ضمن مبادرة"مباراة النجوم".. القادسية يستضيف 30 شخصاً من ذوي الإعاقة    طلب إفلاس كل 6 ساعات عبر ناجز    استقرار معدلات التضخم عند 2% بدول الخليج    3 أيام لمعالجة عوائق التصدير    زيارة ترمب للمملكة.. تعميق للشراكة الاستراتيجية وتعزيز للتعاون الاقتصادي    تعاونية جامعة الملك سعود تعقد إجتماع عموميتها الأثنين القادم    النصر يمزّق شباك الأخدود بتسعة أهداف في دوري روشن للمحترفين    مجلس الوزراء يتطلع أن تسهم زيارة الرئيس الأميركي في تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين    "الشريك الأدبي" في جازان: حوار مفتوح بين الكلمة والمكان    النفط يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين    سمو ولي العهد يستقبل لاعب المنتخب السعودي لألعاب القوى البارالمبية عبدالرحمن القرشي بمناسبة تحقيقه ذهبية دورة الألعاب البارالمبية في باريس    الشؤون الدينية تطلق خطتها التشغيلية لموسم الحج    الهلال يستمر في مطاردة الاتحاد بالفوز على العروبة    حماية مسارات الهجرة بمحمية الملك    الرصاص يتحول إلى ذهب    العلاقة بين أدوية إنقاص الوزن والصحة النفسية    وزير الاتصالات يجتمع مع كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي    أنشيلوتي يرحل عن ريال مدريد ويتولى تدريب منتخب البرازيل    3 نجوم على رادار الهلال في كأس العالم للأندية    التحالف الإسلامي يدشن مبادرة لتعزيز قدرات فلسطين في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال    محافظ الطائف يستقبل الفائزين من جامعة الطائف بمعرض جنيف العلمي الدولي    مجلس الوزراء: نتطلع أن تعزز زيارة الرئيس ترمب التعاون والشراكة    تفعيل اليوم العالمي للتمريض بمركز القلب بالقصيم    "لازوردي" تحقق 12% نموا في الإيرادات التشغيلية خلال ربع 2025 الأول    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    المطلقة غير صالحة للزواج    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    أمير تبوك يستقبل مدير إدارة الكهرباء بالمنطقة    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن تمديد دعم المملكة لمبادرة "رسل السلام"    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    استشهاد 16 فلسطينيًا    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    غزة بين نار الميدان وجمود التفاوض.. إسرائيل تحشد وتلوّح بحرب طويلة الأمد    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    ضبط مخالف أشعل النار في أراضي الغطاء النباتي    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كومنولث" اسلامي لا ينفي الاهتمام بالوطن . الحركات الإسلامية بين خلافة السلطة وخلافة الرسالة
نشر في الحياة يوم 28 - 07 - 2012

ثمة مشكلات أساسية في إدراك العالم الإسلامي لدوره في العصر الحديث. وهي مشكلات حجبت عن إدراك الحركات الإسلامية القائمة، مبناها، أن الإسلام ليس وجهة نظر تنافس ديموقراطياً وجوهاً أخرى، إنما هو أصل التاريخ الذي نعيشه، وأنَّ نشأة الحضارة الإسلامية ترتبط بهذا الأصل، وأنَّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم هم صناعة تاريخهم الحضاري المشترك أكثر مما هم صناعة عقيدتهم لأن الافكار مع مسيرة الحضارة، اتجهت لوضع العقيدة في الإطار الفلسفي مذاهب مختلفة مقتبسة من الأصول اليونانية. وهنا سارت حضارتنا في مختلف مراحلها الخلدونية.
هذا يدعونا اليوم للتساؤل مع الربيع العربي عن معنى بروز الإسلام من جديد موزعاً بين السلفي المتشدد، والمعتدل من الأخوان المسلمين او المستقل. وكُلٌّ يعلن انه في الطريق الصحيح الذي ينفي الآخر، فيما القرآن الكريم يحدثنا عن عُدَّة رسالتنا في بلاغ العالم الذي نعيشه. عملاً بقوله تعالى:"والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم".
فالأصل هو وحدة الدار الكونية ووحدة بني آدم في سلام الاختلاف حول معيار الصراط المستقيم.
استقامة الصراط في العقيدة هي الصدى لاستقامته في الأداء الإجتماعي في معادلة:
"الانسان + التراب + الوقت"كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في معناها الحضاري. ومن هنا فإنَّ الأحزاب الإسلامية على اختلافها هي النقيض لفكرة الدار الكونية التي رسمتها صبغة الله بالاسلام كأصل لاستقامتها.
ولكي يتحقق مفهوم الدعوة في هذا الإطار، لا بدَّ أن تجمعهما وحدة الأداء في التواصل الإجتماعي الذي هو طابع البيئة التاريخية في بناء الأمة الواحدة.
ذلك أنَّ فقهاء الإسلام قسَّموا المجتمع الإسلامي الى اهل استجابة واهل دعوة. فأهل الدعوة من غير المسلمين هم موضوع الاستجابة في مسار وحدة الدار، في استقامة انتاجها الإجتماعي كوحدة أداء في الإطار الجامع.
