«الإحصاء»: 1.8% معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان في السعودية    الجمعية العليمة السعودية للصحة العامة ساف تشارك في مؤتمر يوم الابحاث    علامة HONOR تعلن عن رعايتها لمسابقة إجادة اللغة الصينية بعنوان "جسر اللغة الصينية" في المملكة العربية السعودية    ملتقى النص المعاصر: احتفالية شعرية وفنية تُضيء سماء نابل    سفير إندونيسيا لدى المملكة: "مبادرة طريق مكة" نموذج من عناية المملكة بضيوف الرحمن    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    مستشفى دله النخيل ينهي معاناة عشريني يعاني من خلع متكرر للكتف وكسر معقد في المفصل الأخرمي الترقوي    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة    رياح مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من الشرقية والرياض    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    وادي "الفطيحة" أجواء الطبيعة الخلابة بجازان    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الهلال يحبط النصر..    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية جديدة عن الديكتاتورية ، وفيلم قريب عن الارهاب . عادل إمام ل "الوسط" عشية افتتاح "الزعيم" : قرصين ديموقراطية ، كبسولة عدل ، وحقن نزاهة في العضل ... مرتين في اليوم !!
نشر في الحياة يوم 18 - 10 - 1993

عادل إمام يعود من جديد، ليثير الشغب والضجة و...اقبال "الناس الكتير". بعد مسرحيته "الواد سيد الشغال" التي عرضت سنوات طويلة، وقبلها "شاهد ما شفش حاجة" التي غزت العالم العربي عبر أشرطة الفيديو، ها هو النجم الكوميدي يقف من جديد على الخشبة، ليؤدي دور البطولة في مسرحية من وحي الاحداث الساخنة، تتهكم بالواقع العربي المرير. عشية افتتاح "الزعيم"، قصدت "الوسط" الفنان المصري الذي فاجأ العالم بجرأته حين ذهب قبل أعوام للتمثيل في أسيوط تحدياً للمتطرفين، فكان أن تناول الراهن بسخريته المعهودة، ملقياً مسؤولية ما يحدث على "الفول المدمّس، والزحمة، و...انعدام التأهيل السياسي".
عادل إمام يعود من جديد الى المسرح، وقد حدد لنفسه، هذه المرة، هدفاً مهماً يطلق عليه قذائف سخريته ذات العيار الثقيل. "الزعيم" هو عنوان عمله الجديد الذي يفتتح هذه الايام في العاصمة المصرية، على خشبة "مسرح الهرم"، من تأليف فاروق صبري، واخراج شريف عرفة الذي لعب إمام تحت ادارته بطولة فيلم "الارهاب والكباب". يؤدي النجم المعروف شخصية ديكتاتور لا يرى سوى ذاته ولا يعير أذنه الا للهتاف، حتى لو كان هتاف العاملين في بلاطه: "إنت الفارس... إنت الحارس... وإنت مفجر ثورة مارس!".
وعندما يقصد المرء عادل إمام محاوراً يجب أن يتخلى، منذ اللحظة الأولى، عن الافكار المسبقة المقترنة عادة بالنجم الفكاهي، وإلا بقي الحديث عاجزاً عن اختراق الصورة الحقيقية لفنان هو قبل كل شيء صاحب رأي ورؤية، ربما تتضاءل أمامها آراء ورؤى السياسيين المحترفين، أو المثقفين المحترفين - أيضاً - أصحاب التعقيدات والتنظيرات التي تحتويها الصالونات المغلقة، أو قاعات المؤتمرات والندوات...
كان لنا هذه الفرصة وأحسنا الاستفادة منها. فعشية افتتاح عروض مسرحية "الزعيم"، خص عادل إمام "الوسط" بهذا الحديث الجاد - الضاحك، السياسي - الفني، والساخر - الفلسفي... عن قضايا الديموقراطية، والفن، والإرهاب وأصول الزعامة السياسية... وهنا نص الحوار.
