محافظ القطيف يرعى انطلاق فعالية «منتجون» للأسر المنتجة    100 ألف وظيفة تستحدثها بوابة الاستثمار في المدن    152 رحلة عبر تطبيقات نقل الركاب في كل دقيقة    صندوق الفعاليات الاستثماري يعزز قطاعات الرياضة والثقافة والسياحة والترفيه في المملكة    المرور يستعرض أحدث التقنيات في إدارة الحركة المرورية بمؤتمر ومعرض الحج    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    المملكة تشارك في وزاري «G7»    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء.. اليوم    «أفواج جازان» تقبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    نوّه بدعم القيادة لتمكين الاستثمارات.. أمير الشرقية يدشن أكبر مصنع لأغشية تحلية المياه    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    تصفيات مونديال 2026.. فرنسا وإسبانيا والبرتغال لحسم التأهل.. ومهمة صعبة لإيطاليا    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    النويحل يحتفل بزواج عمر    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    نفذتها "أشرقت" بمؤتمر الحج.. وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الشرع: سورية اصبحت حليف جيوسياسي لواشنطن    القيادة تعزي الرئيس التركي    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    البديوي: اعتماد المرحلة الأولى لنظام «النقطة الواحدة» بين دول الخليج    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    "تنظيم الإعلام" تقدم مبادرة "التصريح الإعلامي المبكر" ضمن مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    أمير تبوك يطلع على تقرير مؤشرات الأداء لمدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزيرا الثقافة والتعليم يدشنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    المملكة تدعم جهود إرساء السلام في العالم    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تنشر وثائق "قبس من روح مصر" ديبلوماسي سعودي "ينقذ" أم كلثوم وعبد الوهاب 1 من 3
نشر في الحياة يوم 23 - 07 - 2008

يعود الفضل الأول في تجميع الوثائق إلى صديقي الفنان التشكيلي الكويتي جعفر إصلاح الذي يهوى جمع الوثائق والصور، فقد أمدني بكثير منها بغرض عرضها وتحليلها والتعليق عليها في كتاب يلقي ضوءاً جديداً على تاريخ مصر الثقافي في النصف الأول من القرن العشرين، وان كان من بينها وثائق قليلة من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أضفت الى وثائق جعفر وثائق أخرى - أقل - تجمعت لدي وأطلقت على الكتاب الذي لم ينشر بعد عنوان:"قبس من روح مصر"لأنه احتوى على وشائج متنوعة من تاريخها الحي في مساحة زمنية من أهم المساحات عبر تاريخها، حين حاولت مصر الخروج من الظلمات إلى النور.
الوثائق الجديدة التي لم تنشر من قبل تتناول أحداثاً وشخصيات مصرية مشهورة في مجالات مختلفة. يجمع بينها أنها كانت مؤثرة في المجتمع المصري. تفاوتت مجالات تأثيرها من العقل إلى القلب. وتفاوت حب الناس لها تبعاً لما فعلت فيهم. هنا لا نصدر أحكاماً. بل نساعد القراء على الاقتراب منهم، ومعرفة جوانب في شخصياتهم، ومعرفة حقيقة كل منهم، وربما الحكم عليهم. هناك بالطبع أجيال شابة لم تعاصر أحداث وشخصيات تلك الوثائق، وهناك أيضاً شباب لا يعرفون شيئاً عن بعض من هذه الشخصيات. افترضت أنني أقدم الكتاب للأجيال الجديدة أساساً، وبالتالي فهو سياحة متنوعة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. واخترت العودة إلى الكتابة في جريدة"الحياة"? بعد انقطاع ثماني سنوات تقريباً ? ببعض من فصول الكتاب قبل نشره، وفضلت أن تنشر نصوص الوثائق كما كتبها أصحابها بأخطائهم النحوية والإملائية، فتلك الأخطاء جزء أيضاً من شخصية كتابها.
من يعرف اليوم أن حكومة ثورة 23 تموز يوليو 1952 في مصر كانت ستصادر في عامها الأول أموال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وتحدد إقامتهما؟ وأن الذي أنقذهما من ذلك المصير هو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية.
