لا تكترث رنا الجمال، طالبة سنة ثالثة في إحدى الجامعات الأردنية بما تحتويه حقيبتها من مستلزمات الدراسة بقدر ما تحرص على ألا تتخطى حاجز بوابة الجامعة من دون أن تؤمن حاجتها اليومية من السجائر. وقبل أن تلتحق بمحاضرتها الصباحية لا تفوت إجتماعها وشلة من الزميلات المدخنات في إحدى مرافق الجامعة الصحية، حيث تنفث عادة دخان السيجارة الصباحية الاولى والتي يستحيل تدخينها في منزل الأسرة لاعتبارات ترتبط بمنع والدها. وحين تشارف محاضراتها على الإنتهاء تنشغل رنا باحتساب الدقائق الأخيرة، وتجهد نفسها في ترقب مؤشر عقارب الساعة للإنضمام مجدداً إلى زميلاتها ولكن هذه المرة في أحد المقاهي المجاورة للجامعة حيث تقدم النرجيلة. رنا لا تخشى من أن يصبح التدخين عادة تلازمها طيلة حياتها فهي تجد في إدمانها غير المعلن أمام أفراد العائلة إثباتاً لذاتها ووسيلة للتمرد على القوانين المنزلية والتقاليد الاجتماعية. وتقول إن السيجارة تحررها من ضغوط عائلية تضيق عليها حريتها الشخصية وتمنع عنها حقها في"اختيار اسلوب الحياة". حال رنا تشبه حال شريحة واسعة من الفتيات في الأردن بدأن التدخين في سن مبكرة خلسة لأسباب مردها رفض المجتمع الأردني ربط انوثة الفتاة بأعقاب السجائر لما لها من دلالات تشير صراحة إلى نموذج المرأة المتحررة غير المقبول اجتماعياً. ويؤكد الأمين العام لوزارة الصحة للشؤون الفنية الدكتور علي اسعد أن ظاهرة التدخين بكل أشكاله بدأت تتفاقم في الأردن في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن نسبة انتشار التدخين بين الإناث بلغت 18 في المئة فيما نسبة انتشاره بين الشباب للفئة العمرية 13-15 سنة هي 33 في المئة بحسب دراسة أعدتها الوزارة. ويقول الاختصاصي الاجتماعي الدكتور منير كرادشه أن"تدخين الفتاة غالباً ما يبدأ في نطاق الجامعة والعمل حيث تشعر الفتاة باستقلاليتها بعيداً من رقابة الأهل". ويضيف أن"تعدد النماذج السلوكية في الجامعة يتيح للفتاة فرصة لمحاولة خلق مقاربات مع أخريات لتعزيز أواصر الصداقة، لذا فإن مسألة تقليد المدخنات تصبح واردة لكل من تبحث عما يعزز استقلاليتها ويترجم رغبتها في التمرد". ويربط الكرادشة بين التحولات الإجتماعية والإقتصادية التي يشهدها الأردن ومن شأنها خلق نوع من الوعي الزائف، وبين توقعاته بزيادة عدد المدخنات ممن ينجرفن خلف كل ما يخرج عن نطاق القيم التقليدية في مجتمع ينظر للتدخين على أنه رمز للتمرد لا يمكن إباحته. وعلى رغم أن وزارة الصحة تبنت الاستراتيجية الصحية الإعلامية"صحتنا مسؤوليتنا"للتصدى لظاهرة التدخين والحد من انتشاره، وفي إطارها أطلقت حملتي" تحرك أكثر" و"تدخينك أم حياتهم"من خلال بث رسائل متنوعة عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، الا ان كثيرين لا يكترثون للامر. منال باكير 25 سنة التي تعمل محاسبة في إحدى الشركات لا تقتنع بما يردد على مسامعها عن مخاطر التدخين. وتجد منال أن تدخين السيجارة هو السبيل الوحيد للتنفيس عن همومها من دون أن تأبه لتأثيراته السلبية على أجهزة الجسم فهي عادة تكتفي بالقول :"ما حد بموت ناقص عمره". منال التي تستهلك قرابة 30 سيجارة في اليوم تصُم أذنيها أمام انتقادات والدتها للتدخين، ولا تتردد في مصارحة أي شاب يتقدم لخطبتها بولعها بالدخان، لدرجة أنها ترفض الإقتران بمن يشترط توقفها عن استهلاكه. واكثر ما يزعجها في كل مرة تشتري فيه علبة السجائر الصورة المنفرة للرئة وقد أشبعها النيكوتين سموماً وسوداً. وفي كل مرة تُحضر منال لوالدها النرجيلة التي يفضلها تعود بذاكرتها إلى نحو عشر سنوات مضت، حينما كانت تنفث دخانها خلسة أثناء إعدادها له وبدأ تعلقها بالتدخين منذ ذلك الوقت من دون أن تعي بأنه سيصبح جزءاً لا ينجزء من حياتها. وكشفت أحدث دراسة وطنية حول التدخين أن 22 في المئة من طلبة المدارس يدخنون النرجيلة ظناً أنها أقل ضرراً. ونصفهم يبدأ عادته تلك في المنزل، لذا أطلقت وزارة الصحة حملة تثقيفية ضد تدخين النرجيلة تستهدف الأمهات والآباء قبل الأبناء لتوعيتهم بضرر تدخين النرجيلة والطلب من الاولاد تحضيرها لأنها خطوة أولى في طريقهم إلى الادمان. نشر في العدد: 16761 ت.م: 23-02-2009 ص: 23 ط: الرياض