ولّى زمان الزعامات ذات الصفات الاستتثنائية الخارقة... ففي أي زمن نعيش؟
- نحن نعيش عصر زعامة "المتوسط الحسابي"، أي الرجل الذي يجمع في صفاته وسلوكه نقاط الاتفاق في صفات مواطنيه وسلوكهم. إننا في زمن الزعيم الذي يطلق عليه بالانكليزية تسمية Care Taker أي "الرجل اللي يخلي باله على ناسه وشعبه". الزعيم الذي يحمل هموم الفرد في وطنه، أكثر مما يحمل همومه الشخصية.
هل توافق على هذا المفهوم العصري للزعامة؟
- بكل تأكيد.
لماذا؟
- لأن الزعامات الاستثنائية الآن أصبحت ظاهرة "عبيطة". انتهت العنتريات والدون كيشوتيات، وأصبحنا في زمن الواقع، والأشياء الموجودة "على الأرض" التي يمكن أن يراها الإنسان بالعين المجردة.
هل تغيّر الناس الى حدّ أصبحوا معه مستعدين لقبول هذا المفهوم العصري ل "الزعيم"؟
- تغيّر العصر، وتغير الناس.
كيف؟
- نحن في عصر الكومبيوتر، و"الميكروشيبس". حتى الألوان تبدلت، وكان لابد أن تصبح الزعامات ممثلة لكل هذا التغيير. الزعامات الاستثنائية انتهت، ليس فقط في العالم الثالث، ولكن في أوروبا أيضاً. لم يعد هناك ديغول في أيامنا، كما لم يعد هناك تيتو!
ارتبطت الزعامة عند الناس بمفهوم التآمر. فمن يتآمر هو "زعيم"... هل تعتقد أن الزعامة مرادفة للتآمر؟
- التآمر فكرة التصقت بالزعامة عند ميكافيللي مثلاً. ولكن الاجابة عن سؤالك تحددها الاجابة عن سؤال آخر هو: "من الذي يحكم؟". فاذا كان الفرد هو الذي يحكم سيظل اختياره التآمر أو عدمه، مسألة ترجع الى مزاجه والى طبيعته. أما إذا كانت الاكثرية هي التي تحكم، أي "الناس الكتير"، فلا مجال عندها للتآمر!!
هل يحكم الناس فعلياً، في أي مكان من العالم؟
- هناك مؤسسات تحكم، ومؤسسات أخرى تضغط، وحتى على الناخب الأميركي هناك ضغط، ولكن المسألة نسبية.
سألت ابني: من هو عادل إمام؟ فأجانبي: "الزعيم"، ولا بد أنه تأثر بإعلانات عرضك المسرحي الجديد. ولكن إجابته تدفعني الى سؤال من نوع آخر: هل تعتقد أنك تحتل مكان الزعامة في ساحة الفن؟
- لا... لا أعتقد.
تقول ذلك رغم شعبيتك الجارفة؟
- المسألة مسألة حب، وليست إحساساً بالزعامة. أنا "باعمل شغل كويس"، ولذا يحبني الناس، ولا تحاول ان تستدرجني الى كلام ليس له داع.
هذا الكلام "له داع" في ظل المفهوم الإنساني البسيط للزعامة الذي بدأنا به؟
- طيب، تستطيع أن تعتبرني زعيم الناس الغلابة!!
هل يتشكل جمهورك من هؤلاء الناس فقط؟
- جمهوري من جميع الطبقات، ولكنك تجد في شغلي اتجاهاً نحو الجمهور العريض، أو "الناس الكتير".
هل اعترضت الرقابة على بعض مشاهد مسرحية "الزعيم"؟
- أشياء بسيطة جداً تخص علاقات انسانية عاطفية، لا أعرف كيف أمكن للرقيب أن يرى فيها شيئاً من الاباحية، مع أنني دائماً في منتهى الحرص عندما تتعلق الامور بمثل هذه الجوانب. فحتى عندما تقتضي ضرورات الدراما وجودها، فإنني أعمد الى تخفيفها قدر المستطاع، لأنني كربّ أسرة أراعي هذه المسائل تماماً.
