إلى محرر صحيفة "الحياة" بتاريخ 23 شباط فبراير قمتم بنشر مقالة موقعة من قبل الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري تحت عنوان"عزل القبارصة الأتراك لا يخدم السلام والأمن"، ما اضطرني لأن أبعث إليكم هذه الرسالة آملاً أن تتكرموا بنشرها، لمنفعة القراء ورغبة في وضع المعلومات الموضوعية تحت تصرفهم. في البداية يجب الإشارة الى أن مقالة الدكتور التويجري مثقلة بالانتقائية المتحيزة في تناول الحقائق وعرض المجادلات. علاوة على ذلك، يخفق الدكتور التويجري في الكشف عن معلومات واقعية مهمة تمكّن القراء من البت في الموضوع. في الستينات من القرن الماضي وتحديداً في عام 1963، عندما بدأت"مأساة هذا الشعب أي القبرصي التركي"التعبير الذي استخدمه الدكتور التويجري، رفض الأعضاء الأتراك في مجلس النواب في جمهورية قبرص الميزانية المقررة، مما أدى إلى شلّ عمل الدولة. قرر الرئيس مكاريوس حينها أن يتقدم بمقترحات إلى نائب الرئيس وهو قبرصي تركي لإجراء تعديلات دستورية طالباً منه دراستها. وعلى الرغم من أن هذه المقترحات كانت تهدف إلى إزالة بعض أسباب الاحتكاك بين الجاليتين اليونانية والتركية والعقبات التي كانت تقف في وجه العمل السلس ومهام تطوير الدولة، فإن حكومة أنقرة عارضتها بشكل تام، حتى قبل أن تتم دراستها من قبل القبارصة الأتراك. وقد تبعت قيادة القبارصة الأتراك هذا المنحى. وفي كانون الأول ديسمبر 1963 زادت حدة التوتر عندما رفضت عدة مركبات شرطة مستخدمة من قبل رجال شرطة قبارصة أتراك، مشكوك بتورطها في توزيع أسلحة، الخضوع لتفتيش حكومي. في كانون الأول ديسمبر 1963 اندلعت اشتباكات مسلحة في قبرص. دعت زعامة القبارصة الأتراك علناً إلى تقسيم الجزيرة. وتخلى رجال الشرطة والموظفون القبارصة الأتراك الحكوميون عن مناصبهم بشكل جماعي في حين هددت أنقرة بالغزو. في مواجهة هذا التهديد الخطير جداً والموجه ضد كيان الجمهورية ذاتها، حاولت الحكومة احتواء التمرد ولكنها لم تتمكن من ان تعمل إلا القليل لمنع المدنيين المسلحين من كلا الجانبين من الاشتراك في الاشتباكات. وشاب العنف الطائفي النزاع اثر الحالات التي لم يتمكن فيها المقاتلون غير النظاميين من التمييز بين المقاتلين الآخرين والأفراد العاديين من عامة الشعب، مما أدى إلى وقوع خسائر في أرواح المدنيين في كلتا الجاليتين. واستغلت القيادات القبرصية التركية القومية هذه الأحداث المأسوية، ولكن المعزولة، في دعايتهم القائلة بأنه لا يمكن للجاليتين العيش معاً، على الرغم من أن هذه القيادات كانت تتحمل مسؤولية كبيرة في الوضع السياسي المتأزم. وانسحب عدد كبير من القبارصة الأتراك نحو جيوب سكنية، لا سيما نتيجة للعداوات التي تفاقمت ولكن في الغالب بسبب نشاطات قياداتهم القومية التي سعت إلى فرض تقسيم الجزيرة على أرض الواقع. وبالقيام بذلك انقلبت الزعامة القبرصية التركية القومية المتشددة ضد أفراد جاليتها الذين ساندوا التعاون بين الجاليتين. ووجدت تركيا الذريعة لفرض خططها التقسيمية ضدّ قبرص اثر انقلاب 15 تموز يوليو 1974 والذي ارتكب من قبل زمرة أثينا العسكرية ضدّ حكومة الرئيس مكاريوس المنتخبة. ففي 20 تموز انخرطت القوات المسلحة التركية في غزو شامل ضد قبرص. ورغم أن الغزو كان انتهاكاً لكلّ قواعد المشروعية الدولية، بما في ذلك ميثاق الأممالمتحدة، فقد مضت تركيا في احتلال الجزء الشمالي للجزيرة وتفريغه من سكانه القبارصة اليونانيين. وهكذا قتل الآلاف من القبارصة اليونانيين. ووقع 36 في المئة من أراضي جمهورية قبرص والممثلة آنذاك لحوالى 70 في المئة من القوة الاقتصادية للبلاد تحت احتلال الجيش التركي، وتحول ثلث القبارصة اليونانيين إلى لاجئين في ديارهم، وهم إلى هذا اليوم يلاقون المنع من قبل سلطات الاحتلال التركية للعودة إلى ديارهم. وفي محاولة لتغيير التركيبة السكانية