أعتقد أن لا أحد يعرف اليوم السر الذي نكشف عنه هنا للمرة الأولى. فالمعروف هو العكس: أن عبد الوهاب غنى ولحن عشرات الأغاني للثورة، كما غنت أم كلثوم للثورة كثيراً. وبعد هزيمة مصر في حزيران يونيو 1967 في الحرب مع إسرائيل، أقامت أم كلثوم حفلات في دول عدة خصصت دخلها للمجهود الحربي. وأن حكومة الثورة كرمت أم كلثوم وعبد الوهاب.. كان زعيم الثورة جمال عبدالناصر يحضر حفلات أم كلثوم ومعه كل أو أغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة. وهناك تسجيلات في الاذاعة والتلفزيون المصريين لمثل هذه الحفلات ما زالت تبثها إذاعة الأغاني في الإذاعة المصرية التي كان اسمها من قبل محطة إذاعة أم كلثوم. وقد حصلت أم كلثوم على جائزة الدولة التقديرية - عندما كانت للجائزة قيمة - عام 1968، مثلما حصل عبد الوهاب عليها عام 1971، كما حصل على قلادة النيل في العام التالي وهي أرفع القلادات المصرية، وسلمها له خليفة عبدالناصر الرئيس السابق أنور السادات الذي منحه أيضاً رتبة لواء.
لكن، يبدو أن كل ذلك الحب المتبادل بين أم كلثوم وعبد الوهاب وحكومة الثورة حدث بعد العام الأول للثورة، وبعد أن تدخل سعودي باشارة من الملك عبدالعزيز الذي نجح في إنقاذ العلاقة. فالوثيقة التي بين أيدينا والمؤرخة في 4 حزيران 1953 تكشف عن أن مجلس قيادة ثورة يوليو في مصر كان يعد لقرار بمصادرة أموال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وتحديد إقامتهما.
الوثيقة رسالة كتبها محمد الطبيشى على ورق رسمي للسفارة السعودية في مصر بخط يده، من دون ذكر لتسمية منصبه في السفارة السعودية. فهل كان السفير أم القائم بالأعمال؟ ذلك لأن لديّ صورة من دعوة رسمية موجهة من محمد الطبيشي على ورق السفارة، مطبوعاً عليها أنه السكرتير الأول في السفارة، على رغم وجود خاتم على الدعوة باسم"وكالة نجد والحجاز". ومؤكد أن هذه الدعوة كانت سابقة على الرسالة التي نحن في صددها هنا، لأن دعوة محمد الطبيشي كانت موجهة في 14 آذار مارس من دون ذكر السنة، إلى سيد قطب أحد أقطاب الإخوان المسلمين الذي أعدمته حكومة ثورة يوليو في ما بعد. كانت الدعوة لمناسبة الاحتفاء ب"حضرة صاحب المعالي وزير الدولة السعودية ورئيس الخاصة الملكية الشيخ عبد الرحمن الطبيشي". وواضح من الاسمين صلة قرابة بين السكرتير الأول للسفارة والضيف السعودي المحتفى به. ويبدو أن الشيخ الطبيشي كان كثير الحضور لمصر، لأن هناك دعوة أخرى من محمد الطبيشي موجهة"لفضيلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد"لتناول"الفطور"، يوم الاثنين 25 رمضان الساعة الخامسة، احتفاء بحضرة صاحب المعالي.. الخ. وذلك على العنوان: 12 شارع الكامل محمد بالزمالك ? القاهرة. ويبدو أن هذه الدعوة أحدث من الدعوتين السابقتين لأن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بدأ شهرته متأخراً عنهما، لكن، لا نستطيع الجزم هنا، إذ يبدو أنه كان من عادة السيد محمد الطبيشي أن لا يذكر الشهر والسنة على الدعوات التي يوجهها. ويبدو أن لدى كثير منا العادة نفسها حتى اليوم. فلقد رأيت رسائل من مسؤولين كبار في العشرين سنة الأخيرة غفلاً من التاريخ.