الارهاب على صفحات الجرائد
كانت لك مواقف مشهودة ضد التطرف في مصر... لماذا لم تقدم عملاً مسرحياً يتناول قضية التطرف؟
- سأقدّم في وقت قريب فيلماً يدور حول قصّة ارهابي. أما عن سبب اختياري السينما لتناول هذا الموضوع، فإن النص المعروض عليّ كان سينمائياً. ثم أن السينما تقدّم تنوعاً أكبر يسمح بالحركة. وقد يظهر فيها اطلاق الرصاص ومثل هذه الاشياء بطريقة أفضل، أضف الى ذلك أن العمل السينمائي أقدر على توصيل الرسالة الى أكبر عدد ممكن من الناس. لو تعرضت لهذا الموضوع على خشبة المسرح لتحول الى خطبة عصماء. وأنا أود تقديم حدوتة للشباب فيها فن، وفيها فرجة.
ماذا تود أن تقول للشباب من خلال هذا الفيلم؟
- أريد أن أضع إرهابياً في مكان آخر، غير بيئة الارهاب نفسه. فالظروف تضعه في بيت أسرة طيبة، طبيب وزوجته وأولاده، ويبدأ من خلال معايشته لهذه الأسرة يرى الألوان. فأنا اعتقد أن مشكلة هؤلاء الارهابيين أنهم لا يرون الألوان، ولا يعرفون سوى اللون الأسود.
هل رأيت إرهابيين؟
- لا ضرورة لمقابلة هؤلاء الذين يطلقون الرصاص. فهم ليسوا معزولين في مكان معين، لأذهب وأتفرج عليهم!
نحن نتكلم عن كل الارهابيين، حتى الذين يمارسون الارهاب الفكري.
- طبعاً "شايفهم وعارفهم" جيداً، هناك ارهاب في أوساط المثقفين، وارهاب على صفحات الجرائد ايضاً.
كيف ترى الارهاب على صفحات الجرائد، وفي أوساط المثقفين؟
- هناك ما أسميه الارهاب بالشتائم. لقد أصبح الناس يكلمون بعضهم البعض بطريقة إرهابية جداً. هناك حتى ارهاب يمارسه رجل الشارع العادي، فسائق التاكسي الذي يصدر إشارة من يده بعنف لسيدة تقود سيارتها، يمارس ارهاباً بمعنى من المعاني. انهم يحاربون الفن، لأن الفن يدعو الى الصفاء النفسي، الى الروح الطيبة، والسلوك القويم. نعم. الفن مستهدف لهذه الاسباب.
على صفحات الجرائد في مصر نشر بيان، نسب الى "لجنة المشاركة السياسية"، دعا الناس الى المشاركة في الاستفتاءات والانتخابات، ووقعه عدد كبير من المفكرين والشخصيات العامة، وكنت منهم... هل دُعيت بالفعل الى مزاولة عمل من اعمال هذه اللجنة؟
- نعم.
أي نوع من العمل؟
- الاشتراك في تكوين جبهة هدفها دعوة الناس الى أن تبدي رأيها، سواء بنعم أو بلا؟
هل هذه الدعوة كانت أمراً موسمياً، مرتبطاً بالاستفتاء حول الولاية الثالثة للرئيس مبارك؟
- اطلاقاً. نحن مستمرون في هذه الدعوة، التي تسعى الى اشتراك الناس في صناعة حياتها. نحن "اتربينا غلط"، انتخابياً بالطبع!! "زمان" كان صوتي غير مهم، وغير مؤثر عندما كان الحكم شمولياً، كانت النتيجة معروفة مئة في المئة.
كل ما نحاوله الآن هو أن ندفع الناس الى الذهاب صوب صناديق الاقتراع، لتقول نعم أو لتقول لا. وهذا مهم للغاية لأنه يجعل المواطن متمرساً من الناحية السياسية، ويشعر بمشاركته في تشكيل القرار السياسي... وهي مشاركة مهمة وضرورية. في حرب الخليج مثلاً، إياك أن تصدق أن الرئيس مبارك اتخذ قرار المشاركة المصرية من تلقاء نفسه، أو عن طريق مستشاريه فقط. هذا كان رأي كل إنسان في الشارع المصري، وهو رأي ينبغي أن يفصح عن نفسه في مناسبات وأحداث أخرى، بل في كل المناسبات والاحداث.
