صندوق الاستثمارات يوقع مذكرة تفاهم مع ماكواري لتعزيز الاستثمار في قطاعات رئيسية بالسعودية    وزراء خارجية اللجنة العربية الإسلامية بشأن غزة يعربون عن رفضهم لتصريحات إسرائيل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني    إسبانيا تُعلن تسعة إجراءات تهدف لوقف "الإبادة في غزة"    توقعات الأرصاد لخريف 2025م: أمطار غزيرة ودرجات حرارة أعلى من المعدل    أمانة الشرقية تفعل اليوم الدولي للعمل الخيري بمشاركة عدد من الجمعيات    مستشفى القطيف المركزي يطلق فعاليات اليوم العالمي للعلاج الطبيعي    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    جمعية حرف التعليمية تنفذ فعالية الرصد الفلكي للخسوف الكلي للقمر بجازان    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    المرور يحذر من سحب أو حمل أشياء عبر الدراجات    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    الأميرة أضواء بنت فهد تتسلم جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز «امتنان» للعمل الاجتماعي    حين يتحدث النص    بنجلادش تكافح موجة متصاعدة من حمى الضنك وحمى شيكونجونيا    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا    ارتفاع أسعار النفط    مشروعات وجسر بري إغاثي سعودي لسورية    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء تايلند    «مؤتمر الاستثمار الثقافي».. الوصول للاستدامة    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    الأخضر السعودي يختتم استعداده لمواجهة التشيك    في مهرجان ولي العهد.. تألق سعودي في سباق الهجانة للرجال والسيدات    بعد أول خسارة في التصفيات.. ناغلسمان يعد بتغييرات على تشكيلة ألمانيا    قبل خوض جولة جديدة من التصفيات.. ماذا تحتاج مصر وتونس والجزائر للتأهل إلى كأس العالم؟    التعاونيون لن ينسوا خماسية النصر    مدافعون لا يقودون أنفسهم    استعداداً لكأس العالم .. الأخضر تحت 20 عاماً يكمل جاهزيته لمواجهة تشيلي    إطلاق جائزة "مدن" للتميز.. تعزيز الابتكار والاستدامة في الصناعات السعودية    التجارة: «تطبيق بلاغ» يحمي المستهلكين    "موانئ" تحقق ارتفاعًا بنسبة 9.52% في مُناولة الحاويات خلال أغسطس 2025    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    مهربو القات المخدر في قبضة الأمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    «تواصل» تنهي إجراءات الجوازات إلكترونياً    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    النسور.. حماة البيئة    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    السمكة العملاقة    أمريكي يصطاد ابنته بدلاً من «الطائر»    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    شرطة لندن تضبط «نصابة» المواصلات    إجراءات عراقية حاسمة ضد مهددي الأمن    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    «الصحة» تستكمل فحص الطلاب المستجدين    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    وفدٌ من كلية القيادة والأركان للخدمات الدفاعية البنغلادشية يزور "التحالف الإسلامي"    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 28 ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد    خسوف طويل يلون القمر باللون الأحمر ويشاهده أكثر من 7 مليارات نسمة    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    حين تتحول المواساة إلى مأساة    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لعنة بابل" كتاب التناص . بلال عبد الهادي باحث في ""ملاعب" اللغة
نشر في الحياة يوم 02 - 01 - 2014

قبل الشروع في أي كلام لا بد من الاعتراف أولاً بأنّ كتاب أستاذ الألسنية في الجامعة اللبنانية بلال عبد الهادي"لعنة بابل"دار الإنشاء، هو واحد من كتب نادرة، يحجم بعض النقاد عن الكتابة عنها، والخوض فيها، رغم الفتنة العارمة، والغواية الطافحة التي يبذرها في أرجاء النصوص. فالنصوص، وإن تناظرت سيميائياً، تظلّ مشدودة الأزر، متّسقة الوشيجة والدلالات الذّاهبة إلى همّها وشغفها، وشغلها عن أن تكون المعرفة والجمالية وشيء من الحقيقة دأبها اللامنقطع.
يلعب بلال بالعناوين لعبة ساحر يشدّك، يدهشك بالغريب النافل، والبسيط في آن. ومنذ العناوين تقع أسير المكر والرؤية المخامِرة، المخادعة الزائفة والتّلقي الذي يقع منك موقع المتداول اليومي، الذي لا غنى لك عنه في معيشتك:"حرف ساقط، قاموس، مياه وأجنحة، تفاحة لغوية، مآكل لغوية، كرواسان، في ملعب اللغة"...
عناوين تستوقفك لبرهة سرعان ما تستجرّ خلفها دقائق، بل ساعات تمضيها مستمتعاً في احتضان صاحب صُنعة، يعرف كيف ومتى وإلى أين يأخذك، ثم يعيدك إلى حيث يريد.
