ظل الكتاب الإسلامي، قديماً أو حديثاً صاحب الرقم الأول في مبيعات الدور العربية، حتى إن بعضها كفّ عن إدراجه ضمن قائمة الأكثر مبيعاً، على اعتبار أن تقدمه على غيره من المؤلفات "تحصيل حاصل". لكن موجة الروايات الغرامية التي اجتاحت الساحة السعودية والخليجية أخيراً، والكتب الخفيفة التي ينعتها الناشر محمد العبيكان بكتب"الوجبات السريعة"، هل تفلح في سحب البساط من تحت الكتاب الديني الذي هيمن على المشهد عقوداً؟ هذا السؤال وإن أجابت عنه المعارض السابقة في كل من القاهرة وبيروت والمغرب، إلا أن معرض الرياض الذي سينطلق الثلثاء المقبل، ربما يتدخل في إعلان حسم معركة الصدارة بين الجديد المثير والقديم النافع. ويقرّ الباحث الإسلامي عبدالله المالكي بأن الكتاب التراثي مهدد، لكن ليس بالروايات المثيرة أو المؤلفات الخفيفة، وإنما بالمؤلفات القارئة للتراث بنمط فكري حديث، مثل كتب محمد عابد الجابري ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهم. وقال:"هذه الشريحة من المؤلفين وأبحاثهم أبرز تحدّ يواجهه التراثيون، وذلك أن أفكارهم أحدثت ضجة كبرى، جعلت المفكرين وتلامذتهم يقبلون على إنتاجهم، محاولة لفهمه أو نقده أو مواجهته". كتب مفكري الحداثة! المالكي الذي اعتبر هذه النوعية من المؤلفات"ليست شراً كلها"، أشار إلى أن تفوقها على كتب"التراث" أصبح واقعاً حدث، لا مستقبلاً يُتنبأ به. وإن لاحظ أن حجم أهمية هذا الصنف من المؤلفات الحديثة يأتي من الشريحة النموذجية المتابعة لها،"فالروايات الهابطة أو المثيرة ومثلها الكتب الإسلامية الخفيفة، قراؤها أناس عاديون، تأثيرهم لا يتجاوز من تحت أيديهم، بينما قراء كتب نقد التراث شريحة مؤثرة علمياً وفكرياً وربما سياسياً، في الحاضر والمستقبل". وفي نظر المالكي، عدد من الشبان السعوديين الذين يتلقفون هذه النوعية من المؤلفات يمتازون بقدراتهم الفكرية، التي جعلتهم يحترفون الغوص في التراث الذي يحتاج بعض منه إلى تهذيب. غير أن هذه الفئة من الشباب المولعين بپ"الفكر"، يخشى عليهم المالكي الإقبال على أفكار"نقاد التراث" بأفئدة مفتونة ومستلبة، قبل التأسيس علمياً ومنهجياً. وعلى هذا الاعتبار يظن طغيان الإقبال على تلك المؤلفات سلبياً. إلا أن الباحث المتخصص في الفلسفة الغربية، نبّه إلى أن شرائح جديدة من قراء التراث السعوديين الشبان، باتوا أكثر جرأة على الذخائر من ذي قبل، إذا ما قورنوا بنظراء لهم، يكتفون بفتوى عالم مثل ابن باز أو العثيمين، ويعتبرون مجرد نقاش رأي فقهي من الموبقات. تراث ضد الكساد وفي اعتقاد الناشر السعودي إبراهيم الحازمي، يغشى الكتاب التراثي، ظلة من كتب المنوعات، وأسراب من مؤلفات"النهب" التي يصورها جامعوها من"التراث"، ما عاد بالكتاب التراثي إلى الوراء قليلاً، إضافة إلى النسخ الإلكتروني عبر الأقراص والإنترنت، والفضائيات التي أغنت شرائح عن الكتاب، بعد كل ذلك يصعب ادعاء أن كتب التراث لا تزال في ريادتها الأولى. وأوفر كتب التراث حظاً في قوائم دور النشر في ظن الحازمي، هي المخطوطات النفيسة المحققة، وكتب"الأذكياء" في وضع العناوين الجذابة. وينطلق عضو الجمعية الفقهية حمود بن محسن الدعجاني من زاوية المراقب الشرعي، الذي جزم بأن كتب التراث الإسلامي التي حوت علوم السلف في شتى الفنون واهتم بها المسلمون قديماً وحديثاً وقرروها في جامعاتهم ويرجع إليها الباحثون ولا يستغني عنها المؤلفون، غير قابلة للكساد. وأضاف:"كتب التراث تلك، تجاوز الاهتمام بها محلياً إلى العالمية فترجم بعضها إلى اللغات الأخرى، فهذا مختصر خليل في الفقه المالكي مثلاً ترجم إلى الفرنسية، وألفت عليه الشروح الكثيرة، وبالتالي فإن هذه الكتب القيمة لا تزال بحمد الله تجد القبول من الناس، وستبقى في الصدارة بين العلماء وطلبة العلم". ويعزو تراجع الاهتمام بالكتب التراثية من جانب عامة الناس إلى"بُعد الناس عن العلم الشرعي، فأصبحت تغريهم القصص والروايات والمجلات، إضافة إلى صعوبة لغة تلك الكتب، وضخامة بعضها، وحرص الناس على كتب تعالج قضايا واقعهم المعاصر، إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تقلل من أهمية كتب التراث، على رغم حاجة الناس إلى من يجعل لهم العلوم الشرعية بلغة سهلة وواضحة". وحول ما إذا كان الناشر محمد العبيكان يتوقّع لصمود الكتاب الجاد أمام الرواية المثيرة أن يستمر، أضاف:"إذا لم يتجاوب الكتّاب الجادون مع تحديات المرحلة، في تقديم أفكار جديدة مختصرة، مخدومة بأساليب مبتكرة، فإن الصمود لن يدوم طويلاً، ونحن نعاني كثيراً من المؤلفين الكسالى، ولذلك نفكر في إصدار قائمة بالمؤلفين الفاشلين سنوياً، لأن الفشل مثل النجاح لا يأتي من فراغ". وهل تضررت"العبيكان" بسبب تمسّكها برفض بيع روايات"تخدش الحياء" أردف قائلاً:پ"نحن متمسّكون بمبادئنا ورسالتنا في النشر". ويدافع المتحمسون للكتاب الديني عن صدارته، بحجم مبيعات كتاب"لا تحزن" للدكتور عائض القرني، الذي وقّع قبل أسابيع نسخته المليونين منه، ليشكل بذلك أعلى رقم عربي، وإن كان هذا الرقم دون أرقام عدة لكتب غربية، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون. أما أغرب مفارقة سجلها كتاب القرني، فهو إعلان رجل الأعمال ثامر المحيميد الذي اشترى امتيازه قبل بضعة عشر عاماً، تحويل الكتاب"لا تحزن" إلى اسم تجاري، استخرج به سجلاً تجارياً من وزارة الإعلام. وأعلن أن شركته الجديدة ستخرج أعمالاً دينية وإعلامية عدة، تستلها من روح"لا تحزن"، الذي غار منه مؤلفه القرني، وقال إنه أصبح أشهر مني! ومع أن الكتاب الإسلامي أو الديني ربما يكون شاملاً للقرآن الكريم وتفسيره وموسوعات الحديث الشريف، إلا أن هذين النبعين يبقيان دوماً خارج المعادلات، ومتربعين على هرم أرقام الشرق والغرب في المبيعات والتأثير.