"غُزُه ورَيَحه" ...والزمالك!
سيادة الزعيم... ما هي آخر آرائك في اتفاق غزة - أريحا، وهزيمة الزمالك من الاهلي بثلاثة أهداف نظيفة؟
- يضحك كل هذا تكلمت عليه في المسرحية، فقد وقف الزعيم الجاهل في مسرحيتي يقول: "إنني أشجب إتفاق غُزُه.. ورَيَحه!"، فأجابه أحد معاونيه: "ولكننا أيدناه أمس يا فندم" فصرخ فيه الزعيم: فلنصدر بياناً يشجبه ويؤيده!
أما عن الاهلي والزمالك فقد قامت أجهزة الامن في المسرحية بتعذيب أحد المتهمين حتى صرخ معترفاً: "أنا مسؤول عن كل مشاكل العالم، حتى انتقال رضا عبد العال الى النادي الأهلي"!
من يحتل "زعامة" الادب والغناء في مصر الآن؟
- اختفت الزعامة من ساحة الغناء والأدب، وأصبحنا نعيش عصر التعددية!!! يضحك
ممَ يضحك المصريون الآن لدى "زعماء" أحزابهم؟
- هم لا يضحكون ولكنهم يموتون من الضحك!!
لقد رأينا السيد إبراهيم شكري رئيس حزب "العمل الإشتراكي"، يدلي ببيان في الصعيد، ثم يقابل الرئيس مبارك، فيخرج ليقول عكس ما ورد في بيانه تماماً. وأنا شخصياً، وقعت على الأرض من الضحك عندما رأيت على شاشة التلفزيون السيد أحمد الصباحي رئيس "حزب الأمة" وهو خارج من مقابلة الرئيس مبارك مرتدياً طربوشاً أحمر جميلاً، وقد طبع على ربطة عنقه صورة الرئيس مبارك!
إذا كُلفت بإجراء مفاوضات مع "صندوق النقد الدولي"، فهل تعتقد أنها ستكون كوميدية أم تراجيدية؟
- كوميدية طبعاً. ولكنني سأدوخ صندوق النقد، لأنني لا أفهم شيئا في النقد، اللهم الا اذا كنت سأحدثهم عن النقد الفني!!
من إحساسك الخاص بالمواطن المصري، ما الذي يمكن ان تطرحه عليهم؟
- طالما أنت مديون لن تكون عندك حرية الطرح!
مبارك "لا يتعنتر"!
ماذا تقرأ الآن؟
- أنا الآن أحفظ دوري، وأؤدي البروفات مع الراقصين والممثلين، وأتدرب على حفظ أغاني المسرحية. ولكن مع ذلك وجدت وقتاً لقراءة كتاب إبراهيم عيسى "حرب النقاب".
هل تتصور الزعامة إستعداداً شخصياً، أم صناعة تلفزيونية في عصر ال C.N.N؟
- الزعامة الآن فيها بالطبع لون من ألوان النجومية. ربما تستثني من ذلك زعيماً مثل الرئيس مبارك، فهو رجل واقعي جداً، يتحدث لغة الارقام، وأنا بوصفي علمانياً وعلمياً، أميل الى حديث الأرقام. دراستي في كلية الزراعة كانت أيضاً علمية. وفوق هذا فإن مبارك رئيس لا "يتعنتر"، ويتعامل مع الواقع بطريقة عصرية.
الزعامة و"الناس الكتير"
قلت لي كلمة موحية وسط حديثك عندما ذكرت أنك زعيم الناس الغلابة، فهل يكتسب الزعيم زعامته، بالضرورة، من الدفاع عن مصالح الفقراء؟
- طبعاً. فلا يمكن أن يكتسب الزعيم زعامته من وسامته، أو بسبب الطريقة التي يصفف بها شعره!
