أسدل الستار على فصل من الأزمة السياسية والوزارية التي تعيشها الكويت منذ بداية اثارة موضوع "الكتب الممنوعة" من قبل الكتلة الاسلامية في البرلمان، والتي استجوب على اثرها وزير الاعلام الشيخ سعود ناصر الصباح. فقد تقدم الشيخ سعد العبدالله ولي العهد رئيس مجلس الوزراء باستقالة حكومته عشية التصويت على طرح الثقة بالوزير، وقبل أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح الاستقالة واعاد تكليف الشيخ سعد تشكيل حكومة جديدة. ويؤكد المراقبون ان الازمة التي بدأت باجازة مجموعة من الكتب في اطار معرض الكتاب في تشرين الثاني نوفمبر الماضي واعتراض الكتلة الاسلامية في البرلمان على قرار وزير الاعلام باجازتها ومن ثم تقديمه للاستجواب في المجلس، تحولت الى أزمة سياسية عصفت بالحكومة بأكملها. وعلى رغم ان تقديرات المراقبين تتفاوت في تفسير الاسباب التي حدت بولي العهد ورئيس الوزراء الى اللجوء الى خيار استقالة الحكومة، الا انهم يكادون ان يتفقوا على ان الازمة قد تكون نقطة تحول في علاقة الحكومة ورئيسها تحديداً بالتيارات الاسلامية التي حظيت بتمثيل متزايد في الحكومات الكويتية منذ حل البرلمان العام 1976. وجاءت استقالة الحكومة بعد أيام على جلسة الاستجواب التي وجه خلالها ثلاثة من النواب من الكتلة الاسلامية الحركة الدستورية، السلفيون والحركة السلفية العلمية اتهاماً لوزير الاعلام بتجاوز الدستور الذي ينص على ان "دين الدولة الاسلام" والقانون الذي يمنع تداول ما يسئ الى "الذات الالهية" والرسل والصحابة ويثير "الفاحشة"، كما ورد في صحيفة الاستجواب. ورغم ان جلسة الاستجواب تحولت في جزئها الثاني الى ما يشبه المحاكمة للتيارات الدينية ونفوذها ودعم الحكومة لها من قبل معارضي الاستجواب، وهو الأمر الذي دعا ولي العهد ورئيس الحكومة الى توجيه اشارات فهمت على انها تحذيرات شديدة اللهجة للاسلاميين، الا ان الكتلة الاسلامية مضت في طرح الثقة بالوزير. وخلال الايام التي فصلت بين جلسة الاستجواب والتصويت على طرح الثقة - وهو ما ينص عليه الدستور - استنفر الاسلاميون كل طاقاتهم لجمع العدد اللازم من الاصوات لسحب الثقة من الوزير. ويقول بعض المراقبين ان الحكومة، على رغم كونها تملك غالبية لا يستهان بها في البرلمان، لم تنجح في صد محاولات الاسلاميين عن كثير من النواب القريبين من الحكومة، والتأثير عليهم أو انها لم ترغب في ذلك. وبينما كان معظم المؤشرات يدل على ان الاسلاميين يملكون بين 17 - 21 صوتاً في أحسن التقديرات، وهو ما يقل بثلاثة أصوات عن العدد اللازم لنجاح سحب الثقة، الا ان معلومات ترددت عن احتمالات استقالة الحكومة خلال الساعات الاخيرة جعلت نواباً آخرين يعلنون تأييدهم لسحب الثقة في اللحظات الحرجة. استقالة الحكومة كنتيجة لتداعيات أزمة الكتب الممنوعة واستجواب وزير الاعلام بشكل مباشر لم تفاجئ أحداً، لكنها أثارت مجموعة من التساؤلات حول الخيارات التي كانت متاحة امام الحكومة وأسباب اللجوء الى هذا الخيار وآثاره وتداعياته على الأزمة السياسية التي تعصف بعلاقة الحكومة بالبرلمان وبالكتلة الاسلامية التي تملك تمثيلا واسعاً في البرلمان وفي الحكومة المستقيلة. ولا يستطيع احد الجزم في الاسباب التي دعت ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الى تقديم استقالة الحكومة، لكن مراقبين يؤكدون ان احد الخيارات كان حل المجلس حلاً دستورياً، وقد فسر عدم ضغط الحكومة على بعض النواب المحسوبين عليها باعتباره محاولة لاستخدام الأزمة مع الاسلاميين كمبرر لدفع الامور نحو التصعيد الذي يجعل حل البرلمان أمراً مقبولاً. لكن خيار حل المجلس استبعد بعد لقاء أركان الاسرة الحاكمة في اجتماع اسثتنائي. ويقول اخرون ان الاستقالة جاءت كرغبة من الشيخ سعد في تجنب التصويت ومنع الاسلاميين من الظهور بمظهر المنتصر، خصوصاً بعدما صار واضحاً انهم اقتربوا من جمع العدد اللازم لسحب الثقة من الوزير. ويؤكد هؤلاء على ان المشاورات التي اجراها ولي العهد مع بعض المستجوبين في الأيام القليلة التي سبقت جلسة التصويت، على رغم انها كانت موجهة للحصول على قبولهم تسوية تقوم على اساس مبدأ تدوير الوزير ونقله من وزارة الاعلام الى وزارة النفط مثلا، اعطت بعض النواب المترددين اشارة الى ان الاسلاميين مقبلون على كسب ولو محدد وهو ما جعلهم يعلنون عن مواقف مؤيدة لطرح الثقة، وبذلك كان خيار استقالة الحكومة بمثابة الاجراء الاخير لتجنب سحب الثقة من الوزير. وتؤكد المؤشرات الحالية ان استقالة الحكومة فتحت المجال امام اعادة النظر في علاقة الحكومة بالتيارات الدينية التي حظيت طوال السنوات الماضية برعاية خاصة. المراقبون منقسمون حول هذه المسألة بالذات، فبينما يرى بعضهم ان الأزمة الحالية يمكن ان تسفر عن خروج غالبية الاسلاميين من الحكومة وبروز حكومة قوية تمهد لمرحلة صعبة من المواجهات مع الكتلة الاسلامية في البرلمان، يرى آخرون ان الازمة مع الاسلاميين لم تصل الى نقطة اللاعودة وحتى اذا خرج بعض الوزراء المحسوبين على الكتلة الاسلامية مباشرة، فان الطرفين سيحاولان تجنب ما يمكن ان يفاقم الازمة بينهما بما يسمح بمناخ تفاهم جديد في المستقبل. وفي كل الاحوال، فان خيار حل المجلس لم يسقط تماماً ويظل قائماً في حال تعثر تشكيل الحكومة. وستعطي التشكيلة الوزارية مؤشرات واضحة على اتجاهات علاقة "الحكومة" بالتيارات الدينية، وهي بالتأكيد ستجعل باقي القوى أقدر على تقييم مواقعها وخياراتها في المرحلة المقبلة.