تعرض الحكومة الايرانية على شركات النفط العالمية حالياً حوالي 40 مشروعاً للتنقيب عن النفط والغاز، وتطوير بعض الحقول التي تعاني من مصاعب فنية وتقنية، وعجزت شركة البترول الوطنية عن متابعة استغلالها، وإما بسبب محدودية الخبرات التي تملكها، أو نتيجة النقص في قطع الغيار. وحسب تقديرات صناعة النفط العالمية، فإن قيمة المشاريع التي تعرضها طهران لن تقل عن 5 مليارات دولار. وفي هذا السياق، يعتبر الخبراء النفطيون أن هذه الصفقة الايرانية هي الأكثر ضخامة وأهمية، على رغم الأهمية الواسعة التي اعطيت للعقد الذي وقعته "توتال" الفرنسية على رأس مجموعة من الشركات الاخرى، وعلى رغم الأهمية الواسعة التي تعطى للمفاوضات القائمة حالياً مع مجموعة "شل" العالمية، والمنافسة التي تتولاها "غاز بروم" الروسية لتطوير بعض مشاريع تصدير الغاز. ويفسر الخبراء أهمية العروض السخية الايرانية بمجموعة اعتبارات، أولها ان من بين المشاريع المعروضة لمساهمة الشركات الأجنبية مشاريع نفطية برية، هي الأولى من نوعها منذ أواخر السبعينات، بعدما اقتصرت المساهمة الدولية على المشاريع البحرية، طوال العقدين الماضيين. وتشمل المشاريع المعروضة، مشاريع استكشاف وتنقيب في العديد من المناطق التي يعتقد الايرانيون انها مناطق واعدة، ولم يسبق لشركة النفط الوطنية ان انجزت اعمال مسح واستكشاف مهمة فيها. وإضافة إلى ذلك، تخطط ايران التي يمثل انتاج حقولها البحرية حالياً حوالي 12 في المئة من اجمالي انتاجها النفطي المقدر رسمياً بحدود 1.4 مليون برميل يومياً، الى زيادة الطاقة الانتاجية للحقول المغمورة من 530 ألف برميل الى 700 ألف برميل عند انتهاء السنة المالية الحالية في آذار مارس المقبل، ثم الى حوالي المليون برميل اوائل العام 2000، مع ما يترافق معه من مشاريع لتطوير انتاج الغاز من الحقول البحرية، الى حوالي 9 مليارات قدم مكعبة يومياً، وفق ما يقوله اسماعيل جليليان، مدير الحقول البحرية في شركة النفط الوطنية. ومن وجهة نظر تقنية، فإن متابعة طهران التركيز على جذب الاستثمارات الاجنبية الى المشاريع البحرية، انما تستهدف الحصول على ما يكفي من المساعدات الفنية والخبرات المتقدمة لمعالجة المشاكل التي تعاني منها الحقول المغمورة التي اضطرت الشركة الوطنية الى اقفال العديد منها. ويقدم الايرانيون صيغة جديدة لتشجيع التوظيفات الاجنبية يمكن اعتبارها محاولة للالتفاف على الاحكام الواردة في الدستور، والتي تمنع الأجانب من الحصول على ملكية ما، في مشروعات الطاقة في البلاد. وتقوم الصيغة التي يطلق عليها مسؤولو وزارة النفط عقود "إعادة الشراء" باي باك على اعطاء الشركة المستثمرة حق استرداد الاكلاف التي تكبدتها في عمليات التنفيذ، مع العائد المستحق عليها، عن طريق منحها كميات من النفط والغاز، بما يساوي الكلفة مع العائدة. وتغطي الصيغة التي تعرضها الحكومة الايرانية مخاطر عدة ابرزها مخاطر تدني اسعار النفط والغاز، على اعتبار ان احتساب اسعار النفط والغاز الممنوحة للشركة المعنية سيتم وفق أسعار السوق عند التسليم. واذا ما اخذت في الاعتبار وفرة احتياط النفط والغاز الذي تملكه إيران، اذ يعتبر رابع اكبر احتياط نفطي في العالم، وثاني احتياط من الغاز، فإن الشركات الاجنبية تنظر الى العقود الايرانية، على انها عقود سخية بالفعل، وتدفع الشركات العالمية الى التخلي عن سياسة الحذر التي اعتمدتها حتى الآن تجاه هذا البلد، وهو ما يفسر الاقبال الواسع التي حظي به مؤتمر النفط والغاز الايراني الذي عقد في لندن، اوائل تموز يوليو الماضي، وتمثل بمشاركة ممثلين عن معظم الشركات الاميركية والآسيوية والأوروبية. ومع ذلك، فإن ثمة اعتقاداً واسعاً لدى خبراء الطاقة، بأن سعي الحكومة الايرانية لتشجيع الشركات الاجنبية على التوظيف في حقول النفط والغاز لديها، عن طريق تقديم عروض سخية، لن يكون كافياً لتلبية كل ما تحتاجه إيران في العقدين المقبلين، ويمكن ان تصل قيمته الى حولي 74 مليار دولار. وبالفعل، وحسب تقديرات وزارة النفط الايرانية، فإن ما يتم التخطيط له في طهران هو ان يرتفع انتاج البلاد من البترول الى حوالي 7 ملايين برميل في نهاية العقدين المقبلين، وإلى زيادة الطاقة الانتاجية من الغاز بحيث تصبح إيران أحد أهم مصدرين لهذه المادة في العالم، الى جانب روسيا. ويملك الإيرانيون حالياً احتياطاً من النفط الخام بواقع 90 مليار برميل، فيما تشير التقديرات التي اعدتها الوزارة، الى ان عمليات الاستكشاف ستؤدي الى زيادته الى 115 ملياراً. ويبرر الخبراء حذر أوساط الشركات العالمية بالمخاوف المستمرة من احتمالات حصول تقلبات سياسية، أو حتى قانونية، على المديين المتوسط والبعيد، خصوصاً اذا ما أخذ بالاعتبار النفوذ الذي ما زالت تملكه الجهات المتشددة داخل النظام. ومن وجهة نظر استثمارية، فإن على الحكومة الايرانية الا تكتفي بتقديم عروض سخية، بل الاصح ان تقدم عروضاً اكثر سخاء من العروض التي يمكن ان تقدمها دول نفطية أخرى واعدة، خصوصاً دول الكومنولث الجديد