دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    استشاري التدريب التقني يناقش التخصصات الجديدة والاستثمار الواعد    رفض واسع يطوق قرار نتنياهو ويفشل رهاناته في القرن الإفريقي    أمطار متجمدة تغرق مخيمات غزة وتفاقم معاناة النازحين    مدينة الفل تنثر الثقافة وتروي تاريخ الأجداد    أبها يتمسّك بالصدارة.. والدرعية يقفز إلى الوصافة    الاستديو التحليلي يطوّر قراءة أشواط مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    إيقاف شركة عمرة ووكيلها الخارجي لمخالفة التزامات السكن    أمير حائل يدشّن مشروعات تعليمية بالمنطقة بأكثر من 124 مليون ريال    أمير القصيم يدشّن مبادرة "الهاكثون البيئي" لدعم الابتكارات والأفكار البيئية الرائدة    تهيئة محيط مشروع المدينة العالمية بالدمام وتعزز انسيابية الحركة المرورية    تعليم الطائف يتجاوز المستهدفات الوطنية في برامج ومسابقات الموهوبين    فرع الشؤون الإسلامية بالقصيم ينفّذ أكثر من 2600 منشط دعوي خلال شهر    الندوة العالمية تفتتح مستوصفاً طبياً جديداً لخدمة آلاف المستفيدين في بنغلاديش    إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة    مستشفى الأمير سلمان بن محمد بالدلم ينقذ حياة مقيم تعرّض لإصابة خطيرة    سوق الأسهم السعودية يخسر 109 نقاط في أولى جلسات الأسبوع    بدء استقبال وثائق مقدمي خدمة إفطار الصائمين في رمضان بالحرمين    ترقية د.رانيا العطوي لمرتبة أستاذ مشارك بجامعة تبوك    ديوان المظالم يطلق أول هاكاثون قضائي دعمًا للابتكار    باكستان تدين اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال    ماذا يقفد آباء اليوم ؟!    "التجارة" تشهر ب 60 مواطنًا ومقيمًا لارتكابهم جرائم التستر التجاري    أمانة القصيم تعزز الأجواء الشعبية بفعالية الطبخ الحي في حديقة إسكان بريدة    جمعية فنون التصميم الداخلي تنطلق برؤية وطنية وأثر مستدام    رحل إنسان التسامح .. ورجل الإصلاح ..    حقيقة انتقال روبن نيفيز إلى ريال مدريد    هدف النصر والهلال.. الخليج يفرض شروطه لرحيل مراد هوساوي    علامة HONOR تعلن الإطلاق الرسمي لهاتف HONOR MAGIC8 PRO بعد النجاح اللافت للطلبات المسبقة في السعودية    السماء أكثر زرقة وصفاء في الشتاء لهذا السبب    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والامراء 2025    اختتام الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في نجران بمشاركة 40 دارساً ودارسة    ناويا إينوي يحافظ على لقبه العالمي في ليلة الساموراي بمحمد عبده أرينا    الجزائر تعرب عن قلقها إزاء التطورات في المهرة وحضرموت وتدعو إلى الحوار    إصابة خالد ناري بكسور في القفص الصدري بسبب حارس النصر    اعتلى صدارة هدافي روشن.. رونالدو يقود النصر لعبور الأخدود بثلاثية    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. الجزائر والسودان يواجهان غينيا وبوركينا فاسو    مسيرات الجيش تحدّ من تحركاته.. الدعم السريع يهاجم مناطق ب«الأبيض»    رواية تاريخية تبرز عناية الملك عبدالعزيز بالإبل    لطيفة تنتهي من تصوير «تسلملي»    فسح وتصنيف 70 محتوى سينمائياً    