تعمل السلطات الإيرانية على استعادة التوازن الاقتصادي للبلاد الذي اختل بعد الهبوط الكبير في اسعار النفط خلال العامين الماضيين. وكانت موازنة الدولة قد قدرت سعر البرميل ب16 دولاراً للعام المالي 1998 - 1999 الذي انتهى في آذار مارس الماضي. وأدى تراجع هذه الايرادات الى عجز في الموازنة بلغ 6.3 مليار دولار، والى اضطرار إيران الى اعادة جدولة ديونها الخارجية. وقد نجحت إيران في اعادة جدولة 690 مليون دولار من ديونها المستحقة لمصارف ألمانية في آذار مارس الماضي. يضاف الى ذلك 450 مليون دولار من الديون المستحقة لإيطاليا. وتضمن الاتفاق الاخير بين البلدين فتح خط ائتمان بقيمة 100 مليون دولار لتغطية العقود القصيرة الاجل، وتأجيل تسديد المستحقات حتى شهر تموز يوليو 2002. وفي الاجمال، يعتقد ان إيران تمكنت من خلال مفاوضات ثنائية مع دائنيها من اعادة جدولة ما بين 2 و3 مليار دولار، وذلك منذ ان عانت من صعوبات في الدفع في اواخر العام 1998. وعلى المدى الاطول، تنتظر إيران نتيجة الدعوة المقامة في محكمة لاهاي الدولية ضد الولاياتالمتحدة، حيث تطالب طهران بنحو 12 مليار دولار من الموجودات المجمدة منذ ان قطعت الدولتان علاقاتهما الديبلوماسية في العام 1980. وأفاد حاكم المصرف المركزي الإيراني محسن نورباخش ان موازنة العام المالي 1999 - 2000 الذي بدأ في آذار الماضي اعتمد تقدير سعر برميل النفط ب11.80 دولار. وبما ان السعر المتداول حالياً يتراوح بين 14 و15 دولاراً يمكن التكهن بأن طهران قد تحقق فائضاً خلال هذه السنة. وفي سبيل تصحيح الخلل الاقتصادي ورفع مداخيل الدولة، تمت زيادة اسعار البنزين بنسبة 75 في المئة ليصبح سعر الليتر 350 ريالاً إيرانياً. وحتى بعد هذه الزيادة، يظل هذا السعر متدنياً بالنسبة الى بقية دول العالم. وكان دعم البنزين يكلف الدولة مبالغ طائلة. ومن ناحية اخرى تدرس الحكومة الايرانية زيادة الضريبة على الشركات الاجنبية العاملة في اراضيها بنسبة 500 في المئة لأن المعدلات السابقة لم تكن عادلة بالمقارنة مع الارباح التي تحققها على حد قول مسؤول في وزارة المالية. وفرضت وزارة التجارة تدابير صارمة على الشركات الايرانية الخاصة والعامة التي لا تفصح اعلاناتها الضريبية عن قيمتها الحقيقية. حيث ان اكثر من 40 في المئة من النشاط الاقتصادي يتم في السر من دون الاعلان عنه للسلطات. وعلى المدى الأبعد، تعمل إيران على تطوير طاقاتها النفطية والغازية التي توفر معظم مداخيلها من العملة الصعبة. وقد طرحت في الآونة الاخيرة عدة مشاريع ضخمة للاستثمار الاجنبي بعدما تخلت عن تحفظاتها السابقة في هذا المجال. وإيران هي ثاني اكبر مصدر للبتروكيماويات في الشرق الاوسط بعد السعودية، وتقيم حالياً 10 مشاريع من المقرر استكمالها العام 2005، وتحتاج الى استثمارات اجمالية بمبلغ 7.2 مليار دولار على ان يخصص نصف هذا المبلغ لمعدات وخدمات هندسية من الخارج. وفي المجال النفطي تتنافس ثلاث شركات من النروج وإسبانيا واستراليا لتطوير حقل "شمشي خوش" شمال الاهواز في عقد تبلغ قيمته مئات ملايين الدولارات. وكان كونسورسيوم فرنسي - كندي يضم شركتي "الف أكيتان" و "بو فالي اينرجي" قد فاز بعقد تطوير حقل "بلال" النفطي في أوائل نيسان أبريل الماضي في مشروع تبلغ قيمته 300 مليون دولار. وسبق ذلك عقد آخر مع شركتي "ألف" الفرنسية و "أجيب" الايطالية لتطوير حقل "دورود" البحري في مشروع تبلغ قيمته مليار دولار. وثمة عقد آخر تتنافس عليه شركات أوروبية وماليزية لتطوير حقل آخر يتوقع ان ينتج 100 ألف برميل في اليوم. ويظهر مما سبق ان القانون الاميركي الذي يعاقب الشركات التي تستثمر اكثر من 20 مليون دولار في قطاع النفط او الغاز الايراني قد فقد الكثير من صدقيته. فحتى الشركات الاميركية التي استبعدت عن المشاريع الايرانية احتجت على هذا القانون الصادر العام 1996. وفي الآونة الاخيرة افادت مصادر يابانية ان شركات النفط اليابانية تضغط على حكومتها من اجل السماح لها بتجاهل مفاعيل هذا القانون. أخيراً، وفي مجال استغلال احتياطها الضخم من الغاز الذي يقدر بنحو 21 تريليون متر مكعب، أعلنت إيران فتح باب قبول العطاءات من شركات الطاقة الأجنبية، لتنفيذ المراحل السادسة والسابعة والثامنة من تطوير حقل غاز "جنوب فارس" البحري العملاق، وفقاً لبرنامج سداد الاستثمارات من الانتاج. ويذكر أن ايران تتمتع بثاني أكبر احتياطي في العالم من الغاز بعد روسيا. وإذا كانت مشاريع الطاقة الإيرانية واعدة، فإن القطاعات غير النفطية لا تزال دون المستوى المطلوب. فعلى رغم كل جهود الحكومة، لم تزد الصادرات غير النفطية عن 3 مليارات دولار خلال السنة الماضية، وفق المصادر الرسمية. واضطرت السلطات الى تقليص مخصصات العملة الصعبة للصناعة بنسبة 80 في المئة خلال عام، حتى آذار، نتيجة هبوط دخل النفط، اي تحديد من 4.5 مليار دولار الى 900 مليون دولار فقط. وكانت الشركات الصناعية تضطر للانتظار نحو 100 يوم لشراء العملة الصعبة من البنك المركزي لاستيراد المواد الخام وقطع الغيار. وأدت هذه الحال الى انخفاض الاستثمارات الصناعية بنسبة 40 في المئة. من ناحية اخرى لا تزال إيران تستورد ما بين 2.5 و3 ملايين طن من القمح سنوياً على رغم ارتفاع حجم انتاجها الذاتي سنة بعد سنة. ويعود ذلك الى التزايد السكاني الذي بات يشكل مشكلة للسلطات ويزيد من حجم الاستثمارات والجهود المطلوبة لزيادة نمو وانتاجية الاقتصاد. ويمكن القول بشكل عام ان إيران تسعى الى تجاوز الآثار المدمرة لانخفاض اسعار النفط الذي ضرب اقتصادها بقوة خلال الفترة الماضية. الا ان الخطط الحالية لا تبشر بإمكانية التخفيف من الاعتماد على عائدات النفط والغاز خلال القرن المقبل بل الى زيادة هذا الاعتماد، مما قد يشكل نقطة ضعف لاقتصادها.