المهم ان محمد الطبيشي كتب الرسالة المقصودة إلى اللواء محمد نجيب الذي أعلن أنه قائد الثورة في بدايتها، وعين أول رئيس للجمهورية المصرية، ثم انقلبت عليه الثورة وسجنته في بيته في المرج بعد اتهامه بالانقلاب على الثورة حتى مات. كانت سفارة السعودية في ذلك الوقت تسمى"وكالة المملكة العربية السعودية بمصر". وكتب الطبيشي هذه الرسالة بتكليف غير رسمي من الملك عبد العزيز شخصياً للتدخل لمصلحة عبدالوهاب وأم كلثوم. ويبدو من الرسالة أن الطبيشي قابل الرئيس السابق محمد نجيب أو حدثه شخصياً في قرار مجلس قيادة الثورة المزمع قبل يومين من كتابة الرسالة. وأنه كتبها لأن محمد نجيب قال له أنه يريد أن يعرف الموضوع كله.
توضح الرسالة أن الثورة كانت تريد مصادرة أموال أم كثلوم ومحمد عبدالوهاب وتحديد إقامتهما لأنهما ? على حد نص الرسالة -"كانا مقربين من العهد البائد"، أي عهد الملك فاروق. وأن"الأستاذ عبد الوهاب له غنوة خاصة للملك ويطلق عليها اسم الفن، وأن السيدة أم كلثوم لها غنوة باسم حبيبي يسعد أوقاته وهي أيضاً خاصة للملك السابق. وأنهم يدينون بالولاء له إلى الآن". أي إلى وقت كتابة الرسالة بعد قرابة عام من قيام الثورة.
حرص الطبيشي في رسالته على أن لا يتدخل في أي قرار يكون في مصلحة الأمة، ولكنه يبدي رأياً ومشورة. ورأى المسؤول السعودي - وربما كان ذلك أيضاً رأي الملك عبد العزيز - أن تصرف الثورة ضد عبد الوهاب وأم كلثوم"سيكون له أثر بالغ القوة على الشعوب العربية والمصرية خاصة، ويعطي انطباعاً سيئاً جداً عن الثورة وأهدافها المقدسة".
تكشف الرسالة أن عبد الوهاب وأم كلثوم حضراً بنفسيهما الى المسؤول السعودي وقالا له:"هل كان لدينا أو لغيرنا اتخاذ قرار حر في ذلك الوقت. لقد كان يفرض علينا الأمر فرضاً وإلا كنا نستطيع أن نرفض".
ولا أعلم مدى صحة كلامهما، لكنني اشك فيه، فلقد كانت في مصر الملكية صحافة حرة ونشر حر للكتب والمؤلفات. وصلت هذه الحرية إلى سب الملك علناً، والى نشر كتب جنسية، وأخرى عن الإلحاد وغير ذلك. فلا أتخيل أن نظام الملك فاروق الضعيف كان يمكن أن يفرض شيئاً على قامتين مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وصلت شهرتهما إلى كل الشعوب العربية إلى درجة رأى فيها المسؤول السعودي أن الإساءة إلى الفنانين سيكون لها وقع"بالغ القوة". كما كتب بخط يده.
لكن الأمر عندي هو أن الفنانين ? مثل كثير غيرهما من الفنانين ? لم يكن لهما رأي ولا موقف سياسي، ولم يكن يهمهما أن تسود في مصر الملكية أو أن تحل محلها جمهورية. كان يهمهما أولاً الشهرة والمجد. كانت الرعاية الملكية وسيلة من وسائل الشهرة والمجد، كما كانت وسيلة للثروة، بدليل أنهما أقرا للسفير السعودي أنهما حصلا على هدايا ذهبية ومجوهرات من الملك. مثلما كانت الرعاية الرئاسية الثورية بعد ذلك استمراراً للوسيلة ذاتها، مع الفارق أنهما لم يحصلا من الثورة على مجوهرات، ولكن على أوسمة ورتب مثل رتبة اللواء العسكرية التي حصل عليها محمد عبد الوهاب!. ولم يكن الفنانان يتوقعان حدوث ثورة يوليو ونجاحها. ولكن، بعدما قامت، غنيا للثورة ولعبدالناصر حتى مات عام 1970.
كان التمهيد"لانقلابهما على الملك"بعدما قلبته الثورة أن ذهبا إلى المسؤول السعودي ولم يكتفيا بالكلام، بل كتب كل منهما رسالة بخط يده يقر فيها بأنه"إننا الآن قلباً وقالباً مع الثورة المباركة، ونحن على استعداد للتنازل عن جميع الهدايا الذهبية والمجوهرات التي أخذناها في ذلك العهد وذلك عن طيب خاطر، وعلى استعداد للتبرع ليس بأعمال ولكن بالدم في سبيل الوطن ونجاح الثورة".