هل يجب أن يكون الزعيم وسيماً أو أنيقاً؟
- يجب أن يكون محبوباً.
وهل يجب لكي يكون محبوباً أن يكون وسيماً أو أنيقاً؟
- والله يا أخي تستطيع أن تقول أنه يجب ألا يكون "مبهدلاً".
أو إذا شئت الدقة يجب ألا يكون "شحاتاً"!!
هل يجب أن يرتبط الزعيم بثورة أو بانقلاب؟
- لا هذا ، ولا تلك!!
بم عليه أن يرتبط اذاً؟
- بالناس الكتير!
كيف يرتبط بهم، من دون أن تكون لديه قدرة على تحقيق ما يحلمون به، عبر ثورة أو انقلاب؟
- المجتمع هو الذي يفرز الزعماء في أيامنا، وهو الذي يرتبط بهم. ودرجة الارتباط تخضع لمدى احساس افراد المجتمع المذكور بتواصل الزعيم معهم. سواء كانت لدى الزعيم نظريات أو لا، يبقى المعيار هو قدرته على تلبية طلبات الناس وحاجاتهم الملحة، سياسية كانت أم اقتصادية!
ما رأيك في زملائك الزعماء من أمثال صدام حسين؟
- عندما ترون المسرحية ستعرفون رأيي. وعموماً فمن يهوى العنتريات عليه أن يخبرني ما الذي فعله صدام حسين بشعبه؟!
هل تستدعي نماذج مثل هؤلاء الزعماء الضحك أكثر من الكوميديا التي تؤديها؟
- إنهم مأساة تميت من الضحك، ولكنه الضحك الأسود!
ما هي المواصفات الجسمانية للزعيم؟
- ليس شرطاً أن يكون الزعيم "تخيناً" أو مهيباً. فشارلي شابلن كان زعيماً فنياً عظيماً بجسده النحيل، وعصاه وبهدلته، ولكن هناك فارق كبير بين زعامة شارلي شابلن، وزعامة صدام حسين. فالأول كان زعيماً للعالم كله، وأثرى العالم كله بفن رفيع عظيم، ومات ولكنه ما زال موجوداً. بينما صدام ما زال حياً ولكنه ميت!
عبدالناصر والديموقراطية
هل أحسست في مواقف معينة من حياتك أنك كنت زعيماً؟
- لا نريد أن نتكلم في مثل هذه المسائل، حتى لا أتهم بالبارانويا. أنا كنت شاباً بسيطاً جداً، أحبني زملاء "شِلَّتي" لفرط هذه البساطة. زعامتي هي في فني، وطوال حياتي كنت أجري وراء الضوء، وراء التمثيل. عمري لم أفكر في الزعامة، كما لم أفكر في عضوية الأحزاب السياسية ورفضتها مبكراً جداً.
بين زعماء مصر، من هي الشخصية التي تنطبق عليها، في نظرك، صفة الزعيم بالمعنى الكلاسيكي؟
- جمال عبد الناصر.
كنت أحسه بمقياس العصر الذي عشته. ربما لم أكن أفهم الديموقراطية كما أفهمها الآن، ولكن رأسي يمتلئ بالتساؤلات عندما أفكر في هذا الموضوع. هل كان من الممكن في ذاك الوقت أن تطبق الديموقراطية في ظل عبد الناصر؟ وهل الديموقراطية تمنح من الزعيم أم أن الشعب يكتسبها؟ وهل من الممكن حالياً أن ننتقل إلى ديموقراطية على النمط الأوروبي؟ وهل يمكن أن نقيم الديموقراطية في يوم وليلة؟ إن الذي صنع الديموقراطية في أوروبا، هو العلم الحديث والصناعة. لابد أن يكون هناك مناخ عام، ودرجة نمو ووعي وتطور، بما يفرض الديموقراطية، فهل عندنا المؤسسات والصناعات التي تؤهل الوطن أن يكون ديموقراطياً؟
أعتقد أن تحقيق هذا الحلم سيأخذ وقتاً. في انتظار ذلك لا بد أن يتحلّى الافراد بسلوك ديموقراطي، وألا ننتظر ذلك من الحكومة فقط.