للبلاد عمدت أنقرة إلى جلب أكثر من 160,000 مستوطن من الأناضول التركية إلى قبرص. ونظراً لواقع الهجرة الجماعية للقبارصة الأتراك خارج المنطقة المحتلّة، فإن العدد الكليّ للقوّات التركية والمستوطنين الأتراك هناك بات أكبر من عدد القبارصة الأتراك المتبقين. أما بخصوص"العزلة الاقتصادية"في المنطقة المحتلّة، فإن الدكتور التويجري يهمل حقائق أساسية وهامّة. فقد تم اختلاق خرافة العزلة هذه لمجرد إضافة حجة دعائية جديدة إلى الطرف التركي. فمنذ افتتاح نقاط العبور في 2003، ازداد معدل دخل الفرد القبرصي التركي ثلاثة أضعاف. كما أن حكومة جمهورية قبرص عمدت بشكل منهجي إلى تعزيز التواصل والتجارة والخدمات الأخرى المقدمة إلى مواطنينا القبارصة الأتراك. هذا يتضمن افتتاح العديد من نقاط العبور عبر"الخط الأخضر"، الأمر الذي مكن من تسجيل أكثر من 10 مليون حالة عبور منذ 2003، كما عمل آلاف القبارصة الأتراك في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة وتم إصدار جوازات سفر قبرصية لكل من له الحق في ذلك، الأمر الذي منح لحامليها حرية السفر غير المشروط إلى كل بلدان الإتحاد الأوروبي. ويمكن هنا ذكر عامل إضافي هام آخر يعكس مقولة العزلة الاقتصادية للقبارصة الأتراك وهو صرف حكومة قبرص مبلغ 26,000,000 يورو، خلال السنة الماضية، كخدمات طبية ورواتب تقاعدية لحساب القبارصة الأتراك. وتبلغ المساهمة الكليّة لحكومة قبرص في رفاهية القبارصة الأتراك 40,000,000 يورو. في مقالته المذكورة يدعو الدكتور التويجري العالم الإسلامي لممارسة ضغوط على المجتمع الدولي"من أجل إنصاف هذا الشعب الشقيق"وبالطبع تحقيق الاعتراف به. أنا متأكد بأن الدكتور التويجري مدرك تماماً بأن ما يسمي"جمهورية شمال قبرص التركية"كيان انفصالي غير شرعي معلن من طرف واحد في 1983، وهو ما تمت إدانته مراراً وتكراراً من قبل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي باستثناء تركيا فقط. وتحديداً فإن قراري مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 541 1983 و550 1984، ناشد كل الدول احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية قبرص وأن لا يتم الاعتراف بأية دولة أخرى في قبرص عدا جمهورية قبرص. في الواقع، إن الدول العربية والإسلامية، مثل بقية دول العالم ملزمة بقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. أنا واثق بأن الدول العربية سوف لن تمضي نحو أي نوع من أنواع رفع مكانة هذا الكيان غير الشرعي الموجود في شمال قبرص لأن ذلك سيقوض الجهود المبذولة نحو إعادة توحيد قبرص، وفي نفس الوقت سوف يخلق سابقة سيئة. أنا مقتنع أيضاً بأن العالم الإسلامي سيأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الاعتراف بالاحتلال الذي جرى باستعمال القوة والطرد القسري للقبارصة اليونانيين من ديارهم لا يمكن عدّه ممارسة مقبولة وفق القانون الدولي، خصوصاً أن العالم العربي لن يصعب في رصد حالات مماثلة في نزاعات إقليمية وعالمية أخرى. أخيراً، يجب التأكيد هنا بأن القبارصة اليونانيين لدى تصويتهم في استفتاء 2004 لم يرفضوا إيجاد حل لمشكلة قبرص، وهو بالتأكيد هدفهم الأساسي، وإنما رفضوا وثيقة لم تكن متوازنة، كما رفضوا خطة لم تتوافق مع مصدر قلقهم الأساسي المتمثل في موضوع الأمن وفاعلية وقابلية مثل تلك التسوية للحياة. إن حكومة قبرص ملتزمة بتوحيد قبرص في فيدرالية مؤلفة من منطقتين وجاليتين، كما هو وارد في الاتفاق المعقود بين زعيمي الجاليتين في 8 تموز 2006، والذي سيسهم تطبيقه كثيراً في الجهود المبذولة للتوصل إلى حل. وفي الختام، أرجو أن يتم نشر النقاط التي طرحتها أعلاه في صحيفتكم بغرض تقديم المعلومات الموضوعية إلى القراء وأرجو أن لا تترددوا في الاتصال بالسفارة من أجل أية معلومات إضافية أو توضيح. * سفير جمهورية قبرص في قطر