انتخاب وزير الصناعة والثروة المعدنية رئيسًا للدورة ال21 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO    "ليدار للاستثمار" تختتم مشاركتها في سيتي سكيب 2025 بالرياض بإبرام تحالفات استراتيجية لتعزيز التطوير العمراني بالمملكة    اجتماعات جنيف: محاولات لتهدئة مخاوف خطة أمريكا    وصول الطائرة السعودية ال74 لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة    الأخدود يفرض التعادل على الشباب في الدوري السعودي    إيزي يعزز صدارة أرسنال للدوري الإنجليزي برباعية في توتنهام    جائزة جدة الكبرى F1H2O.. حدث بحري دولي يرسّخ مكانة المملكة عالميًا    الربدي وحسام بطلان للبادل    المؤتمر الحكومي ال27 يستعرض أبرز المستجدات في المملكة وتطورات المنظومة العدلية    السعودية قائد عالمي في مجال الأصول الحقيقية الرمزية    وزير الخارجية: نواصل العمل مع G20 لتعزيز منظومة اقتصادية أكثر شمولا    آل مجثل يباشر مهامه بفرع البيئة ويؤكد تعزيز العمل الجماعي    فريق طبي بمستشفى جازان العام ينجح في علاج حديث ولادة يعاني من تشوّه خلقي رئوي كبير    أمير جازان يطّلع على برامج ومبادرات جمعية التغذية العلاجية بالمنطقة    وزير العدل: نعمل على انتقال البورصة العقارية إلى هيئة العقار    مستشفيات د. سليمان فقيه ضمن أفضل المستشفيات المتخصصة في الشرق الأوسط لعام 2026 بحسب تصنيف نيوزويك وستاتيستا    السعودية لا تتحرك بوصفها دولة تبحث عن مكاسب آنية بل قوة تحمل رؤية طويلة الأمد    رؤية عابرة للحدود تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط    سامي الجابر يقسو على أسلوب إنزاغي    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في جلسة اليوم الثاني لقمة مجموعة العشرين    أمير نجران يستقبل القنصل العام لجمهورية فرنسا    نائب أمير حائل يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"    القصيم: فرع الاسلامية يحصل على شهادة الامتثال الاسعافي    أمير الرياض يستقبل مدير عام السجون المكلف    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    قنصل عام فرنسا بجدة يستضيف خريجي الجامعات الفرنسية في أمسية مميزة ب«دار فرنسا»    أكثر من 100 عمل بمعرض الفن الإسلامي    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد أول ظهور للنسر الأبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاما    أمانة جدة تضبط 5,250 كجم من الأغذية الفاسدة وتوقف أنشطة عشوائية بعمائر سكنية    افتتاح متحف البحر الأحمر بجدة التاريخية في 6 ديسمبر    بن حفيظ افتتح موسم شتاء مرات السادس.. ويستمر للجمعة القادمة    روبن نيفيز.. سيد الجزائيات وحاسم الهلال في اللحظات الحرجة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة عسير تقبض على شخص لترويجه (23) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    دكتورة سعودية ضمن القادة العالميين المؤثرين    هنأت الرئيس اللبناني بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة إبراهيم بن حمد    العقيل يحتفل بعقد قران عبدالله    عريس يشارك فرحته مع المحتاجين    منديل كشافة شباب مكة على صدور المديرس وهجاد وعمر    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة سمو الشيخ إبراهيم بن حمد بن عبدالله آل خليفة    3.2 تريليون ريال سيولة في الاقتصاد السعودي    وزير الدفاع الهولندي: تعليق عمليات مطار أيندهوفن بعد رصد طائرات مسيرة    محكمة حوثية تعدم 17 شخصاً في صنعاء    غارات إسرائيلية على غزة.. خطط أمريكية ل«المنطقة الخضراء»    أحمد أمين يصور«النص 2» مطلع ديسمبر    «وسم الثقافي» يكرم الشاعر أبو زيد    الإسكندراني يستعرض تاريخ الأغنية السعودية    «واتساب» تتيح إنهاء صلاحية الرسائل تلقائياً    ضمن فعاليات موسم التشجير الوطني.. «الري» تستهدف زراعة 2 مليون شجرة    ملصقات العقوبات في مرافق الصحة.. مخالفة    السجائر الإلكترونية تحتوي على جراثيم خطرة    الأحمدي يكتب..جماهير الوحدة تُعيد ماضيها!    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يستطيع العالم الاستغناء عن السلع الثقافية والترفيهية الاميركية ؟ مقاطعة أميركا : الارباح والخسائر
نشر في الحياة يوم 20 - 05 - 2002

يشهد العالم بين حين وآخر موجات تدعو الى مقاطعة تجارية لدولة ما أو لشركة معينة. ويقاطع العالم العربي البضائع الإسرائيلية منذ نشوء الدولة العبرية، وبين فترة وأخرى تجتاحه موجات مقاطعة بضائع دولة ما بسبب دعمها لإسرائيل، خصوصاً البضائع الأميركية. وبغض النظر عن نجاح الدعوات هذه في التأثير على سياسات الدول المستهدفة، فإن عملية المقاطعة التجارية هي قبل كل شيء عملية "تواصل إعلامي". فأي عملية مقاطعة تجارية من دون حملة إعلامية ترافقها، هي مقاطعة فاشلة.
