المنتخب السعودي الأول لكرة السلة يودّع بطولة كأس آسيا    موجز    تعزيز الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد للمملكة.. "سالك".. 13 استثماراً إستراتيجياً في قارات العالم    مجلس استشاري لمنتدى الرياض.. السعودية ترسم مستقبل السياحة العالمية    السعودية ترحب بالإجماع الدولي على حل الدولتين.. أستراليا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين    وزير لبناني حليف لحزب الله: أولويتنا حصر السلاح بيد الدولة    عشرات القتلى بينهم صحافيون.. مجازر إسرائيلية جديدة في غزة    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    بحث مع ملك الأردن تطورات الأوضاع في فلسطين.. ولي العهد يجدد إدانة المملكة لممارسات الاحتلال الوحشية    بعد خسارة الدرع الخيرية.. سلوت يعترف بحاجة ليفربول للتحسن    برشلونة يسحق كومو ويحرز كأس غامبر    ضبط 17 مخالفًا بحوزتهم 416 كلجم من القات    السنة التأهيلية.. فرصة قبول متاحة    افتتاح معرض الرياض للكتاب أكتوبر المقبل    «ترحال» يجمع المواهب السعودية والعالمية    «الزرفة» السعودي يتصدر شباك التذاكر    مباهاة    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    حقنة خلايا مناعية تعالج «الأمراض المستعصية»    جني الثمار    الحكومة اليمنية تمنع التعاملات والعقود التجارية والمالية بالعملة الأجنبية    نائب أمير الرياض يستقبل سفير إندونيسيا    «محمية عبدالعزيز بن محمد».. استعادة المراعي وتعزيز التنوع    "فهد بن جلوي"يترأس وفد المملكة في عمومية البارالمبي الآسيوي    القيادة تهنئ رئيس تشاد بذكرى بلاده    بطولة الماسترز للسنوكر.. أرقام استثنائية وإشادات عالمية بالتنظيم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    7.2 مليارات ريال قيمة اكتتابات السعودية خلال 90 يوما    "هلال جازان الأحمر" الأول بمؤشرات المستفيد    ثقب أسود هائل يدهش العلماء    مخلوق نادر يظهر مجددا    تحديات وإصلاحات GPT-5    سيناريوهات مروعة في غزة    تمويل جديد لدعم موسم صرام التمور    تخصيص خطبة الجمعة عن بر الوالدين    232 مليار ريال قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ    أخطاء تحول الشاي إلى سم    لجنة التحكيم بمسابقة الملك عبدالعزيز تستمع لتلاوات 18 متسابقًا    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025| الهولندي ManuBachoore يحرز لقب EA SportFC 25    340 طالبا وطالبة مستفيدون من برنامج الحقيبة المدرسية بالمزاحمية    إنقاذ مقيمة عشرينية باستئصال ورم نادر من فكها بالخرج    فريق طبي سعودي يجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية    ملتقى أقرأ الإثرائي يستعرض أدوات الذكاء الاصطناعي وفن المناظرة    أخصائي نفسي: نكد الزوجة يدفع الزوج لزيادة ساعات العمل 15%    بدء استقبال الترشيحات لجائزة مكة للتميز في دورتها السابعة عشرة    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة قاع الثور    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    طلبة «موهبة» يشاركون في أولمبياد المواصفات الدولي    البدير يشارك في حفل مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغربي محمد خير الدين يرثي الزمن الجميل
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2006

بعد عشر سنوات على رحيل الكاتب المغربي محمد خير الدين 1941-1995، عثر على مخطوطين له غير معروفين، وخيرالدين هو أحد كبار الكتاب المغاربيين باللغة الفرنسية، وقال عنه محمد ديب"إنه الأكبر بيننا"، واحتضنه جان بول سارتر لسنوات، فنشر نصوصه في مجلة"الأزمنة الحديثة"وسماه"خير الدين الطائر". أما المخطوطان فهما رواية"Tobias"وديوان شعر"Quasars"أصدرتهما حديثاً في الرباط دار"راسين"للنشر.
