تحت مظلات صفراء فاقعة اللون في سوق متربة في جوبا عاصمة جنوب السودان يجلس رجال يحملون خمس عملات يمكن التعامل بها كلها في بعض مناطق الجنوب الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي. وأنهى اتفاق بين الشمال الجنوب في عام 2005 أطول حرب في افريقيا ليعم السلام جنوب السودان. لكن الحرب التي استمرت أكثر من عقدين سببت انهياراً للأنظمة المصرفية والنقدية في الجنوب. ومع بدء استخدام عملة جديدة ما زال الارتباك يسود التعاملات النقدية، إضافة إلى ظهور عملات مزيفة متداولة. ودفعت الفوضى النقدية في إحدى المناطق السلطات إلى التخلّص من عملات ورقية حقيقية ومزيفة، في محاولة منها للحد من التضخم. وإضافة الى حال الفوضى السائدة في الشارع فإن هناك حقيقة أخرى تزيد تعقيد الوضع وهي أن الحكومة تحسب الموازنة بالدولار لكنها تدفع أجور الموظفين بالدنانير السودانية... ولا عجب أن كثيرين من الرعاة في جنوب السودان يفضلون التمسك بأسلوب تقليدي لحساب القيمة... البقرة. ويقول ديفيد واني الذي ينتمي إلى إحدى القبائل التي تربي الماشية في منطقة جوبا:"أحب الأبقار أكثر من النقود. نحن أبناء قبيلة المنداري لا نبيع الأبقار إلا للضرورة أو إذا كانت مريضة. لا احتفط بمال. أتعامل به عند الضرورة فقط". وإبان فترة الحرب كان كل ما هو متاح من أموال سائلة في المناطق والبلدات الحدودية التي يسيطر عليها المتمردون الشلن الأوغندي والشلن الكيني والدولار الأميركي أو العملة المحلية القديمة التي كانت تنسخ عن طريق التصوير الفوتوغرافي. ويقول وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان سامسون كواجي ان هناك ما يصل إلى خمس عملات تُتداول في جنوب السودان. وفي إطار اتفاق السلام، طُرحت في كانون الثاني يناير الماضي عملة وطنية جديدة أطلق عليها الجنيه لفترة انتقالية مدتها ستة شهور بهدف دمج اقتصاد مناطق الشمال والجنوب. ومن المقرر أن يحل الجنيه محل الدينار الذي يمقت كثير من سكان الجنوب التعامل به منذ بدء استخدامه في 1992 معتبرينه جزءاً من سياسة التعريب التي تنتهجها حكومة الشمال. ويقول وزير التجارة انتوني لينا مارانا:"نعتقد أن الدينار لا يمثل الشعب السوداني. لقد فُرض فرضاً على شعب الجنوب". غير أن العملة السابقة على الدينار كانت تعرف بالجنيه أيضاً ولكن سعرالجنيه الجديد مختلف عن سعر الجنيه القديم. وقال مارانا إن كراهية الناس للدينار جعلتهم حتى حين أرادوا التعامل بأسعار الدينار"يعطون السعر بالجنيه... العملة السابقة". وتصيب الحيرة والدهشة الوافدين الجدد على جوبا حين يطلب منهم آلاف الجنيهات القديمة بينما المطلوب في الواقع عملة ورقية واحدة من فئة الجنيه الواحد الجديد. وفي رمبيك، وهي بلدة جنوبية كبيرة خضعت لسيطرة المتمردين خلال الحرب، لا يزال استخدام الدولار وبصفة خاصة الشلن الكيني أسهل من الجنيه الجديد او الدينار... الذي لم يكن متداولاً إبان الحرب. وما زالت الحانات والمتاجر في رمبيك تتعامل بالشلن الكيني.