وزير الدفاع يبحث مع نظيره البوركيني التطورات    القضية المركزية    توجيه بسحب الأوسمة ممن يفصل من الخدمة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    الهلال يتطلع للحسم أمام الأهلي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    هيئة الشورى تقر إحالة عدد من التقارير والموضوعات    تقويم لائحة الوظائف والنظر في المسارات والفصول الثلاثة.. ماذا تم..؟    ثلاثة آلاف ساعة تطوعية بجمعية الصم بالشرقية    أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر «المروية العربية»    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح    البنك السعودي الأول يسجل ملياري ريال سعودي صافي دخل للربع الأول    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    رؤية المملكة 2030 في عامها الثامن    القيادة تهنئ ملك هولندا    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    شاركني مشاكلك وسنبحث معاً عن الحلول    (800) منتج وفرص استثمار.. الرياض تستضيف أكبر معرض لصناعة الدواجن    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    مهرجان الحريد    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    العوفي يحتفل بزفاف نجله حسن    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    60 طالباً وطالبة يوثقون موسم «الجاكرندا» في «شارع الفن» بأبها    أبها تستضيف أول ملتقى تدريبي للطلاب المشاركين في برنامج الفورمولا 1 في المدارس    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    وصول التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" إلى الرياض    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    على واقع المظاهرات الطلابية.. أمريكا تعلق شحنة أسلحة لإسرائيل    رونالدو يسجل أرقام قياسية بعد الهاتريك    أجواء "غائمة" على أجزاء من 5 مناطق    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"إرهاب" بين ببنين وطرابلس ومخيمي البداوي وعين الحلوة . "فتح الإسلام" اخترقت "بيئة معادية" وجوهر ليس العقدة الوحيدة في الخلية المستحدثة 1 من 2
نشر في الحياة يوم 07 - 11 - 2008

زائر طرابلس متقصياً خلية"فتح الإسلام"التي كشفتها الأجهزة الأمنية أخيراً والتي من المرجح ان تكون وراء التفجيرات الأخيرة التي استهدفت الجيش اللبناني، لن يتمكن من اتمام مهمته من دون التخفف من دعوتين تتنازعانه: الأولى ما يروج له حلفاء سورية في لبنان لجهة القول بأن تنظيم"القاعدة"متفشٍ في البيئة الشمالية اللبنانية، وما تنظيم"فتح الإسلام"إلا أحد فروعه، وان قنوات تمويل ورفد بالمقاتلين والمشايخ انشئت بين هذا التنظيم وبين الشبكة الأم في افغانستان والخليج والعراق، الى ان يخلص أصحاب هذه الدعوات الى ان التفجيرات في لبنان منذ اغتيال الحريري الى اليوم انما هي من صنيعة هذا التنظيم وفروعه وشبكاته، وهي مقولة ثابتة منذ اغتيال الحريري بذلت من اجل ترويجها جهود وأنشئت لغة واقيمت صحف، أما الدعوة الثانية التي يجد المرء نفسه مضطراً الى التخفف منها ايضاً فهي تلك التي يجهد خصوم سورية في لبنان الى اعتبارها الحقيقة الثابتة، والتي تتمثل في ان لا أثر ل"القاعدة"في لبنان وان سورية وحلفاءها يتولون إنتاج صيغ محلية لهذا التنظيم، وما"فتح الأسلام"الا واحدة من عدة تنظيمات"فبركتها"الاستخبارات السورية ودفعت بها الى لبنان بهدف إحداث فوضى وتضليل التحقيق.
والدعوة الى التخفف من هذين الاعتقادين أو الدعوتين ليست فقط شرط التقصي الهادىء والهادف الى الاقتراب من الحقيقة، إنما هي أيضاً دعوة الى القول بأن واحدة منهما لا تنفي الثانية، وان العناصر التي تثبت الواحدة تعزز الثانية ايضاً. والقول بأن ثمة بيئة لتوطن"القاعدة"لا يعني اطلاقاً تبرئة للنفوذ السوري في شمال لبنان مما جرى ويجري فيه. ويبدو ان الحقيقة هي في منطقة الاشتباك بين القائلين بنقاء تلك البيئة وبين متهميها ومجرميها.