الإسلام كأصل في بناء الحضارة هو المعيار الثقافي لوحدة الأمة، فالدعوة في أداء المسلم هي الوجه الآخر للاستجابة في وحدة البنيان الإسلامي الحضاري، وهنا تتجاوز الدعوة الكلمة الى نموذج الاقتداء في حيوية الحضور الاجتماعي والوطني.
لكن الانتخابات التي أجريت في مصر أبرزت انقساماً في وحدة الدار يحاول الرئيس محمد مرسي استدراكه حين يجرد دوره كرئيس لجمهورية مصر من اي انتماء حزبي سوى ما تعنيه الحضارة الإسلامية في شموليتها التاريخية.
فهذه الفِرَقْ، السلفية والإخوانية والوسطية التي عبَّرت عن نفسِها في معايير مختلفة حول مقياس العهد الأول، طرحت في قيادة الدولة منطقاً سياسياً تنافسياً في مسؤولية الحكم هو اساساً منطق غربي! وهذا تناقض اصاب منطلقات حركتهم حين لم يطوروها كمشروع في بناء افكار جديدة من منطلق الإسلام كأصل سياسي وثقافي يبني وحدة الأداء الإنساني له حضوره في العالم كرسالة.
من هنا تبدو المشكلة اكثر خطراً لأن الانتخابات في مصر وربما في تونس قسَّمت الأمة، ويبدو أن الزعيم الإسلامي راشد الغنّوشي أدرك هذه الفجوة في دور حركته حين دعا الى المصالحة الوطنية.
الحركات الاسلامية، حتى الآن، لم تتعاطَ مع العصر الحاضر بمقتضياته من اجل الدخول فيه والإسهام في بناء جسور التواصل مع الآخرين. فالتفكير الذي استولى عليها هو خلافة السلطة لا خلافة الرسالة التي ترتبط موضوعياً بأهل الاستجابة في الدعوة الى نموذج للحضور الثقافي والسياسي كأصل جامع لحركة الإنسان كحضارة وثقافة تبنى عليها وحدة المجتمع العربي والإسلامي.
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه"فكرة كمنولث إسلامي":"إن اقتصار تحليله على المسلم قد أغفل عوامل أخرى تتصل بغير المسلم لكن التركيز على المسلم في إطار العقيدة يمكننا ان نتعرف الى مهمته كإنسان عقيدي ودوره كمواطن.
فالإنسان العقيدي يحمل في داخله المشاكل نفسها التي يواجهها المواطن. لكن إذا خلَّصنا أحدهما من بعض عُقَده نكون قد خلَّصنا الآخر بهذه العملية ذاتها من جزء كبير من مشاكله. فالمسلم يتصرف حاملاً لردود فعل ليست متأتية من بلاده ولكن من حبكة تاريخية متأتية من الحضارة الإسلامية ذاتها... فنحن اذا تناولنا مشكلة الإنسان المسلم نكون قد التقينا بمشكلة المواطن في بلاد ربطها التاريخ بصلات تقليدية مع المجتمع الإسلامي".
الخطاب الإسلامي لا يزال خطاب الالتزام والانعطاف ضمن حدود الاستجابة لكن باكتفائية متعالية كعناوين لتاريخها الشمولي، وليس مضامين امتداد وانفتاح شمولي.
والأزهر الشريف شعر بمدى قصورنا كرسالة في محيط عالم أصبحنا نتسلق مركبه السائر في غير اتجاه حين دعا عام 2008 الى حوار عالمي لبحث"الوسيلة المثلى التي يمكن ان تجذب أنظار عقلاء الغرب إلى هذا الدين القَيِّم ووسطية دوره التاريخي"على حد تعبير رئيس جامعة الأزهر الشريف آنذاك الدكتور احمد محمد الطيب الذي أصبح اليوم الإمام شيخ الأزهر.
نحن في جسور تواصلنا في مرحلة الدعوة ننطلق من دون إدراك لحقيقة مساحة دعوتنا إدراكاً صحيحاً، لذا نتعالى عليها في مفهوم غيبي لأننا تعودنا ان لا نصنع الحدث بل هو يصنعنا.
ولغياب التجربة نتعاطى مع السياسات الدولية طبق عناوينها كما تجري لا كما تصنعها تجربتنا. لذا نرى دائماً الحركات الإسلامية تبدأ بطرح عناوينها كدعوة لكنها تتحول تجمعاتها في النهاية الى سلطة حكم تعتمد النماذج الغربية المطروحة حين غابت سلطة الرؤية والتجربة كسعي انفتاحي على مستوى الأمة.
اليوم مثلاً يتحدثون عن الحوار بين الأديان لحل هذه المشكلة، في حين انَّ المشكلة ليست في هذا الحوار بل في الحوار البَنَّاء حول وحدة الثقافة الإبراهيمية في بناء المواطن، لأنَّ الحوار بين الإسلام والمسيحية قد انتهى منذ دعوة اهل الكتاب الى كلمة سواء، وهي دعوة لا تتكرر، وبقي المهم هو حصاد الرسالة والدخول في بناء الجسور والعبور الى عصر دعوةٍ واستجابةٍ لبناء جديد في قيمة الانسان الذي هو بلاغ الله الاخير للإنسانية.