53 مليار ريال حجم الامتياز التجاري    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    موجز    دعا لتغليب صوت العقل والحكمة لإنهاء التصعيد باليمن.. وزير الدفاع: لا حل ل«القضية الجنوبية» إلا بالتوافق والحوار    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    ضمن جهودها لتعزيز الرقابة الصحية.. جولات رقابية لمراكز فحص العمالة الوافدة    الداخلية: ضبط 19 ألف مخالف    الخارجية اليمنية: جهود السعودية مستمرة لحفظ الأمن    عصير يمزق معدة موظف روسي    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروض الأزياء الراقية الباريسية لخريف وشتاء 1994 - 1995 : كل يغني على ليلاه في الموضة الفرنسية
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 1994

تحت عنوان "نادي الكبار يقدم موضته" افتتحت عروض أزياء الدور الراقية الباريسية لخريف وشتاء 94 - 95. ولأن كبار الموضة هم كبار حقاً وعددهم لا يتعدى عدد أصابع اليد، فقد رفض نصفهم تقريباً الذهاب الى قاعات اللوفر الجديد لتقديم العرض الفخم هناك. وكانت هذه القاعات استقبلت عروض المبتكرين التسعين في آذار مارس الماضي للمرة الاولى. كذلك اختار المخرج الكبير روبرت ألتمان القاعات الأربع الحديثة جداً كي يصوّر فيلمه عن الازياء الجاهزة ضمن ديكور حديث جاهز. لكن هذا لم يقنع أمثال ديور وبالمان وريتشي وفيرساتشي مثلاً، لأنه مع عظمة متحف اللوفر وشهرته ومع حداثة قاعات العرض في قسمه الجديد التي كلّفت الملايين تجهيزاً عصرياً لتكون مكاناً دائماً لابتكارات صاحبة الجلالة الموضة، فقد وجد ملوكها المتنافسون على عرشها دائماً ان مكان العرض يجب ان يكون أفخم. وبين صالة الفندق الكبير التاريخية المزخرفة رسماً ونحتاً وبين قاعة العرض في اللوفر بجدرانها الملساء وإضاءتها المبهرة وموسيقاها الصاخبة لا تناسب ثوباً عملت فيه عشرات الأيدي ليخرج مطابقاً لفكرة مبتكرة.
وربما لا يعرف الكثيرون ان دور الأزياء الكبيرة تعتمد عادة مبدأ "الثوب الوحيد" لأنيقات من نخبة المجتمع العالمي ومن نخبة صاحبات الجيوب المنتفخة. وهذا يذكّرني بما قاله لي جيرار بيبار، مصمم أزياء نينا ريتشي المعروف، عن الابتكارات الوحيدة، وكان ذلك قبل أسابيع قليلة من موعد العروض هذه. قال: "… لقد أرسلت رسوم موديلاتي الى المشغل. ومنها جميعها قد لا اختار اكثر من اربعين. عليّ ان أراها على العارضات قبل الحذف النهائي… ذلك ان الثوب الواحد يكلّف عشرات الالوف من الفرنكات…". وطبعاً ضرب جاك موكليه، رئيس الغرفة النقابية للخياطة الراقية، على رأسه وهو يرى تحوّل أقطاب الموضة الباريسية عن متحف اللوفر. فهو تلقى منذ قليل وسام جوقة الشرف على دفعه الموضة الراقية الى الامام دائماً وعلى جرّها اخيراً الى قاعات اللوفر الجديدة. لكن هذه المرة، قبلت عشر دور أزياء راقية من التسع عشرة داراً الذهاب الى اللوفر. البقية اختارت قاعات الفنادق الفخمة الشهيرة عالمياً او قاعات دورها الخاصة. وهكذا حُرم الصحافيون من أنحاء العالم من المكاتب الصحافية والهواتف التي توضع تحت تصرفهم، وبسبب شدّ الحزم على المصاريف، بعد تمرد عباقرة الموضة الباريسية على اللوفر الباريسي.
