علّق عدد من الدعاة والمفكرين الإسلاميين على مضامين البيان الذي أصدره علماء ومفكرون يمثلون التيار الديني في السعودية لإيضاح موقفهم من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعلى مضامين بيانات فردية أخرى لدعاة كالدكتور سلمان العودة، والدكتور عائض القرني، معتبرين أن فكرة إصدار هذه البيانات من حيث المبدأ هي فكرة سديدة. غير أن تفاصيل أخرى حوتها هذه البيانات لاقت ردود فعل متباينة، فمن قائل بأن هناك أدواراً ينتظرها الناس من العلماء أكبر من إصدار بيان وجمع التوقيعات عليه، إلى قائل بأن البيانات الفردية وإن كان صاحبها يتحمل تبعاتها إلا أنها تحتاج إلى المشورة والتأني وما يضبطها من اعتبارات المصالح، والمفاسد. ويعتقد المستشار الشرعي الشيخ محمد الدحيم بأن إصدار بيان بحد ذاته هو مؤشر إيجابي على تفاعل العلماء مع قضايا الأمة، لأنه أقل ما يمكن، لكنه يستدر"على العلماء أن يراعوا عند إبداء رأيهم ألا تتضمن بياناتهم إضافة مكاسب لعدو، كالتحريض على المواجهات، فالمسلمون لا يحتملون إراقة دماء أكثر في بقع أخرى كما يحدث في غزة". وأضاف:"من المهم أن تتضمن هذه البيانات بث الروح الإيجابية لما يحصل، وإن كان ما يتعرض له أهل غزة في ظاهره مأساة، فالأمر لا يخلو من دلالات إيجابية، فإسرائيل اجتاحت دير ياسين قبل 61 عاماً وما زالت تتحرك في المربع الأول مذاك الوقت، بينما القضية الفلسطينية تحظى بشرعية دولية، وتعاطف عالمي، وهي حية وحاضرة، كما أن ما حدث جعلنا نشعر بأن أمتنا حية وأن شعورها بقضاياها لا يموت، فالكل على رغم اختلافاتهم توحدوا لأجل غزة". ويرى الدحيم بأن بيانات تحمل مضامين التنديد والشجب، هي في حقيقتها لا تختلف عن الخطابات القومية، مطالباً بتحرك أكثر فعالية من العلماء والمفكرين بمخاطبات رسمية لهيئة الأممالمتحدة، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان، لكي تعكس موقفاً شعبياً أكثر من إبداء الرأي، أو النصح. فجوة بين المواقف وبدوره، أوضح أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى سابقاً الدكتور حمزة الفعر وأحد الموقعين على بيان العلماء والمفكرين السعوديين أن الموقعين انطلقوا في بيانهم من مبدأ النصرة، حتى وإن كانت كلمة فقط، فهم دعوا إلى تحمل القادة السياسيين مسؤولياتهم السياسية والوطنية للقضية الفلسطينية، وإلى فتح المعابر للمساعدات الإنسانية، والعلاج، والضغط بكل الوسائل لوقف الاعتداءات على قطاع غزة. وعن مدى رضا الموقعين عن رد الفعل الرسمية للمسؤولين العرب، يقول الفعر:"الموقف العربي في جملته ليس بالمستوى المطلوب، بوسع القادة العرب أن يتفاعلوا مع الحدث أكثر من الشجب والتنديد، بوسعهم أن يتخذوا موقفاً سياسياً ضاغطاً، أن يوقفوا تمثيلهم السياسي المتبادل مع إسرائيل، هذه الحكومات تمثل شعوبها، وما نراه هو فجوة بين مواقفها ومواقف الشارع العربي برمته". ورد الفعر على من يعتقد بأن العلماء اتخذوا مواقف سياسية من القضية، أو انحازوا لطرف ضد آخر قائلاً:"الناس تنتظر منا كلمة، ونحن نقدم النصح وفقاً لما يمليه علينا واجبنا الشرعي، لسنا في صدد ممارسة دور سياسي أو غيره، لكننا أمام واجب شرعي وديني لا بد أن نتصدى له". وفي الوقت الذي ينادي فيه بعضهم بتحرك أكثر فعالية من الهيئات الدينية، أو التجمعات العلمية في السعودية خصوصاً لمخاطبة المنظمات الدولية لا يرى الفعر أن ذلك مسؤولية يتحملها العلماء،"هذا من مسؤولية الحكومات والمنظمات الإسلامية، لكن الساحة مفتوحة، ومن لديه جهد في ذلك، أو علاقات دولية أوسع، فليتصدى لهذه المهمة". نصيحة وتنفيس ويبدي عضو مجلس الشورى الدكتور حاتم العوني الشريف تأييداً لفكرة إصدار بيانات ما لم تدعو إلى حماسة مفرطة، أو خروج على نظام،"ذلك أمر حسن، وهي بطريقة أخرى نصيحة للحكام وممارسة لحرية التعبير عن الرأي، ووسيلة للتنفيس، وتشعر إخواننا الفلسطينيين بأن هناك من يتحرك من أجلهم، ويعايش همهم". وفي ما يتعلق بالبيانات الفردية كان مثيراً للأوساط الفكرية والدينية في السعودية البيان الذي أصدره الدكتور عوض القرني، إذ حث فيه المسلمين باستهداف المصالح الإسرائيلية أينما كانت، مبرراً ذلك بأن إسرائيل تنتهج حرباً مفتوحة مع الفلسطينيين، وليدعو ببيانه إلى فتح جبهات أخرى للصراع مع إسرائيل. يشبه الشيخ محمد الدحيم هذه الدعوة ب"الخطاب التعبوي"غير المحسوب، قائلاً:"نحن لا نعرف من سيقوم بهذا الفعل، ولا نضمن أن يستخدم الرسالة بطريقة تستعدي العالم علينا، المسلمون في كل دولة محكومون بقوانين عليهم الالتزام بها"، داعياً إلى استنفاذ الطرق السلمية والإيجابية في المواجهة. ويفرق الدكتور حاتم العوني الشريف بين الفتاوى الفردية المبنية على استشارة أهل العلم، والخطابات التي تصدر عن رأي شخصي،"فُيسأل أي صاحب فتوى هل بنى خطابه على سؤال أهل العلم والشرع، فان كان كذلك فلا اعترض على خطاب وقعه بعد أن استشار أهل العلم فهو اجتهاد مشروع، أما أن يصدر رأي شخصي في قضية من كبيرات القضايا فهذا خطأ قد يجر إلى مفسدة كبرى". ويستفيض الدكتور حاتم في رأيه:"تلك مسألة خطرة وعميقة جداً، وفيها ينبغي تحري المصالح، واجتناب المفاسد، نحن في وضع عالمي معقد جداً، جعلنا تحت المجهر، فكل ما يصدر عن علمائنا يفسر بتفاسير سيئة، ويعود على البلاد بضغوط عكسية".