الوقائع الطرابلسية تؤكد على قدر ما تنفي هاتين الدعوتين، اللتين اذا ما كانتا حدي المعرفة والحقيقة، حولتا الأشخاص المعنيين الى ملائكة وشياطين في آن. فذلك الرجل الفقير والمتعب في منطقة الزاهرية الشعبية في مدينة طرابلس والذي قال ان المتفجرة التي استهدفت الجيش اللبناني في ساحة التل في المدينة،"انما قتلت ابناءنا الذين لا يرضي مقتلهم الله ولا يمكن ان يقبل مسلم به"، هذا الرجل قال ان ابنه البالغ من العمر 20 عاماً كان ليذهب الى القتال في العراق وبرضا والده لولا ان الوسيط الذي وعده بإتمام ذهابه الى هناك غادر المدينة ولم يعد. وهو أي الوالد، يورد حكاية ابنه في سياق ادانته"فتح الأسلام"التي تقاتل الجيش اللبناني في وقت يحتل فيه الأميركيون العراق. وهو ايضاً يورد الحكاية مستغرباً إقدام احد ابناء محلته على الانخراط في شبكة تابعة ل"فتح الإسلام".
هذا الرجل هو بعينه من يقصده خصوم سورية في لبنان عندما يقولون ان"القاعدة"خارج أمزجة سكان الحزام الشرقي لمدينة طرابلس الشمالية، وهو ايضاً من يعنيه حلفاؤها عندما يشيرون الى تفشي الفكر السلفي الجهادي في هذا الوسط الاجتماعي والطائفي. ولكن لنفترض ان صاحبنا تمكن من ارسال ابنه الى العراق، ولنحاول ان ندقق بدافعه الى ذلك وايضاً بالطريق الذي سلكه الأبن وصولاً الى العراق. ففي ما يتعلق بالدافع تصح الفرضية الأولى حول وجود بيئة مستقبلة للدعوات"الجهادية"التي تعزز ادعاءات حلفاء سورية، اما في ما يتعلق بالطريق فتصح فرضية الدور السوري في انتاج هذه الشبكات، اذ ان الجميع في لبنان يعلم ان طريق"الجهاديين"الى العراق ليست سوى سورية، لا بل ان وصولهم الى هناك لن يحصل من دون تسهيلات منها.
اذاً المشكلة تكمن في تواطؤ العاملين وفي تضافرهما لانتاج"فتح الإسلام"وغيرها من النسخ"القاعدية". هنا تحقيق يحاول تقصي الخلية التي اكتشفت ل"فتح الأسلام"وذلك على هدي افتراض ثالث مفاده ان"القاعدة"ما عادت شبكة متماسكة، وانما هي اليوم اسلوب عمل وتفكير، يمكن للجهات والدول توظيفها واختراعها مستفيدة من احوال المجتمعات وأهوالها.
قبل أيام من حلول عيد الفطر في أيلول سبتمبر الفائت وصلت دورية للجيش اللبناني الى بلدة ببنين في عكار واعتقلت صهر قائد خلية"فتح الإسلام"التي اكتشفت أخيراً عبدالغني جوهر، بعد أن كان اشترى من عبدالغني هاتفه الخليوي الذي استعمله الأخير في اتصالات أعقبت عمليتي التفجير اللتين استهدفتا الجيش اللبناني في طرابلس.
كان عبدالغني في حينه في منزله المجاور لمنزل صهره وابن عمه الذي اوقفه الجيش، وعلم افراد عائلته ان سبب اعتقال ابن عمه هو الهاتف الذي اشتراه منه. ويقول والد عبدالغني انه ومن تلك اللحظة طلب من ابنه البقاء في المنزل ريثما يأتي الجيش لتوقيفه، لتنجلي الحقيقة، لكن عبد الغني وبحسب والده قرر الانتقال الى طرابلس والإقامة في منزل شقيقته هناك، التي كانت قد انتقلت للعيش في منطقة باب التبانة مع زوجها الذي لم يكن مضى شهر على زواجها منه.