تنافس النجوم
هكذا كان فندق الريتز المطلّ على ساحة الفاندوم التاريخية معجوقاً في الثامنة من مساء الاحد ليلة افتتاح العروض. كانت السيارات الفاخرة تتوافد وشهيرات السينما والمجتمع ايضاً. ألواح خشبية غطّت مسبح الريتز، وبذلك حوّله التقنيون الى "خشبة عرض" سقطت عليها الأنوار كلمعان الشهب وخطفت البريق عن اصطدام النجم المُذنب شوميكر ليفي 9 مع جوبيتر. وفعلاً تهادت العارضات رشيقات في تايورات تنطلق ألوانها من الزمرد والبنفسج والإقحوان. جاكيتات ومعاطف قصيرة تقفز مع قفزات الكعوب الرفيعة جداً وتزيد في غنج كلوديا شيفر وليندا إيفانجيليستا وهما من أشهر العارضات. وعلى عكس الوان النهار الطبيعية البرّاقة فالمساء على شاكلته ستكون سهراته الفاخرة بالاسود بموديل الاسطوانة الموسيقية. ويعني هذا باختصار ان تنورة الثوب واسعة من الأسفل وتدور كالقرص في اثناء الحركة الرشيقة. ولم تكسف عجقة فندق الريتز عرض اوليفيه لابيدوس ابن الثالثة والثلاثين الذي استطاع ان يحلّ مكان أبيه تيد ويحافظ على اسمه الكبير في عالم الازياء الراقية. وجاء عرض لابيدوس كله بالحرير وعلى غرار اميرات الشرق تماماً. بل قيل في الكواليس انه استوحى لهذه الموديلات الحريرية التي سخّر لأقمشتها سبعة عشر حائك نسيج من مدينة ليون المعروفة عبر التاريخ بأنها الأولى في مجال الحرير. جاء تايور لابيدوس من الحرير بتنورته القصيرة وصدريته الرجالية وجاكيتته الطويلة. وايضاً كان ثوب السهرة الطويل والمعطف المتهادي فوقه براحة، ما حقق للشاب المبتكر لقب الكبار حقاً.
عند ديور الذي قام عرضه في دارته الارستقراطية المطلّة على جادة مونتينيه الفخمة، تصدّرت سيدات السياسة الصفوف الاولى بين المدعوات والمدعوين ممن احسن المصمم جيانكو فري فرز اسماء هؤلاء بدقة: ليز توبون زوجة وزير الثقافة، كلود بومبيدو ارملة الرئيس الراحل جورج بومبيدو والسيدة بالادور زوجة ادوار بالادور رئيس الوزراء الفرنسي. وكان ايضاً سفير انكلترا بينهن. والعرض منذ بدايته أوحى فعلاً بأن القرن الواحد والعشرين قد أطلّ قبل أوانه بخمس سنوات: قميص أبيض مثلاً فوق تنورة مثناة وتايور تسقط تنورته حتى الرسغ، وتطريز على الصدر للأمسيات، ويرادف كل ذلك قبعة صغيرة مستديرة تغطي جزءاً من الرأس. ثم هذه العروس الشكسبيرية تختم العرض بأبهة الزمن الأنيق، ودون ان نستطيع القول بوجود جامع مشترك للموضة الراقية بين مصمم وآخر، ولأن قاعة الفندق الكبير التاريخية استقبلت موديلات بيار بالمان عبر المصمم اوسكار دي لارنتا الذي خالف ديور في خطوطه وأقمشته، يمكن قول ذلك. فللنهار اختار دي لارنتا معطفاً من قماش الصوف المجعّد قصيراً ويلتصق بالجسم، وتايوراً اسود بالإجمال، وفرض الشفافية عبر الموسلين والدانتيل. ويكفي هذا النوع من الأقمشة لتحني الفخامة برأسها على قامات العارضات.
