عقد مركز حمد الجاسر الثقافي ندوة علمية مساء الاثنين الماضي، في مركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز الاجتماعي بعنوان:"اليمامة في عهد حمد الجاسر"، وشارك فيها الكتاب والأدباء سعد البواردي وعمران العمران وعبدالله إدريس والدكتور عبدالعزيز بن سلمة وأدارها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي. وتطرق العمران، في أولى أوراق الندوة التي كانت بعنوان:"حمد الجاسر... واليمامة"، إلى أنه لن يأتي بجديد، كون مجلة"اليمامة"وخطوات إصدارها، وما اعترض صاحبها ومسيرتها"أمور تكاد تكون معلومة من خلال ما كتبه صاحبها نفسه، أو ما كتبه بعض مؤرخي الصحافة السعودية، وهي أيضاً أمور عايشتها، بحكم قربي من صاحبها أثناء تلك الفترة". وقال إن مجلة"اليمامة"كانت سباقة"إلى معالجة أحوال إخواننا أبناء البادية من توطين وتعليم وتحسين لأسباب العيش والحياة، وأصدرت في بداياتها عدداً خاصاً عن البادية، شاركت فيه أقلام وطنية وعربية، كما خصصت في بعض فتراتها - وهي صحيفة - إحدى صفحاتها لشئون البادية". لافتاً إلى أنها كانت السباقة أيضاً إلى الدعوة إلى تعليم البنات،"وكان هذا المطلب حلماً من الأحلام، فلقيت دعوتها الاستجابة الكريمة من ولاة الأمر... وناقشت الكثير من القضايا، ومنها الركود الاقتصادي الذي أصاب البلاد في فترة من الفترات، وشاطرها في هذا النقاش بعض وصيفاتها، وكذلك ناقشت موضوع النفط والعلاقة بين الحكومة وشركات امتياز التنقيب عنه واستخراجه وتصديره... بل خرج من كتابها من كان يناقش مسألة الانتخابات في ذلك الوقت المبكر، إلى جانب كتاب آخرين عارضوا الفكرة وتحفظوا عليها، كما أن من كتابها من كانت عواطفه قومية، تأثراً أو تماشياً مع هيجان المد العروبي الطافي على السطح في تلك الأيام، وآخرون كانوا رافضين لذلك، ويرون أن الفكرة الإسلامية هي الأولى بأن يكون لها المقام الأول، وفريق ثالث ينتهج نهجاً وسطاً ويتحدث عما سماه"العروبة المسلمة". وقال إن الأجهزة الحكومية، بخاصة أجهزة الخدمات العامة والمرافق، موضع مناشدة وسؤال عن أي تقصير يبدر، فكانت"صوت الجمهور"في ذلك عالياً، وكانت"رسائل المدن والأقاليم"تزخر بالنقد والمطالبات والاقتراحات". وتوقف عند المؤتمر الصحافي الذي عقده الأمير فيصل الملك في ما بعد رحمه الله،"وأعلن فيه إلغاء الرقابة على الصحف ووضع رؤساء التحرير أمام مسؤولياتهم، وهكذا استمرت"اليمامة"في نهجها بخطوات رصينة، يعرف هذا كل من عاصر تلك الفترة، وقد عانى الشيخ حمد من الجهد والعناء والمواجهة الكثير... وربما تعرضت الصحيفة للسخط والمساءلة والتوقيف". وأشار إلى أن"اليمامة"ظلت"شعلة وهاجة ومنارة شامخة على مدى نحو عشر سنوات، حتى نقل امتيازها إلى جهة أخرى، كما ظلت دار اليمامة في شارع المرقب طوال تلك الحقبة منتدى للأدباء والمثقفين، وملتقى لكثير من الوافدين من أدباء العرب ومثقفيهم، ممن يأتون إلى البلاد في مناسبات شتى". من جهته، تحدث البواردي في ورقته وكانت بعنوان:"اليمامة على ربى اليمامة"عن الذبول الفكري الذي كان يجري في أوراق الصحراء، أنه"كان لا بد للغرسة العطشى من ري ولأعضائها العارية من فَيّ، يومها كان لا مندوحة للكلمة الطيبة من صوت... وللمنبر من رائد ومريدين... في لقاء محبب إلى النفس. يومها كان لا بد لنبض الحس الوطني من دقات محسوبة، تأخذه من دون رعشة ولا خمول أو صمت... يومها كان الأفق الواسع والشاسع يتناغم على دقات التحرر الوطني والقومي، في عمليه استنهاض ويقظة وحركة يومها كان للواقع والمواقع رسالة صحوة، تطرح إرهاصاتها وتطرح خطابها وفق هامش من الرغبة والحرية المنضبطة، يومها كان الحس يعيش مرحلة التكون الاجتماعي والثقافي، مدوناً لأطروحاته وطموحاته دون تجاوز... يومها كانت المطبوعة مدرسة ينهل المتلقي من فصولها بداية بألفها ونهاية بيائها. يومها كانت للصحافة الوليدة ثقافة حياة وخطاب بناء، تجاوز حدود الإعلان الجامد والإعلام المترهل، والطرح المتسطح والمتشنج. هكذا وبهذه الروح المتجددة ولدت"اليمامة"جسورة بثبات جاسرها. تقف معه والى جانبه أقلام كثيرة، استوطنت الصدق فيما تطرح واستبطنت رياح النقلة مستشرفة غداً أفضل يتحرك من دون أبطاء، ويتحرر من دون قيود شعار عنوانه وطن وعقيدة". وتوقف الدكتور بن سلمة"حمد الجاسر ومجلة اليمامة تجربة عابرة أم مشروع تنوير؟"عند دور"اليمامة"بصفتها كانت"بذرة لظاهرة الصحافة في منطقة الرياض، بل وفي المملكة بكاملها باستثناء منطقة الحجاز، ولكن استمرار صدورها بانتظام طوال عامين كاملين وبانتظام، كذلك خلال سني صدورها الأسبوعي بذلك المضمون القوي والجاد، وبتلك السياسة التحريرية الواضحة". وقرأ الدكتور الشبيلي ورقة للأستاذ محمد رضا نصر الله، جاء فيها:"سرني أن يقيم مركز حمد الجاسر الثقافي هذا الحوار حول مجلة اليمامة، في بداية انطلاقها قبل نصف قرن ونيف، حين كانت بلادنا ووسط الجزيرة العربية بخاصة لم تستفق بعد من متغيرات الحضارة المعاصرة، فجاء الشيخ حمد الجاسر الرائد الذي لا يكذب أهله بهذه المبادرة الخلاقة، ليفجر الطاقات الوطنية تفجيراً يعبر عن وعي ثقافي واجتماعي جديدين". وشهدت الندوة حضور كبير، وكان لافتاً حضور حرم الراحل حمد الجاسر للمرة الأولى، إذ شكرت القائمين على المركز والمشاركين في الندوة. ومما كشفت عنه الندوة أن مركز حمد الجاسر يعمل على دراسة إنشاء جائزة حمد الجاسر للصحافة.