لا يزال إميل حبيبي يثير الضجّة بعد رحيله، كأنّه لم يشبع من الاستفزاز في هذا العالم، فراح يطاردنا من الآخرة بطيفه الساخر. فالحوار الأخير مع صاحب "المتشائل" الذي تنشره مجلّة "دفاتر ثقافيّة" الصادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينيّة" في عددها الثاني، يفاجئنا بمجموعة من التصريحات المتفجّرة، والمواقف السجاليّة التي عوّدنا عليها الروائي الفلسطيني الراحل. أجري الحوار معه على فراش المرض، فهل كان يعرف أن أيّامه معدودة؟ هل هو الحدس جعله يترك لنا بعض الاعترافات والاحكام بمثابة وصيّة أخيرة؟ يبدو حبيبي قاسياً في حكمه على إثنين من زملائه هما غسان كنفاني، وجبرا ابراهيم جبرا. فالأوّل برأيه "أخطأ الاتجاه" في رواية "عائد إلى حيفا": "حاولت أن أمشي مع كنفاني على الطريق التي وصفها، وجعلها الطريق التي انتقل عبرها اللاجئون إلى شاطئ البحر، فوجدت أحياناً أنّه بدل أن ينزل بهم إلى البحر، صعد بهم إلى الجبل"! وعن جبرا يقول: "مع الأسف لم أقرأ له أكثر من خمسة عشر سطراً"... عن مصادره وقراءاته، يعترف حبيبي بأنّه سُحر بلغة "كاتبين مصريين على طرفي نقيض: طه حسين في "على هامش السيرة"، ومصطفى صادق الرافعي في مقالاته. الرافعي لديه انفجارات لغويّة أحببتها جدّاً، لذلك كنت أقرأه بلذّة. كما تعلّمت من طه حسين الدقّة في استعمال اللغة، خصوصاً في أحرف الجرّ". وعن شخصيّة سعيد أبي النحس المتشائل يعرف: "كنت أكذب وأقول إنّ شخصيّته نقيض شخصيّتي. ولكنّني الآن في عمر لم أعد فيه بحاجة إلى الكذب. في "المتشائل" كنت إلى حدّ كبير أتحدّث عن نفسي، وعقلانيّته هي عقلانيّتي إلى حدّ ما". وأضاف حبيبي أنه دهش لدى قراءة المسعودي وابن بطّوطة، "أما ابن خلدون فلم أقرأ له أكثر من المقدّمة لأنّه جاف. ولم أقرأ القصص الطويلة. لم أقرأ "رأس المال" لكارل ماركس، ولا رواية "الحرب والسلام" لتولستوي". وعن وضع الفلسطينيين في اسرائيل، قال إميل حبيبي إنّهم بقوا في بلادهم بفضل الصمود، و"ليس بفضل مستوى الديموقراطيّة في إسرائيل". وأضاف: "في إسرائيل لا يوجد قانون يبيح الاعدام. لكن ما حاجتهم إلى قانون اعدام، إذا كانوا قادرين على اعدام الناس بلا قانون؟!".