الجزمة طويلة جداً
طغت الجزمة الطويلة جداً التي ارتفعت سنتيمترات عديدة فوق الركبة على التنورة الضيقة والقميص بياقته المكشكشة عند جان لوي شيرر. وايضاً بمقص إيريك مورتنسن الذي حاول ان ينافس المعلم شيرر منذ ان اعلن افلاسه قبل عامين. ولا ينافسه بالابتكار بل بالمحافظة على ان أنيقته ستبقى تحمل طابع شيرر الفخم. ولهذا أمكن الاستخلاص من العروض ان كل موديل من موديلاته مشغول بعناية فائقة. ما طغى هو الجاكيت المزررة وتزاوج الموسلين بالمخمل للأمسيات. لكن لنقرأ بعض العناوين لأناقة اليوم التالي للعروض. عند اونغارو هناك امرأة اسمها "سحر"، وبمعنى انها تسحر مظهراً مع ان التنورة ارتفعت عن الركبة قليلاً وضاقت في تايورات بلون زهري او اصفر شاحب. وللمساء ألبس انيقته ثوب اللعبة الواسع التنورة المنفوخة بجيبون. وعند لوي فيرو فالمرأة قادمة من البندقية. كثير من الالوان ومناخ متوسطي مع معطف واسع يسقط حتى القدم فوق بنطلون من المخمل الاسود. جاكيتته طويلة وضيّقة. وللسهرة فالاثواب فخمة حتى القول ان عظمة فن البندقية جاء يستريح بعض الوقت في تطريز باريس، ولنتصور كم الشهيق يمكن ان يكون عالياً من الاعجاب.
نبقى في العناوين بعد: فعنوان جيفنتشي هو الاناقة الصحيحة. ومع ان هذا الخياط العملاق امامه موسمي موضة بعد، قبل ان يقرر إن كان يتابع المهنة أم لا، فإن ما قدّمه من موديلات جديدة للشتاء المقبل لا يترك مجالاً لأي رجل ان يتنمى لامرأته افضل من هذه الاناقة الصحيحة. اناقة لازمنية ولا تناقش، كأن هوبرت جيفنتشي اراد ان يتحسّر عليه المجتمع المخملي العالمي منذ الآن. تناغم دقيق في الخطوط، ولا مجال لأي نقد في المعاطف المربّعة من دون أزرار وباللون الزهري المطرّز فوق تنورة سوداء للمساء. ومثله هذه المرّة كارل لاغرفيلد مصمم شانيل الذي أعاد للدار الشهيرة عزّها بعد ان سقط في الامتحان قليلاً في العرض الماضي. ومن جديد قفزت التايورات الشانيلية على خشبة المسرح تحملها اكبر العارضات بألوانها الكحلية والسوداء والزهرية. وبدت الثلاثينات، عهد كوكو شانيل الفاخر، تهزّ عصا أناقتها من جديد عبر "البنطول - البيجاما". وبخلاف معظم المصممين، فقد اختار لاغرفيلد اللون الثلجي للأمسيات وبجميع الأطوال. والعنوان "ما أحلى الرجوع الى الكلاسيكية". وقلّدت كارفن موديلات شانيل باللون الابيض، إلاّ انها اختارته للمعاطف. كذلك جعلت هذه المرأة الفنانة الخريف يستيقظ من غفوته على حمرة الشمس. ومخالفة اخرى عند كارفن ايضاً تعلق بإبدالها الثوب الطويل بالتايور للسهرة، لكنها أدخلت على قماشه الحريري الكثير من التطريز والريش.
استيحاء من الصين واليابان
اليوم الثالث للعروض تتوّج بإيف سان لوران الذي وضع ثلاثة أشهر كي يحقق مجموعة موديلاته الفاخرة. وقد راح احد الحضور يهمهم بعد انتهاء العرض قائلاً: "انها مجموعة ازياء لن نرى مثلها بعد عشر سنوات". وفعلاً أعاد سان لوران في مجموعته ايام الموضة الذهبية في الاثواب الفاخرة المخصورة والتايورات التي احتلت البنطلونات الواسعة فيها التنانير القصيرة، وهذه ان وجدت فكي تكون فوق جزمة طويلة جداً من جلد التمساح. وكل هذا بلون زهري وازرق وبنفسجي عاصف. كانت كاترين دينوف في مقدمة الحضور تتأمل عودة الكلاسيكية بمقص حديث، وتستعد لطلب اثواب سهرة استوحاها سان لوران من الصين التي زارها. وقالت كاترين دينوف بعد انتهاء العرض، وهي الامينة لصداقتها مع دار الازياء والتجميل الشهيرة: "لقد ذكّرتني هذه الاثواب بسفري الى فييتنام من اجل فيلمي الهند الصينية. الموديلات رائعة حقاً".
