هل تعيش الديغولية آخر ايامها السياسية في فرنسا؟ هذا السؤال مطروح بإلحاح بعد الهزيمة التي لحقت بهذا التيار في الانتخابات النيابية الاخيرة وهي الاولى منذ انشائه وعشية التغييرات المتوقعة في قيادته، حيث يندفع خصوم الرئيس جاك شيراك مؤسس "التجمع من اجل الجمهورية" لتولي قيادة الحزب الديغولي في الايام القليلة المقبلة ويتزعمها فيليب سيغان الرئيس السابق للبرلمان. ومن المنتظر ان تضم القيادة الديغولية الجديدة نيقولا ساركوري وانصار وزير الداخلية السابق شارل باسكوا وستحل القيادة الجديدة محل القيادة السابقة المقرّبة جداً من شيراك بزعامة الن جوبيه الرئيس السابق للحكومة. والراجح ان تغيير قيادة "التجمع" ليس مجرد تغيير تنظيمي عادي، فمن المعروف ان خصوم شيراك، باستثناء سيغان، كلهم من الليبراليين المندفعين، واذا ما سادت الليبرالية بوجهها السافر، الحركة الديغولية، فان ذلك يعني ان استمرار الانقسام في الصفوف اليمينية بين الديغوليين والليبراليين لن يكون مبرراً خصوصاً ان اصواتاً من بين التيارين، ترتفع اكثر فأكثر، مطالبة بتوحيد التيارات اليمينية في حزب كبير واحد. واذا كانت سيطرة ليبراليي "التجمع من اجل الجمهورية" على الحزب لؤذن بسلبه آخر مظاهر الديغولية، فان الحزب نفسه سبق له ان وجّه ضربات لإرث الجنرال ديغول. فحكومة جوبيه اعدت اصلاحاً للضمان الاجتماعي الذي أسسه الجنرال وخصخصت الكثير من المؤسسات التي اممها ديغول، ونادت بسيادة الليبرالية على حساب دور الدولة المركزي وضربت القاعدة الديغولية القاضية بعدم تصدير السلاح الى اسرائيل، وذهبت بعيداً في التخلي الجزئي عن السيادة الفرنسية "المقدسة" بنظر الجنرال الراحل لمصلحة المشروع الاوروبي، وتعاونت مع الحلف الاطلسي الذي طرد الجنرال الراحل قواعده من فرنسا في سياق دعوته الشهيرة الى خط ثالث بين الجبارين. وكان رفاق الجنرال من كبار السن ومن ما زالوا على قيد الحياة قد استبعدوا من ترشيح انفسهم للانتخابات النيابية الاخيرة ولكل انتخابات مقبلة بحجة تقدمهم في السن. واخيراً جاءت حكومة التعايش بين اليمين واليسار لتنهي اسطورة الجمهورية الخامسة الديغولية القائمة على سلطة رئاسية لا منازع لها.