"توبياس"عنوان الرواية، يحيل على اسم شخصيتها الرئيسة، وهو شرطي فرنسي في الخمسين مكلّف بالأرشيف، يحْلم بأنْ يصير كاتباً ويتحوّل في النهاية رسّاماً. يحلم ويرسم كل يوم ويقبل على الحياة بشهية كبيرة، مثلما يقبل على الحبّ. على امتداد 121 صفحة، نستعيد الصوت المتفرّد لمحمد خير الدين، أسلوبه الأنيق، معجمه الثريّ، تعابيره المتدفقة، صوره التي تتلاحق مثل بروق تشدّ الأنفاس، حنقه على الرداءة وتلوّث أحياء باريس وأنهارها، انحيازه الى الفن وللكتابة، من خلال شخصيته المركزية. توبياس مولع بالصيد، مثلما كان الكاتب.
هناك أسماك كثيرة في الرواية، يعرف محمد خير الدين أسماءها جيّداً. مثلما يعرف أسماء النباتات المعقّدة والطيور النادرة والحيوانات والكواكب والمعادن والمجرّات... هناك الأنهار أيضاً لاسين، لواز، لامارن... وصيّادون يقضون ساعات طويلة أمام صنّاراتهم، يتحسرون على الزمن الذي كانت فيه المياه صافية ومملوئة بالأسماك. يحظى توبياس باحترام خاصّ من مديره، بسبب شخصيته الدمثة وطبيعة عمله:"كل خميس، يحمل مدير الشرطة توبياس معه إلى المطعم، أمام اندهاش بقية المرؤوسين الذين يحتقرون زميلهم المكلّف بالأرشيف". يدعوه إلى منزله ويعرّفه على زوجته وابنيه ويخرجان معاً إلى الصيد... الصيد دائماً.
سمك القاروس وقناني الروزي... ولكن ليس في حياة توبياس أسماك فقط، بل نساء أيضاً. أربع علاقات حبّ مركّبة. ثمة جولييت التي تظهر وتختفي بسرعة، مثل شيء ثمين. نكتشف وجودها في الصفحة 63 وترحل في الصفحة 69. وفاة جولييت تصبح خيطاً درامياً يرتّب مسار السرد. تتحول أيقونة لا تفارق خيال توبياس. يتهدّم مشروع حياة ويولد مشروع فنّان. الأحداث في الرواية تمرّ على عجل بلا تنسيق كبير، كما في حلم. بمجرد ما يدخل توبياس رفقة صديقه جيروم إلى فندق جولييت، ترتمي عليه هذه الأخيرة ونكتشف حبّاً جارفاً لم يهيئنا إليه الكاتب له:"ما إن رأت توبياس يدخل، حتى هرعت مالكة الفندق نحوه مشعّة، وقبّلته بحنان. أجل، لقد كانت متيّمة حقاً بهذا الشخص العجوز".
يتواعدان على الزواج وإكمال حياتهما معاً في السفر والكتابة... لكنها تموت بعد أيام. وتبقى غلوريا، الإسبانية التي تسهر على شؤون بيته في الضاحية الباريسية."بنت لاجئ معارض لفرانكو، سبق أن ساعده توبياس في الحصول على أوراق الإقامة الشرعية". غلوريا عانس تجاوزت الأربعين، تعدّ له أطباق السمك اللذيذة وتكنّ له حبّاً يائساً، تغلّفه في احترام بالغ وعناية خاصة. يعتبرها توبياس الفرد الوحيد من عائلته، لذلك ترك لها وصية بكلّ ما يملك:"يعرف أن غلوريا سقطت في حبّه منذ البداية. هو أيضاً يحبها، لكنه آلى على نفسه ألاّ يتزوج أبداً"."يكتفي بتأمل صامت لا مكان فيه للرغبة الجسدية، المرور إلى الفعل يبدو له مثل تدنيس". ترافقه غلوريا طوال الرواية، عكس الأخريات. عكس صوفي"الموديل"الشابة التي يستلهم منها لوحاته، وتربطه بها علاقة اشتهاء غامضة. وعكس إيزابيل، صاحبة معرض اللوحات، التي تنتهي الرواية على إيقاع علاقة حبّ بينهما. عندما يتناهى إلى توبياس أنّ رساماً شاباً سيتزوج صوفي يقول له بأسف:"أنت كرسّام قد انتهيت". توبياس، مثل محمد خير الدين، يعتبر الزواج خيانة للفن. العازب الأبديّ يصبح رساماً مشهوراً، تكتب عنه الجرائد ويمرّ في التلفزيون ويحترمه الجميع في سلك الشرطة وخارجها. لقد عثر على منجم إبداع في حزنه وعزلته.
