتقد أنه قد يُستهدف منه، أي الفكر النقدي السجالي، بل في ارتكابه ما لم يطرأ له على بال وهو تحوله رمزاً شيعياً يقلق المهيمنين على طائفته وهو العلماني حتى اليوم الأخير من عمره.
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.