كم من الوقت سننتظر؟
- لا أعرف، فأنا لا أنجم مثل أحمد الصباحي رئيس "حزب الأمة".
مرة أخرى: فكرة الديموقراطية، هل هي حقيقة أم أكذوبة؟
- المدينة الفاضلة حلم لا يمكن أن يتحقق. لكن هناك هامش، بلا شك، لتحقيق الحلم يتسع أو يضيق من مجتمع الى آخر.
كيف تتراءى لك حياة الناس في مصر الآن؟
- هناك أمل كبير. الذين يحاولون إفقادنا الأمل هم الإرهابيون. مصر تبدو كلاعب كرة يكافح من أجل أن "يجيب جون" أن يسجل هدفاً، ثم يكتشف أنّ لاعباً آخر من الفريق نفسه يعرقله ويمنعه من ذلك.
وهل تستطيع مصر أن "تجيب جون"؟
- ربنا يسهل، حتى لو اضطررنا أن نلجأ الى إيمانويل! هداف نادي الزمالك النيجيري. الشعب المصري معدنه عظيم جداً، ولا يجب أن يقرأ تاريخه هكذا بمنتهى السهولة. فكل صفحة منه تستحق الوقوف أمامها طويلاً، ولو قرأنا هذا التاريخ جيداً نعرف ان مصر ستنتصر في معركة الإرهاب.
ومع ذلك لابد لنا من الاعتراف بأن هناك تلوثاً في البيئة السياسية، وبأن وراء التطرف فكراً يعمل على اختراق المؤسسات والعقول؟
- مما لا شك فيه أن بعض مظاهر الإنحراف تساعد على هذا، وبالذات الاختلاسات التي نقرأ عنها في الصحف. هذا يستفز مشاعر الشباب على وجه الخصوص، ويساعد الافكار المتطرفة على التوغل والانتشار، على الانتشار والتوغل!
ألم تدخل أبداً في مناقشة مع أحد الشباب المتطرفين؟
- المناقشة مع مثل هذا الشاب مستحيلة!
لماذا؟
- لانك بصدد إنسان دماغه مغسول كما الفل، ومعظم المتطرفين جهلة جداً جداً جداً!!
عندما تحديت الارهاب قبل سنوات، فذهبت الى أسيوط لتقديم عرضك المسرحي، هل أتيح لك أن ترى بعض هؤلاء الشبان؟
- لم أجلس إليهم، ولكنني شعرت بوجودهم. وهم موجودون في أماكن كثيرة غير أسيوط.
ما هو انطباعك عنهم؟
- مخدرون كهؤلاء الذين يشمون الكوكايين!
النجم من "يبيع الرواية"
هل هناك ديموقراطية في الفن؟
- لا ديموقراطية في الفن يقول الدكتور علي الراعي. النجم هو من يبيع الرواية، وإسمه على "الأفيش" ملصق العمل هو الاسم الأول. لا توجد ديموقراطية ولا أقدمية في هذا الأمر.
ما أقصده بديموقراطية الفن، هو امكان تعدد وجهات النظر داخل العمل نفسه!
- العمل الفني لا بد أن تكون له وجهة نظر واحدة، مثل "الجورنال" الجريدة، وقد تتعدد الآراء ولكن داخل إطار واحد.
من الذي تسود وجهة نظره في مسرحية "الزعيم"؟
- الكاتب.
ومسرحية الزعيم كانت فكرة عندي، وأنا أؤدي مسرحية "شاهد ما شفش حاجة"، ثم رأيت تأجيلها الى ما بعد "الواد سيد الشغال". وكان أن عثرت على فكرتي في نص فاروق صبري "الزعيم".
هذه الفكرة جاءت اذاً تعبيراً عن احتياج داخلي لديك.
- كانت تعبيراً عن احتياجي الى السخرية من الديكتاتورية، وفلسفتها في المنطقة العربية. وحكايات الشجب والتأييد و"العنتريات التي ما قتلت ذبابة".