فالدعوة الإسلامية هي عودة الى أصل الإسلام فوق اختلاف المذاهب. والقرآن وهو فوق التاريخ يرشدنا كيف نصنع التاريخ من جديد. ولذلك فنحن مطالبون بصوغ العالم الذي لم نصنعه من عصر ديكارت الى عصر التكنولوجيا التي تتطور كل يوم اي الى عصر حضارة الوسائل التي اصبحت حضوراً شمولياً وصراع مصالح يثقل كاهل الأخلاق والقيم لغير رسالة.
المسلم ينطلق من تاريخه لكنه يظل بعيداً من مكتسبات هذا التاريخ. والعجز في هذا المجال يستدعي فكرة الإعجاز في الدعوة الى الاسلام وهنا نستخدم المفهوم الترويجي في قضية الاعجاز في آيات القرآن الكريم بالاستناد الى الحقائق العلمية التي أفرزتها الحضارة الغربية عبر الوسائل الإعلامية المتطورة، وبذلك نطور وسيلة الدعوة بصورة كمية خرج منها دورنا في بناء العالم. فبناؤنا في معيار الفكر ما زال مقفلاً في مفهومه الحضاري الذي ما زال فرداً أو جماعة مجرد ردّود فعل تضعنا الدعاية حيث تريد هي لنتحدث بأمر ولا نهتم بأمر آخر من دون تحليل واعٍ، حذر الوقوع في فخ المؤامرات التي تبتدع شتات الشعارات التي لا ندرك مراميها.
نحن نعيش تابعين علمياً وإعلامياً. لذا يفقد إعلامنا قوة التحليل والتأثير في الآخرين الذين هم مساحة الدعوة، وهكذا تبقى نتائج إعلامنا محصورة بأهل الاستجابة.
فعندما نتحدث اليوم عما نسميه الإعجاز القرآني وننشئ له محطات ومؤسسات وكتباً وشخصيات لها مقامها الفكري، ندرك فجأة اننا خارج التاريخ. نحن نخاطب الجماهير من دون مرتكزات لنؤكد تميزنا بإسلامنا من غير فاعلية، ولأننا لا نصنع الفعل نقع فريسة فعل الآخرين. فالمشكلة ليست في الإعجاز القرآني لأن القرآن معجز بذاته بل في إعجاز أداء المسلم في عيون الآخرين كما يقول بن نبي.
نحن نعيش الانقسام المذهبي الذي خرج الى العلن في إستراتيجيات سلطة مذهبية فكيف يمكن ان يكون الإسلام هو الأساس كأصل تدور حوله متغيرات العصر حين غابت عن خطانا وحدة الايقاع الحضاري في وحدة الأصل الجامع؟
تحت اسم الربيع العربي نشهد اليوم ربيع الزعامات الدينية المختلفة لغير وعد لا دينوي ولا أخروي. هذه الزعامات تسير في المجهول الذي انطفأ فيه التاريخ وهكذا تحولت المرجعية الروحية الى نوع من الامتياز في شارع السلطة حين نتذكر شارعها السلطوي المضيء بالتاريخ.
فالمرجعية الدينية اليوم تُزَكِّي نفسها بسلامة ايمانها المذهبي وتنسى التوجيه القرآني
"ولا تزكوا أنفسكم"وتجمع الانصار تحت شعار الديموقراطية، ديموقراطية الاعتراف بسلامة الايمان لا بسلامة أداء المسلم وعلمه ومتابعته لدوره كجزء من عالم كبير.
العالم الإسلامي أضحى اليوم رهين السياسة الدولية في معاداة الإسلام واختصارها بشعار الإرهاب لتصبح سياستنا الدولية ومؤتمراتنا مجرد اجتهاد في إعلان البراءة.
من هنا فالصراط المستقيم هو في خطة تعبئة أخوَّة مبرمجة في مرجعية دراسات جامعة لمختلف مشكلات المجتمعات الإسلامية عبَّر عنها بن نبي بفكرة كمنولث إسلامي في عمق حضورنا الإسلامي في العالم، ليصبح حضورنا العالمي استقراراً يعيد للإنسان المسلم قدرته على الإسهام في هذا العالم بكل طاقته الفكرية والإجتماعية والإقتصادية، ويساهم في مصير الانسانية بصدق الايمان ودور الإنسان في بناء مستقبله. فحين لا تكون لنا قضية في مستوى العالم في مواجهة الحضور الإستعماري نصبح جميعنا جزءاً من قضيته.
المشكلة هي كيف نبني بأنفسنا موقفاً له علاقة بمستقبلنا في اطار تعبئة ومنهج يستمد من روح أصل الإسلام اصالة الثبات. اي أن نكون حركة في التاريخ لا حركة خارج التاريخ، حركة جذورها مبنية على قيم متأصلة في افكار تبني جذور الإتصال المؤثر في معيار الإحترام والتواصل الانساني.
* وزير سابق، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى في لبنان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.