هكذا يمكن القول أن الفنانين اشتريا أنفسهما من الثورة من طريق السفير السعودي الذي نجحت مهمته بالتأكيد بدليل انقلاب العلاقة بين عبد الوهاب وأم كلثوم والثورة إلى علاقة حب.
وهذا لا ينفي إطلاقاً عبقرية كل منهما، وحلاوة ما أبدعاه للثورة في ما بعد...
علاقة أم كلثوم بالعهد الملكي لم تقتصر على أغنيتها للملك فاروق في الحفلة التي أحيتها في النادي الأهلي ليلة عيد الفطر 17 أيلول سبتمبر 1944، التي حضرها الملك فاروق حيث انعم على أم كلثوم بنيشان ? وسام ? الكمال. ففي وصلتها الثانية غنت أغنيتها الشهيرة"يا ليلة العيد"التي أصبحت لازمة كل عيد. دخل الملك فاروق إلى الحفلة أثناء الأغنية فغيرت من كلماتها لتذكر اسم فاروق:"يا نيلنا ميتك سكر وزرعك في الغيطان نوّر.. يعيش فاروق ويتهنى ونحي له ليالي العيد".. كما غنت للملك فاروق في أغنية"حبيبي يسعد أوقاته"في الحفلة ذاتها وفيها:
"الليلة عيد ع الدنيا سعيد.. عز وتمجيد لك يا مليكي"..
وبعد انتهائها من الغناء استدعاها الملك ليصافحها فقبلت يديه، وأبلغها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي بالإنعام عليها بنيشان الكمال من الدرجة الثالثة. فهرع الصحافي مصطفى أمين إلى الميكروفون ليذيع نبأ منحها الوسام، فتقدمت أم كلثوم إلى الميكروفون وشكرت الملك على هذا الإنعام. ليس ذلك فقط، بل ذهبت في اليوم التالي، صباح أول أيام عيد الفطر، على رأس وفد من نقابة الموسيقيين بصفتها كانت النقيب، إلى القصر الملكي في عابدين لشكر الملك على إنعامه السامي.
بعد 23 يوليو 1952 حذف اسم فاروق من الأغنيتين، لكن هذه القصة تلقي ضوءاً على علاقة أم كلثوم بكل من الملك فاروق ومصطفى أمين. حذف اسم الملك أخف كثيراً مما فعلت الإذاعة المصرية عقب ثورة يوليو بأغنية أخرى لأم كلثوم اسمها"مبروك لسموك وسموه"غنتها في فرح الأميرة فوزية وشاه إيران، فقد تخلصت منها الإذاعة ضمن مجموعة كبيرة من التسجيلات النادرة منها خطب الملك فاروق وزعماء مصر السياسيين قبل الثورة. وباعها أحدهم في وكالة البلح، وهي سوق شعبية في القاهرة للسلع المستخدمة، كما ذكر ذلك الإذاعي وجدي الحكيم في حديث إلى صحيفة"المصري اليوم"بتاريخ 28/3/2008.
أما محمد عبد الوهاب فقد تربى في بيت أمير الشعراء احمد شوقي الذي عمل في حاشية القصر الخديوي ثم الملكي في مصر، واشتهر عبد الوهاب قبل الثورة بلقب مطرب الملوك والأمراء، لذا كان من الطبيعي أن يغني للملك أغنية الفن التي أشار إليها الطبيشي في رسالته، وهي من تأليف صالح جودت وجاء فيها:"الفن مين انصفه غير كلمة من مولاه. والفن مين شرفه غير الفاروق ورعاه". كما غنى عبد الوهاب قصيدة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي لصالح جودت أيضاً. أدى عبد الوهاب القصيدة على العود فقط بعنوان"أنزلت آية الهدى". الطريف أن هذه القصيدة منعت من الإذاعة في عهد الملك نفسه. ويقال أنها منعت بسبب آخر بيت فيها:"إن فاروق من هواك وطينك". وهناك رأي آخر بأنها منعت بسبب البيت الثاني الذي يخاطب فيه الملك فاروق قائلاً:"فإذا الشرق كله طور سينك". وبالطبع منعت القصيدة نهائياً بعد قيام الثورة.
