فنانان مصريان رحلا قبل ايام في القاهرة، كأنما عن سابق تنسيق. عبدالله غيث وأحمد فؤاد حسن لم يجمعهما اي مشروع طيلة حياتهما الحافلة بالعطاء، لكنهما شاركا - كل على طريقته، وضمن مجاله الابداعي - في دفع عجلة الفن المصري والعربي. ولعل القاسم المشترك الاساسي بين عبدالله غيث وأحمد فؤاد حسن، انهما عملا بصمت بعيداً عن اضواء النجومية واغراءات الشهرة. فالأول ممثل برع بحضوره على الخشبة وعلى الشاشة الصغيرة، اما الثاني فموسيقي وقائد اوركسترا، تختصر تجربته نصف قرن من الموسيقى المصرية. عبدالله غيث الذي توفي عن 63 عاماً، عاشق مسرح من طراز خاص، لقبه البعض ب "فارس الخشبة المصرية". على هذه الخشبة وقف زهاء اربعين عاماً، فاقترن اسمه بأعمال بارزة اولها "تحت الرماد"، وآخرها "آه يا غجر" إخراج احمد زكي التي ما تزال كواليس "مسرح السلام" في القاهرة ترجع صداها الى الآن. تنتمي تجربة غيث الى ما يعرف ب "مسرح الستينات"، حيث تجلى في اعمال كثيرة ليس اقلها "الزير سالم" تأليف ألفريد فرج و "زيادة السيدة العجوز" دورينمات. ظهر غيث ايضاً خلال الستينات، وهي فترة توهج، في السينما من خلال افلام ك "المرايا"، "السمان والخريف"، "ثمن الحرية" و "حكاية من بلدنا" و "الحرام" إضافة الى دوره الاشهر: "أدهم الشرقاوي". في السنوات الاخيرة شارك تحت ادارة مصطفى العقاد في فيلمي "الرسالة" و "عمر المختار" الذي أدى دوره على الشاشة في النسخة العربية، بينما ادى الدور نفسه انطوني كوين في النسخة الانكليزية. ولم تضف اعماله التلفزيونية كثيراً الى مسيرته الابداعية. ويجيء موت عبدالله غيث، الذي هو ايضاً عمدة القرية التي ولد فيها في حضن الوجه البحري في محافظة الشرقية، في عز أزمة المسرح المصري، انسحاباً او بيان احتجاج عسى القاهرة تجد فنانين شباباً يأخذون المشعل ويتابعون الطريق... أما "المايسترو" أحمد فؤاد حسن، فقد رحل عن 67 عاماً، تاركاً وراءه سجلاً حافلاً من الانجازات. وهو ينتمي الى جيل الموسيقيين الاكاديميين في مصر، استطاع بدأب ومراس ملحوظين ان ينظم مهنة الموسيقى في بلاده، وأهل هذه "المهنة" يدينون له حتى اليوم بالكثير. له مثلاً يعود الفضل الاول في رد الاعتبار الى الفرق الموسيقية المصاحبة للمطربين. كون أحمد فؤاد حسن "الفرقة الماسية" التي ذاعت شهرتها في مصر والعالم العربي، وتزامن إنشاء هذه الفرقة مع صعود "العندليب الاسمر" عبد الحليم حافظ، وكبار المحنين من أمثال كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي... وها هي "الفرقة الماسية" تصاحب كبار الاغنية من عبد الحليم الى محمد عبده مروراً بورده الجزائرية ونجاة الصغيرة. وكان احمد فؤاد حسن يبدأ الحفل دائماً بمقطوعة موسيقية خاصة، كنوع من التأكيد على ان فرقته مستقلة. وقد انطلقت من هذه "المدرسة" نواة فرق عديدة تحتل الآن مكانها على الساحة الفنية. وقائد الاوركسترا الراحل شغل ايضاً حتى اللحظات الاخيرة منصب نقيب الموسيقيين، وله يعود الفضل في تحسين حقوق هؤلاء وشروط عملهم المادية. كما تولى منصب رئيس جمعية المؤلفين والملحنين بعد رحيل الموسيقار محمد عبد الوهاب. وعلى الرغم من بعض الالحان التي قدمها لورده ومحرم فؤاد ومحمد قنديل وهاني شاكر وعماد عبد الحليم، فان الموسيقي الراحل لم يبرز كملحن، بل شغلته هموم المهنة، لكنه كان برأي كبار اهل المهنة موزعاً وقائد اوركسترا من الطراز الرفيع.