سافرت مرات عدة إلى الكويت. نشأت بها طفلاً، وحين زرتها شاباً وجدتها مختلفة اختلافًا يجعلك تمعن النظر في هذا البلد الصغير. كانت أماكن الترفيه والسياحة فيها محدودة.. لكن يبقى لها إرث لا تنافسه فيها أية دولة عربية أخرى هو الإرث الثقافي. كانت دعوة كريمة تلقيتها من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت لحضور فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب. لم أكن أتوقع أن يكون بهذا المعرض أربعمئة ناشر، وآلاف الزوار. استوقفني فيه أن القوة الشرائية آتية من القراء وليس من المؤسسات والجامعات والمكتبات العامة، ما يعني وجود وعي لدى المواطن الكويتي والمقيمين في الكويت بأهمية الثقافة والعلم، وهذا ما تلحظه في تنوع اصدارات الكويت من"عالم المعرفة"إلى"عالم الفكر"إلى"المسرح العالمي"ومجلة"فنون"ودرة العرب الثقافية مجلة"العربي". لكن أبرز ما يمكن للزائر أن يقوم به في الكويت سياحة التسوق، سواء عبر سوق السالمية الذي سرعان ما ستكتشف فيها قاعة بوشهري للفنون التشكيلية. وكانت مفاجأة مذهلة لي أن أعثر في بداية السوق على معرض جميل للفنان الكويتي الشهير جعفر إصلاح، فالسوق تخترقها الثقافة بلوحات تمثل قضايا إنسانية كلوحة الألغام الملعونة التي تعود لسنة 1991، أو شعور إنسان متفاعل مع الطبيعة مثل لوحة غروب في راجستان التي تعود لسنة 2004، أو اضطراب مفهوم العائلة كلوحة الأسرة. أما إذا كنت من عشاق الرياضات البحرية فلا شك بأن مارينا الكويت ومارينا الأحمدي هما وجهتك الأولى. مارينا الكويت التي اقيمت حديثاً، تمتاز بخليج خاص يضم أصنافاً من اليخوت تجعلك تصنفها كالورود والزهور، كما ستنقلك مطاعمها بين حضارات شتى لكن تبقى أسماك الخليج هي الأكثر إقبالاً من قبل زوار الكويت. لكنني ذهبت إلى دار الآثار الإسلامية، هذه الدار التي أنشأتها وترعاها الشيخة حصة الصباح. إنها غنية بقطع فنية إسلامية، بعضها من النوادر، خصوصاً المجموعات المملوكية والعثمانية والمغولية والإيرانية. هذه القطع يجول بعضها في معارض في فرنسا وبريطانيا ومصر وغيرها من الدول. غير أن أكثر ما يستوقفك هو دكان المتحف الذي تجد فيه مطبوعات متنوعة اللغات وهدايا تذكارية تشدك شدًا لشرائها. تمتاز الدار عن غيرها من المتاحف العربية بكونها ذات حركة مستمرة، فهناك معارض ذات موضوعات محددة تجذبك باستمرار، أو محاضرة لعالم في موضوع طريف تجعلك تجلس لساعتين مستمتعًا بعرضه لموضوعه، أو رحلات مدرسية ترى الأطفال فيها يتشربون جرعات من الحضارة والثقافة بصورة مركزة ومدروسة. وتنظم دار الآثار الإسلامية رحلات إلى الأماكن الأثرية في الكويت. كانت هذه زيارتي الأولى أيضاً لجزيرة فيلكا، أشهر وأقدم موقع اثري في الكويت. وهي جزيرة مثلثة الشكل مساحتها أربعة وعشرون كيلومتراً ويرجع أقدم ما عثر عليه فيها إلى العصر البرونزي. وعبر عبارة من شاطئ مدينة الكويت تصل الجزيرة لتشاهد على ساحلها بقايا حضارة دلمون التي تعود إلى 3000 قبل الميلاد. كانت فيلكا في ذلك العصر تقوم بدور تجاري بين بلاد الرافدين والهند. اكتشف موقع حضارة دلمون بالجزيرة مزارع كويتي منذ ما يزيد على الستين عاماً حين عثر على نقش صخري، وفي الجزيرة مواقع أثرية هيلينية ورومانية، وعثر فيها على صحن إسلامي يعود إلى 300 سنة وهو مربع الأضلاع. وعبر شوارع فيلكا القديمة تستعيد ذاكرة الكويت التاريخية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ذاكرة تنعشك بلافتات الترحيب من الفنادق. وفي رحلة عودتي شاهدت أبراج الكويت الشهيرة التي فازت بجائزة الآغاخان للعمارة وصارت معلماً من معالم الخليج العربي... رحلة قصيرة لكن مليئة بالكثير، ففيها يستكشف الإنسان طبائع البشر وكينونة المكان وروح التاريخ وتنوع وتفرد كل بلد عن غيره.