منذ رحيل جولييت تفجرت داخله براكين الفنّ، واستسلم للريشة والألوان. بات يرسم مثل مجنون، في ورشته داخل البيت. مستنداً إلى أحلامه ورؤاه. ثمة نزعة سوريالية في سلوك توبياس. يرى اللوحات أمام عينيه قبل أن يرسمها.
ومثل الشاعر أندريه بروتون وأصدقائه، يعتبر أن"كل شيء موجود في الحلم"، ويقرّر أن"يربي أحلامه بعناية وأن يتعهدها مثلما يتعهد بستاني طيّب نباتاته النادرة". من دون أن يخفي فرحته الغامرة لأنه"اكتشف شكلاً لغوياً جديداً".
متى كتب محمد خير الدين هذه الرواية؟ لا يحيل الكتاب في شكل مباشر على تاريخ معيّن، ولا المقدمة التي وضعها الناقد عبدالرحمن طنكول. ولكن ثمة إشارات هنا وهناك تؤكّد أنها كتبت في بداية التسعينات، سنوات قليلة قبل رحيل مؤلف"أكادير".
تقول جولييت لتوبياس في الصفحة 66:"نستطيع أن نتبنى طفلاً من رومانيا. أعرف أزواجاً فعلوها بعد سقوط النظام الشيوعي".
كما تطالعنا إحالات على اندلاع الحرب بين الإسلاميين والعسكر في الجزائر، وتأمّل في تصاعد العنصرية والعنف بالضواحي الفرنسية، من خلال حوار هادئ بين توبياس ومديره:"لا ينبغي أن نخلط بين الجزائر وبين الضواحي يا سيّدي ولا بين أوروبا والعالم الثالث. هؤلاء الأولاد ولدوا على أرضنا ولديهم الحق في أن يعيشوا كما ينبغي، وإذا كانت تنقصهم التربية فذلك خطأنا".
"توبياس"هي أيضاً رواية عن باريس. عودة إلى الأمكنة التي غادرها الكاتب في نهاية السبعينات في 1979 عاد ليستقر نهائياً في المغرب، ووقوف على جرائم الإنسان في حقّ الطبيعة: ليهال الذي عرفه توبياس حيّاً جميلاً وسط باريس، صار مرتعاً للقطاء والمشردين والمدمنين على الخمر والحشيش. السين الذي كان نهراً رقراقاً صافياً ومملوءاً بالسمك، أصبح معكّراً وقميئاً، المواد الكيماوية لوثت ودمّرت كل شيء... أثناء جولة لتوبياس، يقول له صيّاد عجوز يجلس أمام صنارته على ضفّة"لامارن":"سيأتي يوم لن نجد فيه حتى ما نشربه... من يقول اليوم بأن أرتور رامبو، قبل قرن، كان ينحني ويشرب من نهر الواز؟"تبدو الرواية مثل استعادة لزمن فرنسي جميل، من خلال مسار شخصية تحمل غير قليل من ملامح محمد خير الدين.
عشقه للفن وللحياة وحنقه على الرداءة وتدمير الطبيعة وتشويه العمران. وعلى رغم أن"توبياس"، من حيْث فضاءاتها وشخصياتها وأحداثها، رواية فرنسية مئة في المئة، فإن الكاتب لم يستطع مقاومة الإحالة على المغرب. ففي بيت توبياس في الضاحية الباريسية كلب سلوقي... من المغرب.
وفي الصفحة 120، يكشف لنا أن والده عاش سنوات مع الفنان ماتيس... في المغرب.
ويستحضر موت الرسام المغربي محمد الغرباوي على مقعد عمومي من البرد والجوع، من دون أن يذكر إسمه. ثم تنتهي الرواية على وقع أقدام عاشقين في بدايات الحب يتجهان نحو عشاء في مطعم... مغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.