ويشير تعريف المقاطعة Boycott بشكل عام إلى العملية التي تسعى لمنع شخص أو مجموعة أشخاص أو مؤسسة أو دول أو مجموعة دول من تنفيذ تعهداتها التجارية، بهدف شلّ حركتها التجارية. ويمكن أن تقر المقاطعة دولة أو مجموعة دول، كما يمكن أن تكون صادرة عن شخص أو مجموعة أشخاص
وإذا كانت أشهر المقاطعات التجارية ترتبط باسم غاندي، أب استقلال الهند، وداعية اللاعنف، الذي دعا الهنود لمقاطعة البضائع البريطانية خصوصاً القطن والملابس المصنوعة منه، لإجبار الامبراطورية على منح الهند استقلالها، فإن أول دعوة مقاطعة تعود إلى عام 1905 في الصين وكان هدفها البضائع الأميركية، وجاءت رداً على قرار السلطات الأميركية إغلاق باب الهجرة إلى الولايات المتحدة أمام الصينيين. وفي عام 1919 قررت الصين أيضاً مقاطعة البضائع اليابانية بسبب معاهدة فرساي التي جعلت مقاطعة شاندونغ الصينية من حصة اليابان. وفي العام 1925 بدأت مقاطعة البضائع البريطانية بسبب تصدي الحرس الملكي البريطاني بعنف للمضربين في مصانع شانغاي. ويظهر من الأمثلة التاريخية أن المقاطعة التجارية في بداية العمل بها كسلاح بين الدول تتميز بخصائص متشابهة:
فهي مواجهة بين طرف قوي قوة استعمارية أو تجارية كبرى وطرف ضعيف في أغلب الأحيان شعوب مستعمرة أو على وشك الاستعمار.
يستمد الطرف الضعيف قوته من ارتباط اقتصاد الطرف القوي بمقومات خاصة بالطرف الأضعف ومنها قوة عدد المستهلكين.
يدرك الطرف الضعيف الداعي للمقاطعة وجود بدائل للسلع المقاطعة، وأن غيابها لا يؤثر بشكل كبير على حياته اليومية، أو أنه يمكن أن يشكل حافزاً لاستراتيجيته السياسية في صراعه.
وقد حاربت القوى التجارية الكبرى بحكم كونها الدول الاستعمارية الأقوى المستهدفة بشكل مباشر، المقاطعة التجارية بأشكالها كافة، بحجة أنها تشكل عائقاً أمام حرية التجارة والوصول إلى الأسواق العالمية، وهي الحجج الأساسية التي استعملت لاستعمار العديد من البلدان. غير أن الدول الكبرى نفسها انكلترا والولايات المتحدة وفرنسا لجأت خلال الحرب العالمية الثانية الى المقاطعة التجارية حين وضعت "لوائح سوداء" للشركات المتعاملة مع قوات المحور، بحجة أنها تساعد "اقتصاد العدو" وبررت هذه الخطوة بأنها تدخل ضمن قانون الحرب والدفاع المشروع عن النفس. ولكن هذه الدول كانت وراء التشديد على ذكر تعريف سلاح المقاطعة التجارية في شرعة الأمم المتحدة وتحديد شروط استعماله كسلاح البند 41. وينص البند المذكور على "مقاطعة كاملة أو جزئية للعلاقات الاقتصادية مع دولة تشكل خطراً على السلام العالمي، أو في حال اعتدائها على دولة أخرى.
وفي الواقع فقد استعمل سلاح المقاطعة بقرار من مجلس الأمن ضد النظام العنصري في روديسيا عام 1966 وحظر استيراد وتوريد بعض السلع والمواد الأولية إليه. وكذلك استعمل ضد جنوب افريقيا مما ساهم بانهيار النظام العنصري في كلا البلدين.