أم كلثوم والسفارة السعودية
لماذا اهتم الملك عبد العزيز بإنقاذ أم كلثوم وعبد الوهاب من مصير مؤلم لهما كانت ستوقعه بهما حكومة ثورة يوليو؟
بالطبع، لسبب عام يكمن في شهرتهما وموهبتهما وعطائهما الفني العربي الشديد التميز. لكن، يبدو أن هناك سبباً خاصاً مع ذلك. إذ كانت أم كلثوم مقربة من السفارة ? وكان يطلق عليها الوكالة أو المفوضية - السعودية في القاهرة في ذلك الوقت، فلقد اعتادت تلقي الدعوات من السفارة، مثل الدعوة الموجهة إليها من"فوزان السابق"، ولم يذكر منصبه عليها، الى العشاء يوم السبت 6/4/1953 بدار المفوضية. واستمرت علاقة أم كلثوم بشخصيات سعودية بعد ذلك، منها صداقتها مع الأمير الشاعر عبد الله الفيصل آل سعود ابن الملك فيصل وحفيد الملك عبد العزيز، الذي توفي في 8 أيار مايو 2007 عن خمسة وثمانين عاما. غنت أم كلثوم من كلماته قصيدتين:"ثورة الشك"عام 1962 و"من أجل عينيك"عام 1971 وهما من تلحين رياض السنباطي.
وبين الوثائق رسالة نادرة بخط يد الأمير الشاعر أرخها بالتاريخ الهجري"25/1/1393"ويقابل عام 1973 ميلادي، كتبها رداً على رسالة كانت قد بعثت بها إليه أم كلثوم وهي"منحرفة المزاج"و"منحرفة الصحة".
رسالة الطبيشي الى محمد نجيب
"وزارة الخارجية
وكالة المملكة العربية السعودية بمصر
عدد الاول
القاهرة في 4-6-1953
بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة القائد العام للثورة المباركة الرئيس / محمد نجيب حفظه الله
بعد موافقة جلالة الملك عبد العزيز على التدخل في هذا الموضوع كلفنى بطريقة غير رسمية اخباركم بهذا الموضوع القاس جدا والذى قد علمنا انه سوف يتخذ عليه قرار قريبا من مجلس قيادة الثورة وهو مصادره اموال الاستاذ / محمد عبد الوهاب والسيدة / ام كلثوم وتحديد الاقامة لهم وذلك كما يقول التقرير انهم كانوا مقربين من العهد البائد وعلى الاخص ان للاستاذ عبد الوهاب له غنوة خاصة للملك ويطلق عليها اسم الفن وكانت خاصة للملك السابق وان السيدة ام كلثوم لها غنوة باسم حبيبى يسعد اوقاته وهى ايضا خاصة للملك السابق وانهم يدينون بالولاء له الى الآن ولذلك كان هذا القرار الذى ذكرناه فى السابق
سيدى الرئيس ليس تدخلا فى اى قرار يكون فى صالح الأمة ولكن هو لرأى ومشوره فان هذا الموضوع سيكون له اثر بالغ القوة على الشعوب العربية والمصرية خاصة ويعطى انطباع سئ جدا عن الثورة واهدافها المقدسة
سيدى لقد حضر عندى كل من الاستاذ محمد عبد الوهاب والسيدة ام كلثوم وقالو هل كان لدينا او لغيرنا اتخاذ قرار حر فى ذلك الوقت لقد كان يفرض علينا الامر فرضا ولا كنا نستطيع ان نرفض اننا الان قلبا وقالبا مع الثورة المباركة ونحن على استعداد للتنازل عن جميع الهدايا الذهبية والمجوهرات التى اخذناها فى ذلك العهد وذلك عن طيب خاطر واننا على استعداد للتبرع ليس بأعمال ولكن بالدم فى سبيل الوطن ونجاح الثورة وبعد
"سيدى الرئيس لقد كتب كل واحداً منهم رسالة بهذا الكلام بخط يده عندى هنا ولكن اشرت عليهم بأن اتدخل مباشرة لأنى اعرف مدى حبك واخلاصك للبلد واخيراً هذا كل شئ كما ذكرت لسيادتكم اول امس وقلت لى اريد ان اعرف الموضوع كله وشكراً
محمد الطبيشى"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.