حين تهادت عارضات هناي موري على خشبة العرض، فهم الحضور فوراً ان شيئاً من تاريخ اليابان العريق كان فيه. اولاً الكيمونو الحريري ثم التايور بتنورته الطويلة والجاكيت الطويلة ايضاً لكن مع غطاء رأس يسقط كالقلنسوة برشاقة وتترك فتحته البيضاوية مجالاً للوجه فقط كي يبرز منها ضاحكا. ثم للسهرة، فقد تناهت اثوابها تقليداً لإمبراطورات وأميرات البلاط الياباني. ولا مزح مع هناي موري اليابانية الاصيلة والتي بقيت تحافظ على تراثها وتمازجه عصرية باريسية منذ ان كانت في جادة مونتينيه وحتى صارت في الفوبور سانت هونوريه على بعد خطوات من الإليزيه. ومن هذه الاناقة الرفيعة المستوى الى عرض باكو رابان الذي كعادته، بل اكثر هذه المرة، قدّم لنا "الثياب المصفحة"، على غرار الابواب تماماً. كل فنه في استعمال المعادن للأزياء كان في العرض. لقد عالج باكو المعدن وجعله نسيجاً وصنع منه الثوب والتايور والمعطف، وحتى بطانة هذا جعلها معدنية. ايضاً لا خوف على زي السهرة، فهو من المعدن المحبوك والالوان ايضاً معدنية.
الجديد على ساحة الموضة الراقية لهذا الموسم هو نزول "ميشيل كلان" اليها، بعدما كان اختصاصه يتركز على الازياء الجاهزة. جاء به غي لاروش الى دارته ودفعه الى التحدي. وصدف ان التقت به كاترين دينوف قبل يوم من موعد العرض، فقالت له انها سمعت اصداء عن موديلاته وتحب ان تشاهدها. كان هذا القول اول وسام لميشيل كلان في عالم الموضة الراقية التي بدأها بمجموعة من البنطلونات على الطريقة الصينية مصنوعة من قماش الكشمير وبتنانير مستديرة كالاجراس. وعلى اعتبار ان كلان يحب إبراز الأكمام فلم يفته الأمر في موديلاته، فظهرت واسعة من اسفلها وعادية عند الكتف. وللسهرة، هناك المسرح ما استوحى منه الكثير… لكن بفخامة محتجبة.
الأبهة عجيبة
لعلّ جيرار بيبار كان مبدعاً اكثر من سواه عبر موديلاته الاربعة والستين التي صممها لنينا ريتشي. ويبدو ان قاعة الفندق الكبير الذي أقيم فيها عرض الازياء الفخم زادت في الأبهة بنقوشها وتماثيلها ومراياها. بل لنقل ان مثل هذه الموديلات لا يجوز ان تتباهى العارضات بها في غير هذه الحقيقة. وليس من كلمة تعبّر عن جمالية الموديلات غير انها رائعة فعلاً من التايور الاول وحتى ثوب العرس. دقة في التفصيلات التي تُختصر بالتنورة الواسعة من الاسفل قليلاً، بالجاكيت الطويلة بشكل عام، بطبقات الثنيات في اثواب السهرة، بالقصة التي تحيط بالجسم فوق الخصر، بدقة التفصيلات البسيطة لكن خارقة الهندسة، ثم قماش الصوف الرقيق بألوان بيج ورمادي وزهري للنهار والاسود بشكل ساحق الى جانب المخملي للمساء. والمساء هو للإمبراطورات حقاً، لعصر لويس الرابع عشر في قاعة المرايا بقصر فرساي ولكل سيدات الطبقة التي تقلّد اولئك الامبراطورات . شيء آخر هو الطول الذي يقف عند الركبة ما عدا لأوقات السهرات الفارهة فالطويل والمثنى طبقات والمنفوخ والتفتا والحرير والجاكار هم الاسياد. وبدت العروس في ثوبها المطرّز منه وفيه تتباهى ببساطته واناقته التي انطلقت من قبعة زهرية الورود مثل الباقة التي تحملها بيدها والاخرى المعلّقة على ظهرها تفوح على الذنب الطويل لأمتار من التول. كانت تبتسم للتصفيق الشديد وتحلم في قلبها لو ان الثوب هذا يكون لها في يوم.