وقد أقر الحظر الاقتصادي الشامل على العراق عقب غزوه الكويت بموجب البند 41 أيضاً.
وهكذا نرى أن تعريف سلاح المقاطعة التجارية وتشريعه بهذا الشكل يدفع كل دولة أو مجموعة دول الى المبادرة بإعلان مقاطعة تجارية لدولة أخرى معتدية، بحكم القانون الدولي، لكن الاستثناءات كثيرة، فالولايات المتحدة تفرض مقاطعة تجارية صارمة على كوبا منذ أكثر من نصف قرن ، وعلى رغم مخالفتها الصريحة للقانون الدولي فإن المقاطعة مستمرة.
وقد توسعت واشنطن باستعمال سلاح المقاطعة التجارية حين فرضت عقوبات خارج نظام الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن على دول كثيرة مثل كوريا وإيران والسودان وليبيا. وإذا كانت الولايات المتحدة تتحجج بمبدأ "الدفاع المشروع عن النفس" الذي يمكن أن يجد قراءة له في بنود أخرى من شرعة الأمم، فهي، إلى جانب غيرها من الدول، شجبت سلاح المقاطعة العربية ونظام "اللائحة السوداء" الذي وضعته الدول العربية منذ نشأة إسرائيل، وضغطت على الدول العربية لرفع نظام المقاطعة على أساس أنه يتنافض مع شرعة الأمم.
وقد يتدخل في بعض الأحيان مجلس الأمن للطلب بموجب قرار قد ينفذ أو لا ينفذ من الدول رفع مقاطعتها التجارية لدولة ما. وأحياناً يمنع موقف إحدى الدول الكبرى التي تتمتع بحق الفيتو من مناقشة الأمر، وهو ما حصل مع لبنان عام 1956 حين قررت الحكومة اللبنانية تحت ضغط الشارع مقاطعة سيارة رينو الفرنسية للتنديد بسياسة باريس القوة المستعمرة في الجزائر. وتردد يومها أن الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون تلقى تعهداً من الحكومة البريطانية بأن مجلس الأمن لن يبحث في هذه القضية! يظهر من هذا المثال أن المقاطعة التجارية يمكن أن تستعمل لأسباب مزدوجة، فالحكومة اللبنانية امتصت نقمة الشارع عبر إجراء هو أولاً وأخيراً إجراء رمزي، بينما استفادت بريطانيا من إضعاف منافس لسياراتها في السوق اللبنانية. وتؤكد الأرقام أن رينو عانت خلال سنوات عدة من هذه العملية التي هزت صورتها، قبل أن تعود إلى السوق اللبنانية على رغم ان هذه السوق منطقة نفوذ فرنسية.
وقد حصل هذا أيضاً مع العديد من الشركات الأميركية، مثل فورد التي تأثرت كثيراً بحملة المقاطعة بعد حرب 1967، وكذلك شركة كوكا كولا التي انتظرت سنوات للعودة إلى أسواق المنطقة لارتباط اسمها رمزياً بسياسة واشنطن.
وتلعب العولمة في هذا العصر دوراً في جعل سلاح المقاطعة التجارية سلاحاً ذا حدين من الناحية التجارية الاقتصادية، فتحت شعار العولمة تتدخل السياسة لجعل استعمال هذا السلاح خاضعاً لميزان قوى مغايرة للقوى التي يمكن الاعتماد عليها لاشهار المقاطعة التجارية. ذلك أن الاقتصاد العالمي بات مترابطاً بشكل يجعل من الصعوبة البالغة توجيه سهام المقاطعة التجارية إلى هدف واحد من دون إصابة أطراف عدة. فالمصانع باتت موزعة في أنحاء المعمورة، والسلع تكون نتاج "تعاون" صناعي بين العديد من المراكز الصناعية المنتشرة في القارات الخمس. وبات من الصعب جداً إعطاء "جنسية" للسلعة المصنعة، وأضحت "شهادة المنشأ" عبارة عن ورقة لا تشير الى حقيقة أصول تصنيع ومصدر السلعة. كما أن اتساع العمل بمبادئ "الفرانشايز" يجعل سلاح المقاطعة التجارية يرتد في غالب الأحيان على مشتري حق استعمال الماركة ولا يصيب إلا بقدر قليل صاحب الماركة الذي أعطى حق استعمالها Franchisor. وهو ما يحصل حالياً بالنسبة الى العديد من السلع المستهدفة بحملة مقاطعة السلع الأميركية القائمة رداً على سياسة واشنطن الداعمة لإسرائيل.