من أين تستقي مادتك في السخرية من الديكتاتورية؟
- من استماعي الى بعض الإذاعات العربية يضحك.
هل تمثل الديموقراطية - كمان مرة - أولوية بالنسبة ل "الناس الكتير"؟
- رغيف "العيش" هو صاحب الأولوية، وهو لن يتوافر الا من خلال ديموقراطية سليمة. والديموقراطية هي أن يعمل الجميع، ويتساوى الجميع في الفرص.
هل يشتغل الجميع في مصر؟
- أشك في ذلك!
لكن هل يريد الجميع أن يشتغلوا؟
- هم أحرار... الذي لا يشتغل يجوع.
هل تعتقد أن النظام الاقتصادي بملامحه الباقية من الفترة الشمولية، يتماشى مع فكرة "من يعمل يأكل ومن لا يعمل يجوع"؟
- لا أظن!
غياب التأهيل السياسي
إذن فماذا نطلب منهم؟
- معنى الشغل هو ألا ينتظر أحد أن تعمل الدولة من أجله، وأن يتحرك لتطوير نظامه الاقتصادي بحيث يصبح لصالحه ولصالح فكرة الشغل للجميع.
ما الذي يعيق المصريين عن الابداع الديموقراطي؟
- ربما الفول المدمس، وربما الزحمة، وربما النقص في التأهيل السياسي. نظام التعليم لا يعد الطالب لكي يكون ديموقراطياً. البيروقراطية، كذلك، تعلم الناس الإستبداد. فأنت تدخل إلى مصلحة الشهر العقاري، فتجد مدير الفرع ديكتاتوراً يتضاءل أمامه خجلاً كل من هتلر وموسوليني وبوكاسا!
هل صادفت يوماً واحداً من هؤلاء الموظفين الأباطرة؟
- موتي وسمي أن أدخل الى مصلحة حكومية. وإذا حدث فإنه يكون يوماً كئيباً وحالكاًمن حياتي. ولعل ذلك ما جعلني أؤدي بإحساس كبير دوري في فيلم "الارهاب والكباب" الذي تدور احداثه في مجمع التحرير للمصالح الحكومية، في وسط القاهرة.
بعض الناس يفسر الإرهاب بأنه نتيجة للبطالة والفقر والعشوائية والجوع؟ هل توافق؟
- يا عمرو... أنا كنت رجلاً فقيراً، وتربيت في أسرة متوسطة، ولم أعرف ما هو شكل مصروف اليد. أمن الضروري أن يجنح كل فقير الى التطرف؟ وهل الفقر موجود عندنا في مصر فقط؟
الشباب اليوم ينظر الى انتخابات أي اتحاد رياضي في مصر فيجد أطرافه يجرجرون بعضهم البعض الى ساحات المحاكم... فأين يجد القدوة؟ إنني لكي ارشح نفسي لعضوية لجنة رياضية في احدى المؤسسات، لا بد أن يكون ورائي على الأقل ثلاثون محامياً من الجهابذة.
أين يذهب الشاب؟ يذهب للصلاة فيجد من يحدثه عن الفضيلة، ثم بعد برهة وجيزة يبدأ الحديث عن النار وعن الثعبان الأقرع. أليس هناك في ديننا الجميل غير النار، والثعبان الأقرع؟! القدوة، إذاً، غائبة، أو مستغلة لتحقيق أهداف غير سامية. وعلى المستوى السياسي، أنظر الى أطنان الشتائم التي توجه اليوم الى عبد الناصر والسادات. حين تحطم للشباب كل مثله، فأي أمل يبقى له بعد ذلك؟
ليس المقصود من كلامي الدفاع عن الزعيمين الراحلين. فالمبالغة في اظهار الولاء، نوع من "الدروشة السياسية" تؤدي بنا الى أن يحكمنا زعماؤنا من قبورهم. ولكنني أتحدث عن فكرة القدوة، وعن تحطيم المثل العليا التي من المفترض أن تلعب دوراً حاسماً في بلورة وعي الاجيال الجديدة. كل ذلك يمهد الطريق للخطاب المتطرف الذي لا يعرف سوى النار، والثعبان الأقرع، وعذاب القبر. كل الأسئلة التي يطرحها المجتمع، نتيجة غياب القدوة، هي تشنجات تبحث عن فكرة المثالية.
