كثيرة هي الأعمال الدرامية السورية التي كانت تغرف من الحقبة العثمانية في البلاد العربية، وتظهر الجانب الدموي، القمعي،"التتريكي"بحقّ العرب، بخاصَّة، في العقود الأخيرة من عمر"الرجل المريض". هذا التعاطي مع تلك الحقبة السياسيَّة، كان ولا يزال، مُدرجاً في مناهج التدريس السوريَّة الإعداديَّة والثانويَّة والجامعيَّة. وحين بلغت الأزمة السياسيَّة بين الجارين، سورية وتركيا، ذروتها، منتصف التسعينات من القرن العشرين، دخلت الدراما السوريَّة على خطّ المواجهة. ومن أبرز الأعمال الدراميَّة السوريَّة التي كانت مدخلاً لانتشار الدراما السوريَّة في العالم العربي، يأتي مسلسل"أخوة التراب"، لمؤلِّفه محمد م. يوسف، ومخرجه نجدت أنزور. هذا المسلسل، رصد إرهاصات"الثورة العربيَّة"الكبرى، المدعومة من الانكليز، على نظام السلطنة عام 1916، والإشارة إلى دمويَّة ووحشيَّة الحاكم العثماني في سورية أنور باشا،"السفَّاح"، وإعداماته لرجال النهضة السوريَّة والمثقفين العروبيين السوريين في دمشق وبيروت، وصولاً لمذابح الأرمن، وزوال الاحتلال العثماني - التركي. ذلك المسلسل، الذي بثّ عام 1996، زاد من منسوب الأزمة السياسيَّة بين تركيا وسورية. ووصلت حملة الاحتجاج التركي عليه إلى إرسال إشارات تشويش على بثّ التلفزيون السوري، في مناطق لواء اسكندرون ومحافظة أورفا الحدوديتين التي يقطن فيها العرب بكثافة. وفي ظل الاحتدامات والخصومات والمناوءات بين الأتراك والسوريين، كانت الدراما السوريَّة تسعى إلى تأكيد الخلفيَّات والامتدادات التاريخيَّة ل"العداوات"التركيَّة - السورية. ولقد كان المخزون التاريخي، وجودة العمل الدرامي، عاملين نشطين ومحفِّزين وداعمين للمزاج والمسعى السياسي السوري آنذاك. وهكذا نجحت هذه الدراما في ايجاد حال نفور عربي عام، لكلّ ما يمتّ بالأتراك، بآصرة. بالتالي، زادت تعميق الشروخ بين الشعوب، عبر استحضار الماضي الخلافي الدموي بغزارة. أمَّا الآن، ونزولاً عند مشيئة الاعتبارات السياسيَّة، لم تتجه الدراما السوريَّة، لعقدٍ من الزمن وأكثر، لإنتاج أعمال من قماشة"أخوة التراب". تكفي جولة قصيرة بين المهتمِّين في الشأن التركي في سورية، من مترجمين، ومن يعتبرون أنفسهم مترجمين، من التركيَّة الى العربيَّة، ومن شركات الدبلجة والتسويق الفني، لتبيّن حجم الحراك الفني بين البلدين. فالكل صار خبيراً في الشأن التركي! والكلّ يسعى لتعلُّم اللغة التركيّة التي باتت تدرُّ غلالاً ماديَّة وفيرة. وعند الحديث عن جودة وصدقيَّة الترجمات، الجميع يشكك في ترجمات الجميع!. ولعلّ التركيز على اللهجة الشاميَّة وحسب في الترجمات، كان له جوانبه الإيجابيَّة في عمليَّة التسويق. لكنّ ثمَّة جوانب سلبيَّة أيضاً، أقلُّها، استبساط واستسهال الأمر من قبل بعض المترجمين. وعلى رغم أن صنَّاع الدراما العربيَّة، والسوريَّة تحديداً، لم يتجَّهوا بعد إلى إنتاج أعمال مناقضة ل"أخوة التراب"، عبر التركيز على المسائل والقضايا والعلاقات الإنسانيَّة بين الأتراك والعرب التي تتجاوز كل ما هو سياسي تاريخي الى علاقات انسانية بحتة، فان سوق الدبلجة السوريّة، التي بدأت ب"إكليل الورد"ثمّ"سنوات الضياع"و"نور"، حاولت التغطية أو ملء الفراغ الحاصل مما لم تتجه إليه الدراما السوريّة بعد. بمعنى، إنتاج أعمال دراميَّة سوريَّة صرفة، تكون الصورة المقلوبة ل"أخوة التراب". باتت السوق السوريَّة للدبلجة من التركيَّة، الأكثر تسويقاً للأعمال الدراميَّة التركيَّة، ما اوجد حافزاً لتنشيط الحركة الدراميَّة في الجانب التركي أيضاً، حين وجدت سوق تصريف سخيَّة، تتهافت على نتاجها. وليس من المجازفة القول أن سورية صارت في مقام الدليل السياحي والفنّي والثقافي، والسياسي أيضاً، لتركيا في العالم العربي. لكن، على الطرف المقابل، لا تجد أعمال سوريَّة دراميَّة مهمة، طريقها للدبلجة إلى التركيَّة حتَّى الآن، على رغم أن قطاع الدبلجة في تركيا من اللغات الحيَّة، في الأعمال الدراميَّة والسينمائيَّة، هو من أكثر الأسواق نشاطاً في العالم! لماذا لا يتجه الأتراك إلى دبلجة الأعمال العربيَّة، السوريَّة أو المصريَّة، الدراميَّة والسينمائيَّة، على الأقل، من باب المعاملة بالمثل؟! وألهذه الدرجة، تبدو الأعمال العربيَّة من"الرداءة"، بحيث لا تغوي أو تجذب أو تلفت انتباه قطاع الدبجلة التركيَّة من اللغات الأخرى؟ ما هي خلفيَّات الاستنكاف التركي عن دبلجة الأعمال العربيَّة إذاً؟ أهي سياسيَّة؟ أم فنيَّة؟ أم ماذا؟ وأثناء استمتاع الأخوة العرب في مشاهدة الدراما التركيَّة المدبلجة للعربيَّة، أوليس الأجدى بهم طرح سؤال كهذا على أنفسهم، قبل أن يطرحوه على أخوانهم الأتراك؟ ولماذا يبقى قطاع الدبلجة من التركيَّة، حكراً على السوق السوريَّة، ولا تتجه مصر أو لبنان أو دول الخليج أو دول المغرب إلى ذلك أيضاً؟!. ولئن افتراض المحال، ليس من المحال، فلو دخلت العلاقات السياسيَّة بين تركيا وسورية، لا سمح الله، في أزمة خانقة، كالتي كانت موجودة منتصف التسعينات، هل ستعود الدراما السوريَّة إلى أعمال تتماهى مع"أخوة التراب"، وتغلق أبواب سوق الدبلجة من التركيَّة، إلى أجل حلول انفراج سياسي آخر؟! نشر في العدد: 16727 ت.م: 20-01-2009 ص: 38 ط: الرياض