في"ملعب اللغة"يعرض الكاتب"مقامات الحريري"الذي وفق عبد الهادي"يلعب باللغة لعباً يتطلّب صبراً لولوج مكامن وغايات كتابته، التّي صاغها وكأن كل نص منها نصّان، إذ يكتب الجملة في صيغة لغز، وحين تقرأ الجملة نفسها، من آخرها تقبض على جواب آخر". أما في"كرواسان"، فيحاول الكاتب إظهار أهمية الشكل والدلالة السيميائية على المعنى، إذ إن"اسم هذه الفطيرة هو وليد شكلها". وتعني بالفرنسية"الهلال"ويكتسي مضموناً غنياً، لا يمكن لمسه أو المسّ به.
فالإنسان كائن لا يمكنه الاستغناء عن الرمز، لأن"في ذلك هدراً معلناً لأحد شروط إنسانيته". ويضرب مثلاً على أن"ماذا يصير بتراثنا العشقي والشعري إذا قررت ليلى مغادرة بيوتها الشعرية والأغنيات، وماذا يصير بالمجنون"؟.
"لعنة بابل"وما نسجه صاحبها من مرويّات وقصص ونوادر لا يخلو صنف منها من درس أراد أن يحملنا على متونه وعلى ضفاف حواشيه إلى الامتلاء بالإحساس به، كأنه شعور ما، بل وحقيقة نلمسها في اليومي من حياتنا.
تداعيات انسانية
يسعى الكاتب عبر محاولات كثيرة إلى تحييد غالبية نصوصه عن الأدبي الفني، الذي يعكس نماذج من حيوات حميمة سابقة، وراهنة في آن، لا يمكنها أن تبلغ رسائلها إلا من خلال الشعري، أو الروائي، او القصصي او ماشابه. ففي حكاية"ألسنة وأوطان"التي يعرض فيها موضوع الغربة وما تمنى وما كابد من جرائها مجموعة من الكتّاب والشعراء العرب والعالميين، يضع نفسه ويضعنا أمام الشعرية الخالصة، يقطر أمنيات وذكريات وتداعيات إنسانية.
أقل هذه التداعيات طموح البشر، لا سيما الكتّاب والشعراء والفنانين إلى ان يدفنوا في تراب بلادهم. إذ يبدو أندريه جيد وفي سياق سؤال وجهه إليه أحد السائلين قائلاً:"أين تحب أن تعيش؟"فأجابه"أحب ان اعيش حيث أحب أن أموت". ويرمي عبد الهادي من خلال سوقه هذه الواقعة وبشكل واضح ميلهُ إلى حمل قارئه على الولوج إلى الشعرية العالية، التي ومن دونها لا يمكن سؤالاً عصياً على الإجابة ان يتحقق، ويقنع السائل ولا القارئ ولا الكاتب نفسه.
رويّ او حكي كهذا لم يكن ليتمكن كاتبه من أن يوصله إلى القرّاء لولا أنه عمد إلى القعود كما في اي راوية، او أي قاص، او أي حكواتي، وراح يخبرنا عمّا سلف من نوادر وحكايات ذات دلالات وأبعاد تشتمل على الأنواع الأدبية كافة : القصة، الشعر، الرواية، والطرفة.
المساحات الجمالية في"لعنة بابل"كثيرة ومتنوعة، وقد ظل الكاتب في إثرها، وبقينا نتبعه حتى آخر اللعبة. إلا أن حركة التناص الذي يواشج ما بين النصوص كانت منذ المفتتح الذي بدأه بآية من سورة"الروم"ثم بالإصحاح"11"من سفر"التكوين"في الكتاب المقدس، بحيث افتتح الكلام الكثيف الذي اكتظّت به حكاياته. إذ لا يمكن كلاماً مهما بداً كبيراً وعظيماً وفاتناً وآسراً في أن يكون كلاماً نهائياً باتاً، قاطعاً القول والكلام على ما دونه.
وقال الأقدمون وفق"سفر التكوين":"هلمّ نهبط ونبلبل هناك لغتهم، حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض". وذهب علماء الكلام الألسنيون، النّحاؤون، مفككو البنى والتراكيب والصياغات في الأعمال الإبداعية إلى ان التناص يمثل حواراً متبادلاً، ورباطاً متفاعلاً بين نصين، وفي النص الواحد تلتقي نصوص عدة، تتصارع، فيُبطِل احدها مفعول الآخر. كذلك تلتحم، تتلاصق، تتعانق. ثم يتمكن النص القادر من تفكيكها كلها، وتدميرها في الوقت ذاته. فالنص مجموعة استشهادات، وليس من حكمة النص نفسه أن توضع في خانات تحدد هوية ومصدر كل منها. بل إن اهميتها في ان تظل هجينة، لا مصدر ولا اشتقاق ولا من يدّعي كتابتها أو الانتماء إليها، ولا هي في الأصل طامحة إلى الانتماء إليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.