وتبدأ المقاطعة التجارية في معظم الحالات بالتأثير على "الحلقة الوطنية" في سلسلة حلقات الوصل بين مصنع السلعة ومستهلكها، وقد يتأثر المستورد أو الموزع أو "الفارنشايزي" كثيراً، وقد يصاب بالإفلاس قبل أن "يصعد" التأثير المالي وتبدأ الخسارة بالتأثير على المصنع الأميركي أو المصدر في الولايات المتحدة.
غير أنه على رغم مفهوم العولمة هذا ، ولا ريب بسبب هذا المفهوم، هناك "حقل" يؤثر مباشرة على المستهدف بعملية المقاطعة التجارية، وقد يكون ذا تأثير أكبر من الخسائر المالية، وهو الحقل الإعلامي لأنه يمس ب"صورته" في سوق الاستهلاك، وقد تترك حملة المقاطعة "خدوشاً" في هذه الصورة الإعلامية - الإعلانية يصعب محوها لفترة طويلة. فالصورة الإعلامية، كما يقول أحد علماء التسويق، مثلها مثل الثقة، من السهل فقدانها، لكن من الصعب جداً إعادة كسبها. لذا فإنه حالما تظهر بوادر حملة مقاطعة تجارية تسعى الشركات أو الدول المستهدفة للضغط على وسائل الإعلام في محاولة لطمس الضجة الإعلامية التي يمكن أن ترافق المقاطعة، أما بالنسبة الى الخسائر المالية فإنها، كما رأينا، تصيب بالدرجة الأولى الوكيل والمستورد الوطني وتسبب في بعض الأحيان عطالة عن العمل وأزمة اقتصادية في بلد المقاطعة يمكنها أن تنقلب إعلامياً على مروجي المقاطعة. وينصب اهتمام الشركة أو البلد المستهدف على تطويق نطاق التداول الإعلامي للمقاطعة والترويج لها. وهذا بعض مما نشاهده في الحملة الجديدة التي انطلقت منذ أشهر، فهي "موجودة على الأرض" وتتسع ممارستها في الواقع اليومي للعديد من المواطنين العرب في الدول العربية. فحلت السجاىر الفرنسية والإنكليزية أو الوطنية محل السجاىر الأميركية، وابتعد المستهلك العربي بنسب كبيرة عن مطاعم الوجبات السريعة الشهيرة التي ترتبط أسماؤها بالولايات المتحدة. وتجاوز الأمر السلع والمنتجات الاستهلاكية ليطول المؤسسات الأميركية أو التي تساهم بها شركات ومؤسسات أميركية.
ويشير إحصاء نشر أخيراً في بيروت الى أن 2،18 في المئة من اللبنانيين امتنعوا عن الذهاب إلى المستشفى الأميركي، وهو الأكبر في العاصمة اللبنانية، فيما امتنع حوالي 29 في المئة عن مجرد زيارة الجامعة الأميركية بهدف المقاطعة! وتشير نتائج مجموعة من الإحصاءات في عدد من الدول العربية إلى أن ما يعادل 45 في المئة من المواطنين غيروا طبائعهم الشرائية وتوجهوا بشكل أو بآخر نحو خطوات مقاطعة تجارية. وتتجاوز نسبة الذين يبررون هذا التغيير بأسباب سياسية 50 في المئة، بينما تبلغ نسبة الأسباب الدينية 10 في المئة، أما الذين يبررون المقاطعة بهدف حماية الصناعة الوطنية فتكاد نسبتهم تتجاوز واحداً في المئة.
وعلى رغم ان هذه الأرقام لا تزال مبعثرة وبعيدة عن الأخذ بكل العوامل في الدول العربية، وهي لا تغطي إلا فترة قصيرة جداً، الا انها مؤشر على قوة الرغبة بالتنديد بالسياسة الأميركية أكثر من كونها مؤشراً على قوة الدعوة الى المقاطعة التجارية، إلا أنها لا تشير إلى موجة عارمة ومتواصلة ذات أهداف محددة ضمن إطار واضح. ولا يعود السبب الى ابتعاد الإعلام عن مساندة حركة شعبية بل الى اتساع الوعي الجماهيري ب"حدود" المقاطعة التجارية وتأثيرها المتواضع على الشركات الكبرى وحكومة الولايات المتحدة.