وما هو علاج هذه الشنجات؟
- قرصين ديموقراطية، وكبسولة عدل، وحقن نزاهة في العضل، مرتين في اليوم!!
إذا كان للتغيير السياسي حساباته ومشاكله، وتتدخل فيه عناصر كثيرة يضعها القائد في اعتباره، فهل تواجه مثل هذه الصعوبات في تغيير وزارتك الفنية؟ أو مجموعتك الفنية التي تطلع بها على المسرح؟
- طبعاً هناك صعوبات. ليس عندي جوقة بالمعنى المفهوم، لأن الادوار المطروحة هي التي تحدد جوقتي. هناك مبدأ مسرحي مشهور يقول إن "القبر لا يعوق المسرحية". فلو أن ممثلاً مات، سنأتي بممثل آخر. أما تغيير الممثل نفسه أثناء العرض، فهو يتسبب لنا، بلا أدنى شك، في ارتباك مزعج ينعكس على سير العمل.
ألم تؤد حالة غياب الزعماء في الفنون، و"التعددية الفنية" التي نتجت منها بتعبيرك، الى شعور المتفرج أو المتلقي أنه لم يعد يُقبل على فن معتبر راق، كالذي كان في متناوله في عهد المعلمين الكبار والرموز الفنية الراحلة؟
- العصر الجديد ليس عصر زعامات، كما كنا نقول، ولكنه عصر نجوم سياسيين أو فنيين. ولو أصبح كل فرد في مصر نجماً في مهنته، فسنكون بأحسن حال. الخوارق في الفنون لابد أن تكون موجودة، والخوارق السياسية لابد أن تكون موجودة. ولكن الفارق في العصر الحديث أنها لا تنفصل عن سياق عام يمثل حالة المجتمع، ما يطرح مسألة عصريتها وعلميتها على بساط البحث.
"شغالة" يوسف إدريس
كيف تتعامل مع الأسلوب العلمي في شغلك؟
- إياك أن تتصور أن العاِلم رجل لا يحس ولا يشعر. إسحق نيوتن سقطت بجواره تفاحة، فلو أكلها لما توصل إلى اكتشاف قانون الجاذبية. وهكذا الفنان لا بد أن يفكر، وأن يكون ذلك بأسلوب علمي. إدارة المسرح علم، وتفسير وتحليل كل شخصية من شخصيات العمل الفني هو علم. هكذا ترى يوسف إدريس يصف "شغالة" في إحدى قصصه تحمل "صينية بطاطس"، ولأنه درس علم التشريح بحكم كونه طبيباً، فإن وصفه لهذه الشغالة جاء تحفة فنية لا نظير لها.
ثم هناك التكنولوجيا التي نستخدمها في المسرح، من إضاءة الى اجهزة صوت، وكلها لصالح المتفرج، ولا تنتقص من مساحة الإبداع الإنساني. وإلا فلماذا "أجعر بعلو صوتي" إذا كان هناك إمكاني للغناء في ميكروفون.
هل ما زال المصريون قادرين على الضحك؟
- الشعب المصري لا يفقد القدرة على الضحك. وشعب يفقد القدرة على الضحك هو شعب ميت. الضحك أمل. والمصري عندما لا يجد ما يسخر منه، فإنه يسخر من نفسه. لذا نرى التطرف يسعى الى ضرب قدرة الناس على الضحك.
وهل يضحك المصريون على التطرف؟
- التطرف فيه رعب وليس فيه ضحك. ربما سنضحك من المتطرفين بعد زمن، عندما ننجح في مسح صورتهم المرعبة من على وجه مصر. خطورة التطرف، أنه يقتل المواهب ويقتل الآمال ويقتل الفكر الحر. وأنا أثق أن المصريين سيتجاوزون المحنة، وسنضحك جميعا ملء الأشداق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.