غادر عبدالغني جوهر منزل ذويه في ببنين عكار، ولكنه بقي يتردد إليه بين الحين والآخر، الى أن حل عيد الفطر وكانت زيارته الأخيرة الى منزل الأهل حيث وصل صباحاً وتوجه مع ذويه الى مقبرة البلدة، وهو تقليد يباشر به المسلمون في تلك المنطقة العيد قبل أن يلتئموا في لقاء عائلي يُتوج بوجبة غداء، غادر بعدها عبدالغني الى طرابلس. وبعد يومين من ذلك وصلت الى منزل العائلة في ببنين دورية معززة للجيش اللبناني وطلبت من العائلة تسليمها عبدالغني. وبعد ان بحثت وفتشت في المنزل الأسمنتي غير المطلي المبني على قارعة الشارع في حارة العين، ابلغ الوالد قائد الدورية ان ابنه يقيم عند شقيقته في باب التبانة في طرابلس.
في باب التبانة كانت الرواية مختلفة تماماً، إذ وما ان وصلت القوى الأمنية الى جوار المبنى الذي تقيم فيه الشقيقة حتى لاحظت الأخيرة الأمر وهرعت لتبلغ شقيقها عبدالغني بوصول الدورية الى الجوار، فما كان منه إلا ان هرب فوراً تاركاً شقيقته وصهره اللذين أوقفا. وفي المعلومات ان المنزل الذي انتقلا للإقامة فيه في التبانة إنما استأجره لهما عبدالغني العاطل من العمل والذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره. وفي المسافة بين ببنين في عكار وباب التبانة في طرابلس والتي لا تتجاوز الثلاثين كيلومتراً، تلك المسافة التي قطعها عبدالغني في الشهرين اللذين سبقا تواريه عشرات المرات، وقائع كثيرة مما خبأته خلية"فتح الإسلام"التي أعلن عن كشفها وعن إنها وراء التفجيرات الأخيرة التي استهدفت طرابلس والشمال اللبناني في أعقاب انتهاء معارك نهر البارد.
المصادر الأمنية اللبنانية كشفت ان الخلية التي"يتزعمها"عبدالغني جوهر مؤلفة من ثلاثة مركّبات لبنانية وفلسطينية وسورية، ومجالات نشاطاتها توزعت بين ببنين في عكار وأبي سمرا والتبانة في طرابلس ومخيمي البداوي في شمال لبنان وعين الحلوة في جنوبه للاجئين الفلسطينيين. وفيما أشارت مصادر الى أن عدد الموقوفين في القضية بلغ نحو 24 شخصاً وعدد الفارين نحو 11 لم تنف القوى الأمنية صحة هذه المعلومات لكنها لم تؤكدها.
ويبدو ان عبدالغني جوهر كان"رأس العنقود"الذي انعقدت حوله الخلية، لكن من بين من وردت أسماؤهم في الملف ومن بين من أوقفوا أو ما زالوا ملاحقين من هم اكبر عمراً وربما أوثق ارتباطاً منه في ما يسمى"فتح الإسلام"، إذ من بينهم أئمة مساجد وأعضاء في مجموعات إسلامية سبق ان وردت أسماؤهم في ملفات أخرى.
ترجح المصادر الأمنية اللبنانية ان أفراد الخلية جُنّدوا بعد انتهاء المعارك في مخيم نهر البارد في أيلول 2007 والتي نشبت بين الجيش اللبناني وبين تنظيم"فتح الإسلام". علماً ان بلدة ببنين في عكار، والتي من بين أبنائها 4 على الأقل من أفراد الخلية، لا تبعد أكثر من كيلومترين عن المخيم، ومن بين أبنائها 12 جندياً من الجيش اللبناني قتلوا أثناء مشاركتهم في المعركة ضد"فتح الإسلام". وافتراض ان تجنيد هؤلاء تم بعد معارك البارد يعني ان المعارك لم تفض الى القضاء على هذا التنظيم، وأن ناشطين فيه ما زالوا يملكون قدرات على اختراق معاقل وبيئات من المفترض أن تكون معادية لهم وقدمت عشرات من القتلى في معارك ضد هذا التنظيم.