وعلى رغم الإرادة الدافعة لحملة المقاطعة التجارية الحالية فإنه يشوبها بعض من مخلفات الحملات السابقة ولا تجاري "تقدم التبادل التجاري في العالم وتطوره". فالحملة الحالية مثل كل الحملات السابقة تشدد على مقاطعة السلع الاستهلاكية المادية سجائر ومأكولات وأدوات ومعدات وغيرها لكنها تهمل "سلع الخدمات" و"السلع الثقافية" الترفيهية أو التربوية أو الإعلامية، في حين أن تبادل الخدمات بات يمثل حوالي 40 في المئة من مجمل التبادل العالمي ويحتل حيزاً كبيراً في مجمل مدخول ميزان التجارة الأميركي. ويمكن طرح سؤال حول جدية مقاطعة مدخن السجائر الأميركية خلال مشاهدته فيلماً أميركياً على قناة تبث عبر الأقمار الاصطناعية تدر الملايين للشركات التي تديرها والتي تملك الشركات الأميركية فيها حصة الأسد! أو أن يناقش مع جاره المقاطعة على الهاتف الخليوي الذي تشكل 40 في المئة من مكوناته سلعاً أميركية أو منتجات يعود ثمن حق استخدامها لشركات أميركية اضافة إلى مشاركة أميركية في معظم رساميل شركات المواصلات العالمية؟ ثم ما النفع من منع الأولاد من تناول وجبات الطعام السريعة ماكدونالد أو كنتكي وإرضاؤهم بشراء لعبة باربي أو ميكي ماوس أو كتاب قد يكون مكتوباً باللغة العربية بينما يذهب ثمن حقوق النشر والترجمة بلغة الضاد الى شركات أميركية تسديداً لحقوقها؟
انها بعض الأمثلة التي تظهر أن المقاطعة التجارية لا يمكن أن تترك سوى تأثير محدود في غياب معالجة شمولية للروابط التي باتت تجمع اقتصاديات الدول بثقافاتها وشبكات التبادل بينها في جميع الحقول. فالعولمة بتمددها الواسع والشمولي أبعدت السياسة والحروب السياسية عن المس بالاقتصاد محرك العالم الجديد
اصل المقاطعة
تعود تسمية المقاطعة التجارية boycottالمستعملة باللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأجنبية إلى اسم وكيل لثري إنكليزي في إيرلندا هو شارل كونينغهام بويكوت اشتهر بصلافة معاملته للعمال والفلاحين الذين كان يراقب أعمالهم في الأراضي التي كلف الإشراف عليها. وقد ثار هؤلاء على طريقة معاملته القاسية وقرروا مقاطعة التعامل معه حتى تعهد صاحب الأملاك بتغييره وتغيير أسلوب معاملته للفلاحين. وتعتبر هذه الحركة أول حركة مقاطعة تجارية منظمة سعياً وراء أهداف محددة، توصلت إلى فرض وجهة نظرها ومطالبها من دون اللجوء إلى القوة.
الصحافة والسياسيون
تلجأ الصحافة احياناً إلى مقاطعة أخبار سياسي أو منظمة معينة أو حتى وزارة ما بسبب مواقف الأطراف هذه من الصحافة بشكل عام أو بسبب تصرف تعرض له أحد أعضاء الجسم الصحافي من قبلها.
وتطرح المقاطعة الاعلامية مسألة دور الصحافة في المجتمع المدني. ففي حين يعتبر بعضهم ان الصحافة لا بد أن تدافع عن نفسها بالقلم أو الصورة والخبر وأنه يمكن توضيح ما حدث للرأي العام ليستطيع الحكم على التصرف والتنديد به، الا ان الامتناع عن نقل اخبار جهة معينة هو انتقاص لحقوق القارئ او المتفرج، بينما يرى آخرون ان مقاطعة أخبار المعتدي على الصحافة هو الرد الناجع على التعدي والذي يؤثر في صورته تجاه الرأي العام.
أما بالنسبة الى القضايا الخطيرة حين تتعرض جهة ما لأمن الصحافيين والجسم الصحافي لمنعه من القيام بعمله، اي إيصال الحقيقة إلى الرأي العام العالمي، فإن وجهتي النظر تلتقيان على ضرورة زيادة زخم الإعلام المتعلق بالجهة المفترية على الإعلام، كما حصل اخيراً في إسرائيل. فهدف المعتدي على الصحافة يكون أولاً وأخيراً منع وصول الحقيقة إلى الرأي العام وفي هذه الحال فإن المقاطعة تخدم أهدافه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.