أعلن المفاوض الفلسطيني الدكتور صائب عريقات أمس أن الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت سيلتقيان اليوم في منزل الأخير في القدس الغربية، لمراجعة مجريات العملية التفاوضية، ونتائج اللقاء الأخير بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي الذي رعته وزيرة الخارجية الأميركية في واشنطن كوندوليزا رايس. وقال عريقات إن عباس سيحمل معه أيضاً ملف المعتقلين الفلسطينيين، وسيطالب بإطلاق سراحهم، خصوصاً القادة السياسيين مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات والدكتور عزيز الدويك وغيرهم. ولا يتوقع الفلسطينيون كثيراً من هذا اللقاء الذي يأتي في وقت يصارع رئيس الحكومة الإسرائيلية، ليس من أجل البقاء في منصبة هذه المرة، بل لتجنب السجن على خلفية اتهامات بالفساد دفعته إلى إعلان نيته الانسحاب من الحياة السياسية بعد انتخاب رئيس لحزب"كديما"الذي يقود الائتلاف الحكومي الشهر المقبل. وستستجوب الشرطة الإسرائيلية أولمرت الجمعة المقبل، للمرة الخامسة، في إطار التحقيقات في قضية الفساد. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن التحقيقات ستركز على ملفين من أصل ستة ملفات تتضمنها القضية، هي شراؤه منزلاً في القدس بسعر منخفض من مقاول أدى له خدمات إبان توليه بلدية المدينةالمحتلة، وتقديم فواتير مشكوك فيها. غير أن مقربين من أولمرت أكدوا أخيراً أنه سيسعى حتى اللحظة الأخيرة من وجوده في رئاسة الحكومة إلى التوصل إلى"اتفاق اطار"مع عباس. وكان الرجلان توصلا بعد سلسلة لقاءات منفردة بينهما، إلى خلاصة مشتركة تتمثل في إمكان التوصل إلى"اتفاق إطار"، يصار إلى التفاوض على تفاصيله لاحقاً. لكن الصعوبات التي اعترضت طريق الطرفين في التفاوض على القدس وعلى مساحات الأراضي التي تنوي إسرائيل ضمها من الضفة الغربية ضمن ما تسميه"تبادل أراض"حال دون التوصل إلى هذا الاتفاق. ويقول مساعدو الرئيس إنه كان يفضل اتفاقاً تفصيلياً يتناول مختلف قضايا الحل النهائي من دون اي التباس يعيق تطبيقه لاحقاً كما جرى في اتفاق"أوسلو". لكن شريكه في المفاوضات فضّل التوصل إلى"اتفاق إعلان مبادئ"، لمعرفته بصعوبة تسويق اتفاق تفصيلي في حكومته الإئتلافية الهشة وفي حزبه"كديما"المتحدر من صلب حزب"ليكود"اليميني. وبعد سلسلة لقاءات اتسمت ب"تفهم كبير"بين الرجلين، وجدا خياراً ثالثاً: اتفاق إطار، يكون أكثر من إعلان مبادئ وأقل من اتفاق تفصيلي. ويقول مقربون من الرئيس الفلسطيني إنه وافق على هذا الخيار،"ليس لأنه الأفضل، بل لأنه الوحيد الممكن في هذه المرحلة"، خصوصاً أن لعباس مصلحة كبرى في إظهار وجود أفق لنجاح الخيار السياسي الذي تبناه بالكامل. وتسير المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في مسارين، الأول بين رئيسي الوفدين المفاوضين أحمد قريع وتسيبي ليفني، والثاني بين عباس وأولمرت. وفتح قريع وليفني في المسار الأول جميع الملفات، وحققا"تقدماً مبعثراً"في قضايا عدة مثل الأمن والمستوطنات والمياه، لكنهما اصطدما بالملفين الأصعب: القدس واللاجئين. وشكّل قريع المفاوض الخبير الذي يسميه الإسرائيليون"الثعلب"لجاناً تفاوضية لمختلف القضايا، لكنه أبقى هذين الملفين في يديه، مدركاً أن الحل النهائي سيكون مساومة تاريخية: القدس عاصمة للدولة الفلسطينية مقابل اللاجئين. وهو يعمل وفق مدرسة الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي كان يرى أن"نتنازل لهم في موضوع اللاجئين بقدر ما يتنازلون لنا في القدس". أما في المسار الثاني الذي يبحث في العناوين ويترك التفاصيل للوفدين، فحقق عباس وأولمرت تقدماً في الإطار النظري توقف أخيراً عند القدس. وحسب مفاوضين فلسطينيين، اقترح اولمرت المتعجل للتوصل إلى الاتفاق لأسبابه المعروفة، ترحيل ملف القدس إلى المفاوضات التفصيلية اللاحقة، وهو ما رفضه الجانب الفلسطيني بقوة. وكان أولمرت واضحاً في اللقاءات مع عباس، مبلغاً رسالة مفادها أن"القدس ليست كلها لكم. وسنتوسع في المناطق التي ننوي ضمها في الحل النهائي. أما رفع الحواجز فهو في أيدي وزير الدفاع إيهود باراك"الذي لا يترك فرصه لإفشاله إلا وسارع إلى اغتنامها. ويقول الفلسطينيون إن اتجاهات وخطوط التوسع الاستيطاني الجارية في القدس ومحيطها غير مقبولة على الأطلاق، فهي تتمدد في مساحة تصل إلى نحو 9 في المئة من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها نحو 5 في المئة أخرى خلف الجدار. وأبلغ الفلسطينيون الإسرائيليين في هذه المفاوضات أن تبادل الأراضي يجب أن لا يزيد عن 2.5 في المئة. أما العقبة الثانية التي ظهرت في موضوع القدس فكانت تقاسم الأحياء. ففي حين طالب الجانب الفلسطيني بأن تكون الأحياء العربية، بما فيها البلدة القديمة، جزءاً من قدسهم، يطالب الإسرائيليون بتقاسم مناطق وأحياء واسعة مثل"الحوض المقدس"في سلوان، والبلدة القديمة والشيخ جراح وغيرها تحت إدارة مشتركة، بعد ضم الحي اليهودي والحائط الغربي المبكى وحارة الأرمن. وتسيطر إسرائيل عبر جميعات اسيتطانية وأفراد على 70 مبنى في البلدة القديمة من القدس، بينها مبان كبيرة مثل فندق مار يوحنا الذي يضم 24 غرفة فندقية، وبيت شارون المؤلف من ثلاث طبقات. وقررت المحكمة العليا الإسرائيلية أخيراً نقل ملكية 24 منزلاً في حي الشيخ جراح لجمعية استيطانية تعتزم هدمها وإقامة حي مؤلف من 200 وحدة سكنية مكانها. وتطرح هذه الملفات المتشابكة كثيراً من الأسئلة عن قدرة أولمرت على التوصل إلى اتفاق إطار مع الفلسطينيين قبل مغادرته الوشيكة. كما أن نيته هذه لا تبدو مقنعة حتى لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي زارت المنطقة 16 مرة، وينتظر أن تاتي في زيارة أخرى قبل نهاية هذا الشهر.