القائد المفترض للخلية الفار عبدالغني جوهر لم يكن على الأرجح من عناصر"فتح الإسلام"إبان معاركها في عام 2007 مع الجيش اللبناني كما تؤكد المصادر الأمنية اللبنانية، وأيضاً بحسب ما تؤشر إليه سيرته التي تعقبتها"الحياة"في بلدته ببنين. وهذا ما يدفع الى الاعتقاد بأن عقداً مخفية ما زالت تلابس الطريقة التي تمكن"فتح الإسلام"من الوصول عبرها الى أفراد الخلية، وان ثمة من هم أهم من عبدالغني.
الذين أوقفوا من بلدة ببنين كثر ولكن يبدو ان من بينهم أربعة شبان تعتبرهم الأجهزة الأمنية أفراداً في الخلية، وهم إضافة الى الفار عبدالغني جوهر، رزان الخالد وإسحاق السبسبي وشقيقه امامة، وهؤلاء الثلاثة لم تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، وهم تلامذة في صف الثالث ثانوي في المدرسة الرسمية في ببنين، ويرجح أن يكون عبدالغني من تولى تجنيدهم بسبب علاقته بهم في المدرسة التي تخرج فيها منذ اكثر من سنتين.
عبدالغني من عائلة يبلغ عدد أفرادها اثني عشر ابناً وابنة، إضافة الى والده الذي كان يعمل صياد سمك ووالدته التي تعمل حارسة للمدرسة الرسمية في ببنين. هو الابن السابع لوالديه والرابع بين الذكور. كما انه الابن الذكر الأول الذي تابع تحصيلاً علمياً أوصله الى الجامعة، التي فضل عليها الالتحاق بمعهد مهني عالٍ في منطقة القبة في طرابلس نال فيه شهادة TS في العلوم المخبرية. وعبدالغني بحسب زميل له في المدرسة في ببنين كان الى الصف الثانوي الثاني شقياً ولم يعرف عنه التزام دينً، الى أن أصابه تحول سريع في السنة الأخيرة له في المدرسة، إذ لاحظ زملاؤه في المدرسة تبدلاً في طباعه وهدوءاً"داهمه"بحسب أحد شيوخ البلدة. وأعقب هذا الهدوء نجاح في الامتحانات الرسمية، ثم بداية تدين مترافق مع التزام بالملابس الشرعية. كان هذا في نهاية عام 2006. ولا يبدو أن ثمة رواية متماسكة عن سر هذا التحول، فالتردد الى المسجد ليس في ببنين إشارة الى تحول جوهري، إذ يقدم على ذلك معظم شبان البلدة. وصحيح ان عبدالغني استبدل مسجده الذي كان يتردد عليه بآخر هو مسجد الإصلاح في ببنين، الذي بقي لفترة بلا إمام بعد ان تركه إمامه بسبب خلافات مع العائلة التي بنته، ولكن هذا الانتقال لم يرتبط بوقائع يذكرها أبناء البلدة عن ابنهم. أما اللافت فيه فهو تردده عليه في فترة خلوه من إمام له، ما يدفع الى استعادة وقائع مرتبطة باستفادة حملة الأفكار"الجهادية"من المساجد الخالية من سلطة إمام او شيخ وتحويلها مركزاً لدعواتها ولاتصالاتها، ولكن يبقى هذا في حالة عبدالغني في مجال التوقع والاستنتاج.
ببنين من اكبر بلدات عكار ويتراوح عدد سكانها بين 33 و35 الفاً جميعهم من أبناء الطائفة السنية، ويعتبر التطوع في الجيش اللبناني أحد ابرز خيارات أبنائها، إضافة الى صيد السمك والأعمال الزراعية. وفي البلدة نفوذ تقليدي واسع لپ"الجماعة الإسلامية"، واليوم يعتبر"تيار المستقبل"الأكثر نفوذاً بين أبنائها. كما ان للنائب السابق المنشق عن الجماعة الإسلامية خالد الضاهر نفوذاً واضحاً في البلدة، علماً انه من ابنائها.
