هل صحيح أن هناك "عدائيةً" عربيةً ضد الأدب الخليجي"المتصاعد"؟ هل هناك عدم قبول بالروح الأدبية والروائية"المزدهرة"حالياً في البيت الخليجي؟ هل فعلاً ما زال عرب الشام ومصر والعراق ينظرون إلى النتاجات الأدبية الخليجية على أنها نتاج"مصاري"وليست نتاجاً ثقافياً ومحاكاة حقيقية؟ هل هناك مشكلة ثقافية تدور رحاها بين عرب"حقيقيين"وأعراب"خليجيين"؟ هل بات الأدب الخليجي يهدد أدباء عرباً؟ هل هناك رغبة في إقصاء الثقافة المغاربية المتخمة بالفلسفة والتجربة الواقعية؟ هل يحتاج مثقفو الخليج إلى التماسك الأدبي وربط الأحزمة، للوقوف في وجه تكتل يصف نفسه ب"الثقافي العربي"على رغم أن مَنْ يتبناه وجوه معروفة ترى أن الثقافة لا تتجاوز عتبات وأطناب دارها؟ لماذا لا يزال مثقف الخليج واليمن ينتظر شهادة"براءة"من مثقف مصر والشام؟ هل صحيح أن بعض العرب لا يزال ينظر إلى أي نتاج أدبي خليجي على أنه جاء عبر بوابة صحراوية"جدباء"، فيما نتاجهم"محصود"من مزرعة"خضراء"مليئة بالحقول والزهور؟ لماذا ما زال يُنظر إلى الخليجي على أنه"غريب على الأدب والثقافة"، وأن ثقافته محصلة ثروة نفطية لا ثورة واقعية، وأن غيرَه يكتب بروح المقاومة والتقدم والصمود. في العدد الأخير من إصدار"كتاب في جريدة"أو"جريدة في كتاب"، حُشِر 36 شاعراً وشاعرةً من السعودية واليمن في عدد واحد، فيما كان غيرهم في الاعداد الماضية تبسط له الصفحات تلو الصفحات، ويلوح وحيداً وعتيداً وعنيداً. هناك ثورة خليجية أو"زعلة أدبية"من بعض الشعراء والمثقفين السعوديين واليمنيين، ولها مبرراتها"المقنعة"، خصوصاً أن ما حدث في الإصدار الأخير يكشف عن ازدراء واستهتار بتجارب شعرية واسعة تمتلك مفاتيح التميز الثقافي، مقارنةً بمثيلاتها في العالم العربي أو العالم الآخر. أشاطر المثقفين الخليجيين واليمنيين الرأي في أن التجارب الشعرية في دول الخليج واليمن تستحق أن يخصص لكل واحدة منها عدد كامل على الأقل، إن لم تكن إصدارات متوالية، مثلما كان لغيرها في السابق، نظراً إلى قيمة التنوع الشعري والمفردة المتغيرة بين تلك البلدان، إضافة إلى ما تحويه من أسماء كبيرة تشكّل لحظات مهمة في سياق الشعر، لتعريف القراء في العالم العربي بتلك التجارب المميزة. لا شك أن الشعر الخليجي تطور كثيراً وتفوق في السنوات الأخيرة مثلما حدث من ثورة موازية في الرواية، فمثلاً السعودي، شهد تطوراً لافتاً خلال العقدين الماضيين، وتعزز بعدد من الأسماء الشابة التي كرّست تجاربها على مستوى القصيدة الشعرية أو النثرية، وطبعت مجموعاتها على حسابها الخاص خارج حدود بلادها، وهو ما دفع نقاداً عرباً وآخرين إلى الاهتمام بهذا الشعر والاحتفاء به، ليُؤسَّس وجود شعري جديد يلامس صناعةً ثقافيةً تراثيةً ثريةً ومتفردةً في خضم الأحداث الإقليمية والدولية التي تحيط بالمنطقة. خيراً فعل الأستاذ القدير تركي السديري رئيس تحرير صحيفة"الرياض"، إحدى الصحف الراعية، عندما قاطع"كتاب في جريدة"، قبل سنتين، امتعاضاً من عدم دعوة أدباء سعوديين وخليجيين لحضور أحد المؤتمرات التي يعقدها المشروع. أعتقد بأنه إذا كان يراد ل"كتاب في جريدة"الاستمرار والحفاظ على الذائقة العربية فعليه الابتعاد عن الإقصاء الثقافي والارتجال، وأن يتعامل ب"حضارية"مع كل النتاجات أياً كان مصدرها وجغرافيتها. كما يجب على القائمين على المشروع احترام قيمة الشعر والثقافة والإبداع، واحترام العقل والضمير وروح القارئ، وألاّ"تلوّث"الأمور الثقافية، بقصد"التهميش"، وأن يكون هذا النوع من التهميش"عفوياً". ربما يجوز لأهل الخليج واليمن عموماً، وأهل السعودية خصوصاً طرح سؤال على الراعي الرسمي للمشروع وهو سعودي... كيف لا يُمنح شعراء تلك البلدان الغنية بالشعر والثقافة منذ آلاف السنين الفرصة الكاملة ليتعرف أهل الأرض جميعاً على تلك النتاجات الشعرية والأدبية، ليعلموا مدى قوتها ورصانتها وفضائها الواسع القادر على التحليق بنا وبهم.