في ربيع كل عام تتحول لندن الى مدينة للزهور، بكل انواعها وألوانها، على رغم طقسها الماطر حتى في الايام ذات البدايات المشمسة. لكن ركناً خاصاً فيها يستضيف على مدى خمسة ايام، مثلما هي الحال منذ 113 عاماً، مهرجاناً عالمياً لابداع من نوع خاص: ابداع الحدائق. انه معرض تشيلسي للزهور الذي يقام على ضفة نهر التيمز، والذي فازت بجائزته الاولى هذه السنة حديقة يابانية جمع تصميمها بين ثلاثة مشاهد مستوحاة من التراث الياباني القديم هي "النبع" و "الحديقة" و "الملاذ"، تبهج العين وتشبع الروح. يقول المصمم جون تاكيدا انه استوحى "النبع" من تدفق نهر كامو في كيوتو عاصمة اليابان القديمة ومسقط رأسه. وأضاف "اردت اظهار جمال المشهد الطبيعي المحيط بالنهر في الربيع. اختيار الزهور والنباتات والتصميم العام يعكس هذه الحقيقة بأكبر قدر من الامانة". يتدفق النبع بسلاسة الى بركة يقوم فوقها جسر خشبي يربط بين حيوية النهر وهدوء الحديقة اليابانية "الزنّية" وهي فرقة بوذية تؤمن بأن في مستطاع المرء ان ينفذ الى الحقيقة عن طريق التأمل. وترتكز فكرة الجسر الى هندسة "اينغاوا"، وهي مدرسة قديمة في هندسة المعابد اليابانية تقوم على مد ممر خشبي يمكن تأمل الطبيعة من فوقه. وتعود فكرة الحديقة "الزنّية" الى عهد اسرة موروماشي 1333-1568 الذي شهد حروباً داخلية عدة حيث كان المحاربون بحاجة الى الانزواء بذواتهم بعد كل معركة. وفي داخل هذه الحديقة الجافة صفت بعناية حصى بيضاء لترسم صورة البحر. كما وضعت احجار اكبر من حولها لتشبه الجزر والشواطئ. وقال تاكيدا ان "الحديقة الزنية مكان للتأمل، وهي مصممة لتطلق العنان لخيال المتفرج، وتمنحه في الوقت نفسه شعوراً بالسكينة والانسجام". ومن الحديقة ينطلق جسر حجري ليجمعها بالحديقة الملاذ، او "يوري"، وهو سقيفة مفتوحة من الجانبين، كان الدارسون والفنانون والسياسيون يستخدمونها قبل قرون عندما يتقاعدون مكاناً للقراءة وأعمال الفكر او للرسم بينما يتمتعون بجمال الطبيعة من حولها. وعلقت بداخلها لفيفة خطت عليها قصيدة كتبها كاهن مشهور في كيوتو خصيصاً للمناسبة بعنوان "اذا لم تتفتح الوردة لن تأتي الفراشات". وفي احد الجدران فتحة يطلق عليها اسم "ايكيتوري" ومعناه "اطار للرؤية". وأوضح المصمم انه "عندما تكون داخل الملاذ يمكنك النظر الى المشهد الخارجي عبر هذه الفتحة وكأنها اطار لوحة". وبين النماذج الاخرى التي عرضت حديقة رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المسماة "حديقة السكون" والتي ضمت نباتات تنمو في شبه الجزيرة العربية، منها اشجار النخيل الضخمة التي نقلت خصيصاً من ابو ظبي لغرسها في الحديقة. واستوحيت فكرة الحديقة الاماراتية من تحليق الصقر عند بزوغ الفجر، وتأمل طيرانه الهادئ والواثق. وقام فوق بركة توسطت الحديقة حائط يعكس العمارة العربية التقليدية بفتحاتها الضيقة وبساطتها وقد احاطت به اشجار النخيل في صفين منتظمين. كذلك قدم الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني الى المعرض حديقة مستوحاة من سجادتين شرقيتين في قصره الريفي في هايغروف، وشملت عناصر من البساتين العربية، مثل قنوات الري والاحواض وتوسطتها نافورة صنعت في اسبانيا. والبريطانيون معروفون عموماً بهوسهم بالبستنة، ينفقون عليها حوالي مليار جنيه سنوياً، ويخصصون لها معظم وقتهم خلال عطلة نهاية الاسبوع، وتفرد لها قنواتهم التلفزيونية برامج خاصة تستحوذ على اهتمام المشاهدين ومتابعتهم.