مظاهر التدين التقليدي هي واحدة من العلامات التي يمكن رصدها في ببنين، فالمساجد منتشرة في البلدة، وكذلك اللافتات والوجوه الملتحية والسيدات المنقبات. ومن الواضح ان البلدة فقيرة، والمنازل غير الفقيرة تظهر فيها على شكل أورام غير منسجمة مع تلك البنية العمرانية المتخبطة بفوضى البناء العشوائي، ولكن الفقير والمتداعي.
منزل والد عبدالغني جوهر مثلاً والمؤلف من ثلاث طبقات بني على فترات متباعدة، وتكشف جدرانه غير المطلية والمشققة بعد ان لونتها الرطوبة بذلك اللون الأبيض، تصدعات ناجمة عن تفاوت مراحل البناء وعن هشاشته. ويحمل الوالد أوراقاً تؤشر الى مضابط جزاء حررتها البلدية بحقه بسبب بنائه من دون تراخيص ليؤشر الى الفقر الذي يكابده مع عائلته. فابنه الأول جندي في الجيش اللبناني والثاني يصطاد السمك والثالث يعمل حارساً في بيروت والرابع عبدالغني والخامس كان ما زال طالباً وهو اليوم محتجز لدى الأجهزة الأمنية في أعقاب فرار شقيقه الذي يقيم معه في الغرفة ذاتها في الطابق السفلي من منزل العائلة.
لكن ببنين ومثل كثير من القرى والبلدات العكارية الفقيرة أصاب النفوذ السوري فيها الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود الحياة بمجملها. فتضافر الفقر مع الحياة التقليدية وأضيفت إليه انهيارات أخرى تمثلت في القضاء على البنى السياسية التقليدية، إذ تحول المجتمع العكاري الى صحراء سياسية واجتماعية تجوبها التيارات القادمة من كل حدب وصوب.
لا يمكنك أثناء تجوالك في ببنين إلا ان تشعر بذلك الفراغ، وبانعدام توازن لا تستقيم حياة في ظله. فببنين بلدة الپ"اثني عشر شهيداً للجيش اللبناني في المعارك ضد فتح الإسلام"هي ذاتها البلدة التي اكتشفت فيها الخلية الأولى لهذه الجماعة بعد القضاء عليها في مخيم نهر البارد المجاور. وقبل ذلك ببنين هي بلدة الزعامات التقليدية العكارية من آل العثمان وآل المرعبي، لكن أثر تداعي هذه البيوت انعكس أيضاً انكشافاً اجتماعياً وسياسياً أمام احتمالات لا تنتهي، فمن غير المستغرب أن يسبق خلية جوهر الى"فتح الإسلام"ناشطون آخرون في هذه الجماعة من أبناء البلدة، لعل ابرزهم وليد البستاني الذي القي القبض عليه في بداية المعارك مع"فتح الإسلام"في منطقة الميناء في طرابلس. ولا بد من الإشارة هنا الى ذلك الدور السوري الدائم في كشف هذه البيئة أمام احتمالات لا تنتهي، فهو من تولى توظيفها في مشاريعه لتلك المنطقة.
في ببنين معهد الإمام البخاري الذي يعتبر المعهد السلفي الأول في لبنان لجهة قدمه كما لجهة إمكاناته، وأبناء البلدة يشيرون دائماً الى ابتعاد هذا المعهد عن أي وظيفة سياسية أو دعوية، إذ أن إدارته وأساتذته ينتمون الى التيار السلفي"العلمي"، ثم ان"السلفيين الجدد"من أبناء الدعوة"الجهادية لا يقيمون وزناً للتيار الذي يمثله المعهد. ولكن في بحر المعلومات المتناقضة عن عبدالغني جوهر والتي يتداولها السكان، ان الأخير انتسب لفترة أيام قليلة الى هذا المعهد لكن والده نهاه عن ذلك تحت التهديد بطرده من المنزل. ثم ان المشكلة في تعقب سيرة عبدالغني في ببنين تتمثل في ان البيئة التي من المفترض ان تكون حاضنة للحال الذي صار إليه هي اليوم معادية لها ومستعدة لنسج حكايات ووصلها بوقائع فعلية، خصوصاً أن للإثني عشر شهيداً للجيش اللبناني من أبناء البلدة عائلات مستعدة لپ"شيطنة"عبدالغني. فمن الحكايات التي يمكن ان تسمعها في البلدة سعيه وراء مفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي المقيم في ببنين بهدف اغتياله. أما الحكاية التي رددها اكثر من شخص من أبناء البلدة والتي يبدو أن لها نصيباً فهي انه كان يذهب الى منطقة في خراج البلدة تسمى سد البارد برفقة أصدقائه الذين أوقفوا بعد فراره، وانهم كانوا يقومون هناك ببعض التدريبات على الأسلحة.
