لم تكد الحملات الموجهة ضد العرب والمسلمين تغيب قليلاً عن وسائل الإعلام الروسية خلال الشهور القليلة الماضية... حتى عادت تطل برأسها مجدداً، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية التي تزامنت التحضيرات لها هذا العام مع زيادة نشاط المتشددين القوميين الروس. لم يكن غريباً أن تتحامل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية في روسيا على «الربيع العربي»، انسجاماً مع الموقف الروسي الرسمي الذي انتقل من الحذر والتردد في اتخاذ موقف واضح في النصف الأول من العام إلى تبني مواقف عدائية مباشرة في النصف الثاني منه وجدت أوسع تجلياتها بعد تمكن الثوار الليبيين من السيطرة على الموقف في البلاد وتوجه الأنظار في شكل أكثر نحو تطورات الموقف اليومي في سورية. لكن اللافت أن تناول الصحف الروسية الكبرى للأحداث المتسارعة في المنطقة اتخذ أبعاداً أخرى خرجت عن إطار التحذير من تداعيات الثورات العربية، ليدخل في شن حملات منظمة على العرب أنفسهم، الذين رأى فيهم محلل في جريدة «نيزافيسيمايا غازيتا» أنهم «لا يمتلكون أصلاً مقومات إدارة شؤونهم بأنفسهم ويفتقدون ما يجعلهم مؤهلين لبناء بلدان حديثة». أما الأكثر وضوحاً، فجاء في أكثر من جريدة كبرى نبهت بعد مقتل العقيد الليبي معمر القذافي إلى أن «تلك الهمجية التي أفزعت العالم تعكس حقيقة القائمين على الثورات العربية الذين سيدخلون المنطقة في حمام دم وصراعات وحشية ستستمر لسنوات طويلة مقبلة». ووجدت نظرية «الهمجية» تعزيزاً آخر، في الصحف الروسية عبر تعمد الربط مع «خطر الإسلاميين» و «وجود عناصر ورموز إرهابية بارزة بين قادة الثورات العربية» كما كتبت «ازفيستيا». اللافت أن الهجوم على العرب تزامن مع امتداح «الزعماء السياسيين» الذين استهدفت الثورات عروشهم. وبعدما تباكت «كوميرسانت» على نظام حسني مبارك ووصفته بلسان يفغيني ساتونوفسكي الخبير الروسي - اليهودي القريب إلى حزب «ليكود» بأنه أفضل حاكم لمصر، اعتبرت «موسكوفسكي نوفوستي» أن «نظام القذافي كان شعبياً وديموقراطياً ووفر للشعب كل شيء مجاناً تقريباً» قبل أن تضيف الصحيفة «في أي بلد كان بمقدور المواطن أن يشتري سبعة ليترات من البنزين بدولار واحد غير في ليبيا القذافي؟». وحفلت الصحف الروسية بتعليقات لسياسيين وخبراء روس اعتبروا أن «نظام القذافي مثالي وأفضل نظام في العالم»، وبالطبع تبع ذلك التشكيك بالمجلس الانتقالي الذي قاد «ليبيا إلى الفوضى والخراب». وتزامناً مع الهجمات على العرب، نال المسلمون نصيبهم من الحملات المنظمة التي شنتها غالبية الصحف الروسية، وخصوصاً في فترة احتفالات المسلمين بعيد الأضحى المبارك. سبب الهجوم الجديد كان تجمع مسلمي العاصمة الروسية للصلاة في المساجد الضيقة عليهم، ما دفعهم إلى افتراش الطرق المحيطة بالمساجد، ورأت غالبية الصحف الروسية في ذلك «مسعى لأسلمة المجتمع الروسي». لكن الأسوأ جاء مع حملات «الدفاع» عن الخرفان التي يقوم المسلمون بذبحها، وهي مادة أفردت لها «موسكوفسكي نوفوستي» صفحتها الأولى مع صورة كبيرة لخروف «نجا من الذبح» وهو مرفوع على أكف عدد من الأشخاص. وتبدو الجريدة اليمينية التي عادت إلى الصدور أخيراً بعد توقف استمر سنوات، مفرطة في ميلها نحو مهاجمة العرب والمسلمين بسبب مواقف ادارتها القريبة من إسرائيل، وهي كما قال خبراء روس تسعى إلى تعويض نقص انتشارها المحدود بتبني مواقف لافتة ضد المسلمين لكسب اهتمام الفئات المتطرفة القومية في روسيا. إذ لم تمض أيام على المادة الأولى حتى كان المسلمون مادة لعنوانها الرئيس على الصفحة الأولى أيضاً، وهذه المرة في تناولها موضوع تأسيس شبكة تواصل اجتماعي شبيهة ب «فايسبوك» لمسلمي روسيا، هذه المرة اختارت الصحيفة عنواناً حمل إساءة مباشرة لمشاعر المسلمين عندما لعبت على معاني كلمة «تواصل» أو «اتصال» التي تعني بالروسية «كونتاكت» ليغدو العنوان الرئيس الذي علا صورة فتيات محجبات «اتصال مع الله». ومثل هذا المثال يتكرر يومياً على صفحات الجرائد التي ذهب بعضها إلى نشر رسوم مسيئة للمسلمين ونبيهم. واعتبر خبراء تحدثت إليهم «الحياة» أن عودة الحملات القوية على المسلمين ليست مرتبطة مباشرة بالحملات الهجومية العنيفة على العرب وربيعهم. ففي حين تخضع حسابات الثانية للموقف الرسمي الروسي الذي يتعامل بعدائية أصلاً مع الحراك في المنطقة، فإن ملف الهجمات الاعلامية على المسلمين مرتبط بالدرجة الأولى باتساع انتشار نزعات التطرف القومي في المجتمع الروسي واقتراب موعد الانتخابات النيابية، وهو موسم تستخدمه الأحزاب الروسية والصحف القريبة منها عادة من أجل التركيز على «نقاء روسيا من الغرباء» وتزداد خلاله الهجمات على المسلمين المتهمين من جانب المتشددين القوميين بأنهم «يهددون صفاء العرق الروسي».