يشكّل قطاع العقارات ركناً أساساً من اقتصاد الولاياتالمتحدة، ويُعتبر نموّه أو تعثّره مؤشراً للاقتصاد الكلّي. ويمثّل العقار للسكن محور النشاط داخل قطاع العقارات من جهة والاقتصاد العام من جهةٍ ثانية. وعندما حذّر رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي بن برنانكي من أن أزمة العقار السكني قد تستمر بعض الوقت، لفت إلى أن القطاع يختزن 30 في المئة من القيمة الاجمالية لاستثمارات المستهلك الأميركي. وفي الوقائع، خسر قطاع العقار السكني 7.6 تريليون دولار من قيمته خلال الأزمة تمثل 32 في المئة من ثروة المستهلك الأميركي العقارية، بمعنى ان قيمة العقارات السكنية كانت بلغت 23.75 تريليون دولار عشية الأزمة وتدهورت إلى 16.15 تريليون. ويؤسس قطاع العقارات في شكل عام، وعلى الصعيد العالمي، مجالاً واسعاً لنشاط الاقتصاد شاملاً نصفه على الأقل إن لم يتجاوزه. فباستثناء ارتباطه بصناعة البناء وأنواع الإسمنت ومشتقاته، والحديد وأنواع المعادن، والأخشاب والبلاستيك، والأحجار والمصبوبات الإسمنتية والبلاط سواء السيراميك أو من مقالع حجارة التزيين والرخام، وما يتعلق بصناعة متممة، فهو يشغّل مكاتب هندسية متنوّعة الاختصاص، ومقاولين ومطوّرين عقاريين، وصناعات التجهيز والأثاث والتكييف والهندسة الداخلية والكهرباء .... بمعنى أنه يؤمن فرص عملٍ قد توازي ثلث العاملين في البلد، بخاصة للمهرة والأخصائيين وغير المتعلمين. لكن واقع العقارات قد يتحوّل كارثة اقتصادية، متى تعزّز نموه مع طلبٍ مصطنع. فخلال العقود الأخيرة انفجرت ديون الأسر الأميركية، فزادت عشر مرات في 20 سنة، من 1396 بليون دولار إلى 12564 بليوناً نهاية الفصل الأول من 2008، تمثل 29 في المئة من الدين الوطني. وارتفعت من 90 إلى 160 في المئة من الناتج المحلي بين 1970 و2006. في حين لم يتجاوز معدل الادخار واحداً في المئة من دخل الأسر. والسبب بسيط وسهل. فتجاه جمود دخول الفئة المتوسطة من الأجراء، وتراجع موارد الأكثر فقراً، أصبحت القروض المصرفية الفردية الرافعة الأساس للاستهلاك الداخلي للأسر. استهلاك يلعب دوراً أساساً في دينامية الاقتصاد الوطني، فيرتفع من 67 إلى 72 في المئة من الناتج المحلي بين 1975 و2007، ليتراكم خلال 20 عاماً خزين القروض من 358 بليون دولار إلى 2593.2 بليون، ويبلغ المعقود منها على بطاقات الائتمان 915 بليون دولار في آذار 2008، يتعذّر تسديد قسمٍ كبير منها. ففي مجتمع غير متساو في العالم المتقدم، بدا تأسيس منزلٍ ضمانةً لمعظم الأجراء، واعتبرت الملكية دافعاً أيدولوجياً لنمط نجاح "طريقة العيش الأميركية"، نتيجة جمود المرونة الاجتماعية المرتبطة بارتفاع تكاليف التأمين الصحي 87 في المئة في 2008 قياساً إلى 2000، والسكن والتعليم زادت تكاليف التعليم الجامعي 40 في المئة من جهة، وضعف توزيع السياسات العامة التي تستبعد الآخر وتزيد من عدم الاستقرار، ووسط هذا المناخ من افتقاد الضمان الاجتماعي 4.5 مليون من دون تأمين صحي في 2007 . وبات في قدرة المالك أن يرهن عقاره لدى المصارف في مقابل قروض، أو لدى شركات تأمين لتأمين بدل معالجات صحية، او لدى شراء سيارة، وفي فترة بطالة، أو لدفع اقساط تعليم، فقروض الطلاب بلغت 80 بليوناً في 2007. لكن في المقابل شكّل تأسيس الملكيات العقارية، عاملاً مركزياً لديون الأسر خلال العقدين الأخيرين. فانتقل مخزون الائتمان المعقود على مساكن من 926.5 إلى 10611 بليون دولار في 20 عاماً ما يوازي مرتين الدين الفيديرالي في 2007، ويشكل ثلاثة أرباع ديون العائلات. وارتكزت هذه العملية الواسعة للقروض في شكل كبير، على ارتفاع أسعار العقارات التي نشطتها الفائدة المتدنية للاحتياط الفيديرالي. وكان عامل الثراء هذا مدفوعاً بمضاربات عقارية لا منطقية، تلازمت مع ارتفاعات خيالية للأسعار، بلغت 80 في المئة بين 2000 و2006، كمتوسط عام على صعيد البلاد. وساعد الارتفاع في أسعار العقارات أصحابها على عقد قروض جديدة، معتمدين على قيم ممتلكاتهم التي لم تتوقف عن الارتفاع. ووزعت بين 2005 والفصل الأول من 2008، قروضٌ عقارية بقيمة 3010 بلايين، ما شكّل حصناً من ورق. في هذا النطاق برزت القروض ذات الأخطار العالية. فتجاه ركود نسبي في نشاط العقارات للفئات المتوسطة، توجّه العاملون الماليون نحو زبائن جدد لتأمين عوائد مرتفعة، واختاروا العائلات الأدنى دخلاً. اقترحوا عليها شروطاً "غير أخلاقية" في معظم الأحيان لتأمين قروض عالية الأخطار لها بفوائد عالية، ومتغيرة وجارية على مدة طويلة، شكلت بين 2004 و2006 نحو 40 في المئة من القروض العقارية مع نحو 600 ألف عقد سنوياً. وبلغت قيمتها بين 2000 و2006 نحو 1200 بليون دولار، وهي ليست قيمة كبيرة لكنها كانت كارثية لدى حصول الأزمة. خلال الفترة لجأت لجنة الاحتياط الفيديرالي للسوق المفتوحة، إلى رفع الفائدة من ضمن سياسة نقدية متشددة لكبح جماح ارتفاع مستويات الأسعار والحفاظ على مستوى مقبول لمعدل التضخم، ما أدى إلى ارتفاع الأقساط للمقترضين في سوق الرهن العقاري الثانوية، التي تضم زبائن حديثي الاقتراض لا يملكون سجلاً ائتمانياً جيداً لدى المصارف. وبلغت قروضهم 100 بليون دولار مع إقدام المتعاملين فيه إلى بيع منازلهم مع ارتفاع أسعارها 30 في المئة، لكن قصّروا عن تسديد ديونهم. ولجأت الحكومة تجاه الانهيار الكارثي للعقارات، إلى دعم يعزّز استمرار نشاطها في مستوى مقبول، ولدى توقف الدعم، تراجعت المبيعات في العقار السكني 25 في المئة، منذرةً بجمود اقتصادي، في وقتٍ لا يزال المستهلك يعاني تبعات خسائر هائلة التهمتها أزمة المال من ثروته، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة. وتخشى المصارف والزبائن من توسيع الائتمان وسط تراجع أسعار العقارات، كما تخشى الوقوع في مصيدة ارتفاع الفائدة مستقبلاً.