لا يكشف التقصي عن عبدالغني في بلدته ما يمكن ان يؤشر الى ما يتعدى مظاهر"التزامه"الديني المستجد، أما تجنيده في"فتح الإسلام"فتحتاج متابعته الى ربطه بأنشطة خارج البلدة باشرها الشاب فور تخرجه في المدرسة والتحاقه بمعهد القبة المهني وباحتكاكه في البيئة الطرابلسية بأشخاص يردون في حكايات أهله ومعارفه على شكل إشارات غير دالة. إذ يقول والده مثلاً انه كان يتردد الى منزل صديق له لا تعرفه العائلة في منطقة أبي سمرا في طرابلس وينام عنده، فيما قال أحد أقاربه إن ابنة شقيقته التي لم تبلغ السنوات الخمس قالت انه اصطحبها يوماً الى منزل خالتها في طرابلس وفي طريق العودة عرج عبدالغني على منزل يقيم فيه رجل بعين واحدة، وهذا ما دفع بعضهم الى الاعتقاد ان عبدالغني زار أحد القادة الفارين لپ"فتح الإسلام"ويدعى أبو عائشة وهو سعودي الجنسية، وترجح أجهزة أمنية لبنانية بأنه مختبئ في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمال طرابلس وبحماية فصيل مرتبط بسورية.
ببنين بلدة عبدالغني تعتبر خاصرة مخيم نهر البارد، وهي تحفظ من تجربتها مع"فتح الإسلام"حكايات الجنود القتلى في معارك البارد، وتحفظ أيضاً حكايات هروب مقاتلي"فتح الإسلام"في اليوم الأخير من المعارك إليها وتسليمها إياهم الى الجيش اللبناني، أما الحكاية الأخيرة فهي تلك التي قضى فيها جندي من أبنائها في تفجير استهدف موقعاً للجيش في منطقة العبدة المجاورة، والتي تم ربطها، وان لم يثبت ذلك بعد، بنشاطات قامت بها الخلية التي يتزعمها عبدالغني.
وبهذا المعنى يبدو ان تلك البيئة وعلى مقدار العداوة التي تكنها لپ"فتح الإسلام"هي في الوقت نفسه منطقة استثمار وتجنيد لهذا التنظيم. ليس ذلك مصادفة بالطبع، انه الاستثمار الطويل الأمد الذي يتيح التهويل بالتطرف في شمال لبنان ويجيد استعماله. وفي مقابل ذلك تخرج صكوك براءة الشمال اللبناني من الإرهاب والتي يحررها خصوم سورية في مقابل اتهام الأخيرة لهذا الشمال، هشة وركيكة وساذجة.
أما براءة ببنين من دم أبنائها، وهي براءة أكيدة، حتى الآن على الأقل، فيعوزها كي تتأكد استكمال حكاية عبدالغني جوهر خارج البلدة وفي المسافة بين بلدته وطرابلس مروراً بمخيم البداوي، وصولاً الى مخيم عين الحلوة الذي تؤكد معلومات الأجهزة الأمنية اللبنانية تولي مجموعة من"فتح الإسلام"تقيم فيه تدريب أعضاء الخلية المكتشفة.
* غداً حلقة ثانية عن خروج الخلية من ببنين وعودتها إليها.
