تحفل الطبيعة بأنواع شتى من الاغذية، وكل غذاء له خصائصه ومميزاته ودوره في تأمين ما يلزم الانسان من اسباب الحياة والوقاية والعلاج. الكتّان نبات عُرف منذ القدم، فالمصريون القدامى والإغريق والرومان زرعوه واستغلوا أليافه لصنع الأنسجة، حتى زمن قريب كان الكتّان يستعمل لتغذية الحيوانات. لكن قبل سنوات تغيرت النظرة الى الكتّان، فهو اليوم يعدّ واحداً من أهم الاغذية الصحية، خصوصاً بذوره التي تقترب في طعمها من طعم الجوز، والتحريات الحديثة عليها اوضحت انها تساهم في وقاية الانسان من اهم واخطر ما يواجهه السرطان والامراض القلبية الوعائية. يحتوي الكتّان وبذوره على مركّبات معقّدة تسمى "ليجنان"، صحيح ان هناك اغذية نباتية تحتوي ايضاً على هذه المادة، ولكن بذور الكتّان تحتل رأس القائمة، لا بل ان محتواها من "الليجنان" يفوق على الاقل 75 مرة ما هي عليه في اي نبات آخر، وهذا له اهميته الكبرى على الصعيد الصحي، اذ ان مركّبات "ليجنان" تملك خواص قوية مضادة للأكسدة ما يجعل منها درعاً فعالاً في مواجهة اضرار الجذور الكيماوية التي تطلق العنان لمرض السرطان. واكثر من هذا فقد اوضحت الدراسات العلمية والمخبرية ان مركّبات "ليجنان" تقف عائقاً امام التبدلات السرطانية الحاصلة وتمنعها من السير على هواها كي تنمو طولاً وعرضاً لتتحول في النهاية الى سرطان صريح يفرض نفسه بالقوة. ويبدو ان مركّبات "ليجنان" لها اهمية خاصة على صعيد الوقاية من سرطان الثدي، فهي تخفّف من وطأة تأثير هرمون الاستروجين الذي يُشجع على نمو سرطان الثدي. وحتى لو استطاع السرطان الذي يملك مستقبلات خاصة لهورمون الاستروجين من الاستيطان في الثدي، فإن مركّبات "ليجنان" قادرة على الحد من نمو الورم، لا بل الى وقفه عند حدّه. والى جانب مركّبات "ليجنان" تحتوي بذور الكتّان بين طياتها على نوعين آخرين من المواد التي لها دور فعّال في الوقاية من السرطان. ان بذور الكتّان غنية الأدهان الكثيرة عدم الاشباع، وعلى الأخص الأدهان "اوميغا 3" التي تمكّن الجسم من تثبيط عزيمة انتاج مواد كيماوية تسمى "بروستاغلاندين" اذ ان انتاج فائض من هذه المواد يعجّل في نمو الأورام السرطانية. ايضاً فإن بذور الكتّان غنية بالألياف، فثلاث ملاعق منها تؤمن للجسم 12 في المئة من حاجته القوية اليومية للألياف، وكما هو معلوم فإن للألياف دوراً لا يُستهان به في الحيلولة دون نشوء السرطانات المعوية وذلك بواسطة آليتين: الاولى هي التخفيف من وطأة التأثيرات السيئة لنواتج المحتويات الهضمية في الأمعاء. والثانية تقوم على تسريع مرور المخلّفات المعوية عبر الانبوب الهضمي، وهذا ما يقلّل من فترة تماس المواد المخرّشة مع الغشاء المخاطي المبطّن للامعاء التي يمكنها، على المدى الطويل، ان تُساهم في إحداث تغيرات خلوية مشبوهة تؤدي عاجلاً ام آجلاً الى السرطان. ولبذور الكتّان فوائد اخرى، منها الوقاية من خطر الامراض القلبية الوعائية والحوادث الدماغية الوعائية، اما الفضل في ذلك فيرجع الى غنى البذور بالأحماض الدهنية "أوميغا 3" التي تعمل على منع حدوث الجلطات الدموية داخل الاوعية، والى جانب ذلك بيّنت الابحاث ان بذور الكتّان تفيد في خفض مستوى الكوليسترول السيئ الذي يجول في الدم، واستطاع الباحثون انقاص الكوليسترول السيئ بمعدل 8 في المئة لدى الاشخاص الذين تناولوا 50 غراماً من بذور الكتّان في اليوم الواحد ولمدة اربعة اسابيع. أما على صعيد الكلى فحدّث ولا حرج، فقد تبين للعلماء ان بذور الكتّان قادرة على اصلاح الأذى الذي لحق بالكلى نتيجة الإصابة بداء الذئبة الحمامية مرض مناعي يولّد مواد ضارة تهاجم الأنسجة السليمة، ففي دراسة طاولت 9 اشخاص يعانون من أضرار كلوية ناتجة عن اصابتهم بالذئبة، قام البحاثة بإعطائهم خلاصة بذور الكتّان، استطاع هؤلاء ان يسجلوا عندهم تحسناً ملحوظاً في بعض الوظائف الكلوية، اهمها وظيفة التصفية للتخلّص من المخلّفات البولية. وقد عزا البحّاثة هذا الأثر المفيد الى مركّبات "ليجنان" والأحماض الدهنية "أوميغا 3" التي، على ما يظهر، تملك خواص مضادة للالتهاب الحاصل في الشرايين الدقيقة وما قد يترتب عنه اي الالتهابات من انسدادات وعائية تعرقل التروية الدموية وما ينتج عنها من أذيات كلوية. وفي نهاية المطاف بقي عينا ان نعرف الآتي: * يستخرج من بذور الكتّان مواد لعابية بعد غليها بالماء وتستعمل هذه المواد كملُيّن خفيف للأمعاء وكمضاد للتخرّشات الموضعية الهضمية الناتجة عن الالتهابات والتقرّحات. ايضاً تستخدم المواد اللعابية لعلاج حالات الإنسمام بالمواد الكاوية والتهابات الطرق التنفسية. * يُحضّر من بذور الكتّان مسحوقاً تصنع منه لصقات خارجية لعلاج الالتهابات الموضعية. * تعطي بذور الكتّان زيتاً غنياً بالأحماض الدهنية المفيدة في علاج اضطراب استقلاب الشحوم وتصلّب الشرايين. وكشفت الابحاث ان مركبات "ليجنان" تملك صفات مضادة للفطور والميكروبات، ما يعني انه يمكن استعمالها كدواء لعلاج الانتانات