حرصت السياسة الخارجية الإسرائيلية، منذ حرب لبنان الثانية، على الإقرار للسياسة الخليجية المعتدلة بدور خاص في معالجة القضية الفلسطينية. والسبب في ذلك هو اعتقاد ايهود أولمرت رئيس الوزراء وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية أن السياسة الخليجية المعتدلة في وسعها وحدها ضمان تسوية سياسية مع الفلسطينيين. فالمبادرة السعودية العربية تشتمل على بنود مهمة مثل تطبيع العلاقات بالعالم العربي، وإنشاء دولة فلسطينية. وتقدر إسرائيل ان في إمكانها الاستفادة من الوضع الاستراتيجي الجديد الناشئ في المنطقة، والآيل الى مواجهة دول عربية وإسلامية المعسكر الذي تقوده إيران. وبعض الدول ينوي الانخراط في المواجهة وبعضها الآخر قد يقيم علاقات استراتيجية بدول المواجهة. وفي هذا الإطار، لا شك في أن الدولة الخليجية البارزة تتصدر مواجهة تهديد إيران، وهي القوة العربية المعتدلة والراجحة. وهي اضطلعت في الموضوع الفلسطيني بمفاوضات مؤثرة. وصورها بعض المعلقين الإسرائيليين في صورة الدولة العربية القائدة التي حلت محل مصر. ولكن سياسة أولمرت تنهض على عوامل سياسية خارجية فوق ما تنهض على تقويم داخلي. وعلينا ألا نستخف بالنفوذ الخليجي البارز والمعتدل. ومن الحمق ألا نفهم معنى امتلاك النفوذ هذا ما يملكه من النفط. ولكن علينا أن ندرك كذلك حدود النفوذ هذا، ومواضع ضعفه، ومشكلته مع إسرائيل. وقد يكون الامتحان الفلسطيني، والعجز عن تداوله، نموذجاً ينبغي فحصه ملياً. وفي هذا المعرض ثمة ملاحظتان: تنبه الأولى الى أن النفوذ الخليجي البارز قد يكون معتدلاً وحليفاً للولايات المتحدة، ولكنه إسلامي متشدد على خلاف مصر والأردن على سبيل المثال. وتمول جمعياتها الخيرية عدداً كبيراً من المساجد في أنحاء العالم، وعدداً آخر من مراكز الأبحاث، في الدول الغربية، لا يصح وصفها بالود لليهود وإسرائيل. ولا ريب في أن النفوذ الخليجي البارز والمعتدل هو آخر حلقة من حلقات الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، على نحو ما هو المؤيد الأول لمنكري هوية الدولة، خارج إسرائيل وداخلها. ولا يماري أحد في مرور معظم التيارات الجهادية عن دائرة النفوذ الإقليمية القريبة. وتنبه الملاحظة الثانية، الى أن النفوذ الخليجي لم يكن، يوماً، على الصعيد الاستراتيجي، في موقع صدارة العالم العربي وقيادته. فسياسته الخارجية قامت، على الدوام، على حماية معقله أولاً بالواسطة، وعلى تجنب المواجهة مع الجيران. وهو يميل الى مهادنة إيران وطمأنتها وكسب ودها. ويؤثر هذه السياسة على الحرب أو المصادمة على الجبهات كلها. فهو، على هذا، أقرب الى"عكازة من قصب"في المسألتين، الفلسطينية والإقليمية. وهما المسألتان الراجحتان في الميزان الإسرائيلي. عن عاموس غلبواع، "معاريف" الإسرائيلية، 6/8/2007