آباء صوفيون وأبناء سلفيون
ما ان باشر والد القائد المفترض لخلية"فتح الإسلام"في ببنين عبد الغني جوهر حديثه عن ابنه الفار حتى لاح طيف والد صدام الحاج ديب قائد خلية الجماعة نفسها في منطقة الزاهرية في طرابلس والذي قتل في أثناء اشتباكه مع الجيش اللبناني قبل اندلاع معارك البارد بأيام قليلة. فما يجمع الرجلين الوالدين كثير على رغم انه ليس نفسه ما يجمع الابنين، ذلك ان ما يجمع الأخيرين ليس"فتح الإسلام"وحدها، انما ايضاً تحدرهما من عائلتين عكاريتين، ومن تشابه في الفقر والبيئة الاجتماعية التي ترافقه، ناهيك عن انهما، أي صدام وعبد الغني، الوحيدان من عائلتيهما اللذين باشرا تعليماً وأنجزا مراحل لا بأس بها منه، ثم انهما خلفا في شقيقين اصغر منهما علامات تأثير لجهة الالتزام بمسار تعليمي، لم يسبق ان التزمه بقية الأخوة الذين تشتتوا في مهن ووظائف قليلة الدخل واحياناً منعدمة، ولا تتطلب مهارات وكفاءات علمية.
لكن الأهم من هذا كله هو ذلك التشابه في أوضاع الوالدين وحتى في سحناتهما، وليس المقصود هنا الفقر والإدقاع فقط، انما ايضاً في بنى ذهنية واعتقادية لا تلامس على أي نحو البنى الاعتقادية للابنين السلفيين. انه التصوف من دون بناه الاعتقادية. التصوف الفطري، والحديث عن شيوخ يزورونهما في الليل وعن منامات يعتقدان بأنها خلف ما حصل لابنيهما. الشياطين التي حلت في أرواح من يحبون، وكائنات شيخية تنير الطريق لهما لكن الأولاد لم يستمعوا اليها. والغريب ان هذا ليس حال والدي صدام وعبد الغني وحدهما، انما ايضاً أحوال آباء عدد من عناصر الشبكات"السلفية الجهادية"التي ضبطت في شمال لبنان. ابن سلفي لوالد صوفي! وعلى ما بين السلفية والصوفية من جفاء وتنابذ تتكرر الظاهرة في طرابلس في شمال لبنان على نحو لافت.
والد عبد الغني جوهر لم يتوقف خلال لقاء تجاوز الساعتين معه عن إرسال إشارات عن شيوخه الذين يزورونه في المنزل، وقال ان ترداده هذا الأمر أمام ابنه عبد الغني كان سبباً لتوتر دائم في العلاقة بينه وبين ابنه، إذ ان الأخير كان يقول لوالده ان ما يردده ليس سوى من علامات الجهل بالإسلام.
لكن الى جانب هذا التوتر في العلاقة بين الأب والابن ثمة مركب آخر لطالما حكم العلاقة بين الآباء"البسطاء"والأبناء الذين ربطتهم بالإسلام قنوات مستجدة على الوعي المحلي. انه شعور الآباء بكفاءة أبنائهم واعترافهم بپ"شيخيتهم"، وشعورهم بالنقص حيال علومهم وإيمانهم، اذ لطالما ردد آباء"المجاهدين"عبارات الإعجاب والإيمان بأولادهم واعترفوا باقتراب الأبناء من"الدين الصحيح".
والد عبد الغني عندما قادنا الى غرفة ابنه الفار دمعت عيناه كأنه في حضرة واحد من شيوخه، على رغم ان عبد الغني ليس من بين هؤلاء وهو لا يطمح الى ذلك. غرفة قليلة الإضاءة وفيها فراشان لعبد الغني ولشقيقه الأصغر، وكتب قليلة وخزانة متآكلة، إضافة الى بعض الملصقات التي تتضمن عبارات دينية عادية."هنا كان ينام"قال الوالد، وكأنه في قوله هذا يدفع عن ابنه التهمة الموجهة اليه.
وما أصاب العائلة بعد فرار الابن ليس سهلاً، فالبلدة كلها متحفزة لمعرفة حقيقة تلك الخلية، وشقيق عبد الغني قال انه توقف عن الذهاب الى صيد السمك منذ شيوع خبر أخيه، إذ ان من قتل من أبناء البلدة في المعارك مع"فتح الإسلام"كانوا كثيرين، ومن غير السهل مواجهة أهلهم وأقاربهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.