"الرومانطيقية" بكل ما في الكلمة من معنى كانت ميزة اليوم الرابع لعروض الأزياء الراقية، والاخير طبعاً، وكان كريستيان لاكروا بدأه صباحاً قبل نينا ريتشي. وكزخّات الالعاب النارية الواناً. كل موديل كان يلمع ويضيء عنده الوانا وأزهاراً. وان قيل عن الموضة انها فنٌ، فالحقيقة ان لاكروا طبّقه بكل ابعاده قماشاً وتفصيلات والواناً وأبهة. صحيح ان الموضة المعروضة هي شتائية، غير ان لاكروا جعل الشتاء سماوياً وخضرة من كل لون. انيقته كالعصفورة غارقة بالريش وهي كالأميرة تتباهى بالمجوهرات، وايضاً كراقصة الباليه في السهرات رشيقة وهي تتهادى بالمخمل والدانتيل. وهذا من دون ان يخالف لاكروا خطوط الموضة الراقية للشتاء المقبل من حيث اتساع التنورة كالجرس ووقوفها عند الركبة وتحديد الخصر بالزنّار او بالقصّة. كان جاك توبون وزير الثقافة الفرنسي في مقدمة الحضور، وبعد انتهاء العرض قال معلّقاً: "العرض رائع، وقد أظهر كريستيان لاكروا انه وحيد في موضته".
بقي هناك اثنان متشابهان في الكلاسيكية وجمالية الموضة الراقية، وهما تورنت بشخص "روزيت ميت" المصممة، وفيليب فينة. ويمكن ان نطلق على موضة الدار الاولى "الموضة الطاهرة" وعلى موضة الثاني "الموضة العجائبية". تورنت حلمت بالابيض ودانتيل القرن الثامن عشر وحققت "ثوب المركيزة" للسهرات الفاخرة بالياقة المكشكشة العالية التي تغطي اسفل الوجه وتجعله طاهراً فعلاً وما عدا الاتساع في الثوب ككل من الكُم وحتى التنورة. اما فيليب فينة فإمكاناته محدودة لكنه استطاع ان يحقق معاطف بياقات الجاكيت العسكرية لجنرال كبير وجاكيتات طويلة تبرز اناقة متميزة ببساطتها وفخامتها وقدّم فينة ستة اثواب سهرة فقط لخّص فيها كل فنّه، سواء بقماش الأورغنزا الحالم ولون الزهر الذي تعجق به الحدائق المخالفة للفصول. وهي من عجائب الطبيعة وايضاً الفن الذي يختصر بالنوعية اكثر مما يستبيح الكمية.
لأن الموضة الراقية الباريسية تشكّل جانباً اقتصادياً هاماً لفرنسا يعادل الصيت الفني الكبير الذي تملكه من خلال كبار مصمميها على الصعيد العالمي، صار من الطبيعي مشاهدة رجال السياسة وشهيرات النساء في الصفوف الاولى من كل عرض. ومرة قالت كلود بومبيدو، زوجة الرئيس الراحل جورج بومبيدو: "كانت دور الازياء الشهيرة تُرسل لي بتايورات وبأثواب عندما أتهيأ للسفر الى الخارج. الموضة الراقية بالنسبة اليّ هي ان اكون سفيرتها، فهي دعامة اقتصادية لبلدي، وفنٌُ عريق".
يبقى ان هذه الموضة ترتديها المعدودات على الاصابع في انحاء العالم، لأن أقل ثوب منها يكلّف عشرات الالوف من الفرنكات، لكن منه تحيا يد عاملة وفيرة ومصانع نسيج واحذية واكسسوار وفنادق ونقل… وحتى القول ان أناقة المرأة تهزّ الاقتصاد بجمالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.