حارب تنظيم "القاعدة" في 2007 على أكثر من جبهة في أنحاء العالم، مسجلاً نقاطاً على خصومه في مناطق، وتراجعات في مناطق أخرى. وإذا كان واضحاً أن الحرب التي تشنها ضده الولاياتالمتحدة منذ 2001، لم تحقق النتيجة السريعة التي تتوخاها إدارة الرئيس جورج بوش بالقضاء عليه وتفكيكه، إلا أن الواضح أيضاً أن"القاعدة"تعرّضت لنكسة كبيرة في"مشروعها العراقي"من خلال نجاح الأميركيين في دفع"مجالس الصحوة"السنية الى طردها من كثير من معاقلها. بدأ العام 2007 بفتح"القاعدة"أول فرع مغاربي لها في الجزائر. إذ أعلنت"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"في كانون الثاني يناير تغيير اسمها الى"تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، مكرّسة بذلك تحالفاً بدأ منذ عام 2005، على أقل تقدير، عندما تأكد تهميش تيار مؤسس"الجماعة السلفية"حسان حطاب الذي بدا أنه أكثر المتحفظين على التحالف مع"القاعدة". وتعززت العلاقة بين الجماعة الجزائرية وقيادة"القاعدة"، وتحديداً الرجل الثاني فيها الدكتور أيمن الظواهري، في عهد"الأميرين"اللذين خلفا حطاب، وهما نبيل صحراوي قُتل في 2005 وعبدالمالك درودكال الأمير الحالي. ودشنت"القاعدة"ما وصف ب"وكالتها"في المغرب العربي في نيسان ابريل عندما شنت ثلاث هجمات في قلب العاصمة الجزائرية استهدفت خصوصاً قصر الحكومة وثكنة باب الزوار المدخل الشرقي للعاصمة. ولم يكن تمكن"القاعدة"من الوصول الى المراكز المستهدفة هو فقط الأمر اللافت في هذه الهجمات، إلا أن استخدام"انتحاريين"فاجأ كثيرين، كونها المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ مثل هذه العمليات على يد الجماعات الجزائرية منذ تسعينات القرن الماضي، علماً أن"القاعدة الأم"دأبت على استخدام"مفجّرين انتحاريين"في عملياتها تفجيرات كينيا في 1998 وتفجير المدمرة"كول"في 2000 و"غزوة"نيويورك وواشنطن في 2001. وكان واضحاً بالتالي أن فرع"القاعدة"الجزائري بات يقلّد"الوكالة الأم"في طريقة تنفيذ عملياته. ولم تمر فترة طويلة حتى أثبت فرع"القاعدة"في الجزائر ان هجمات العاصمة ليست سوى مقدمة لتصعيد أكبر، إذ شن"انتحاريوه"هجمات جديدة استهدفت ثكناً عسكرية ووصل بهم الأمر الى حد محاولة اغتيال الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في باتنة شرق في ايلول سبتمبر. وانتهى العام 2007 على وقع تفجيرين"انتحاريين"جديدين في قلب العاصمة الجزائرية مستهدفاً مقر الأممالمتحدة ومبنى المحكمة الدستورية، وخلّفا عشرات الضحايا. وتزامناً مع"تمدد القاعدة"في الجزائر، قتل"انتحاريون"مغاربة أنفسهم عندما حاصرتهم قوات الأمن في الدار البيضاء، في آذار ونيسان الماضيين، وإن لم يتضح هل كانوا متأثرين بفكر"القاعدة"أم أنهم مرتبطون عضوياً بالتنظيم. كذلك سُجّل في أيلول الإعلان رسمياً عن انضمام"الجماعة الاسلامية المقاتلة"في ليبيا الى"القاعدة". نكسات في بلاد الرافدين وعلى عكس هذا"الانتشار القاعدي"في المغرب العربي، سجّل فرع هذا التنظيم في"بلاد الرافدين"النكسة تلو النكسة، وهو أمر فاجأ كثيرين بمن فيهم قادة"القاعدة"أنفسهم. إذ بدأ عام 2007 على وقع إعلان تأسيس"الدولة الاسلامية في العراق"بإمارة"أبي عبدالله البغدادي". وروّج الأميركيون آنذاك أن"البغدادي"ربما يكون"شخصية وهمية"، وان"الأمير الحقيقي"لهذه الدولة التي أعلنت عاصمتها في الأنبار، هو مصري يدعى"أبو أيوب المصري"يستخدم كنية أخرى هي"أبو حمزة المهاجر". ومعروف أن هذا المصري حل في إمارة فرع"القاعدة"في بلاد الرافدين"بعد مقتل أميرها"أبو مصعب الزرقاوي"، صيف 2005. لكن"المهاجر"لم يستطع على ما يبدو ملء الفراغ الذي خلّفه الزرقاوي الذي كان أثار قبل مقتله غضباً لدى قيادة"القاعدة الأم"جراء بعض العمليات التي قام بها داخل العراق وتوسيعه نشاط مقاتليه حتى خارج العراق تفجيرات فنادق عمّان. ولم يعد سراً اليوم أن"القاعدة"حذرت الزرقاوي من الاستمرار في مثل هذه العمليات من دون إذنها، وعندما تولى"أبو حمزة المهاجر"الإمارة كان واضحاً أنه سيأخذ في الاعتبار مآخذ"القاعدة الأم"على سلفه، إذ انخرط أكثر في إطار"تركيبة جهادية"يقودها عراقيون كي لا يشعر هؤلاء بأن"أجانب"يقررون في بلادهم. وهكذا تحوّلت"القاعدة في بلاد الرافدين"من مجلس"شورى المجاهدين"الذي تأسس في أواخر أيام الزرقاوي، بعد ملاحظات"القاعدة الأم" إلى"الدول الإسلامية في العراق"بقيادة"أبو عمر البغدادي. لكن إنشاء هذه"الدولة"سرعان ما تعرّض لنكسات. إذ كانت تنظيمات"جهادية"تشارك في ما تعتبره"مقاومة"ضد الأميركيين والحكومة العراقية، تشعر منذ أيام الزرقاوي بأن بعض تصرفات"القاعدة"تتجاوزها. ولذلك عندما تأسست"الدولة الإسلامية"كان أول ما طلبته انضمام بقية"الطيف الجهادي"الى صفها، وهو أمر لم يرض كثيرين وبينهم قادة في"الجيش الإسلامي"و"كتائب ثورة العشرين". وربما زاد الطين بلّة دخول بعض قادة"القاعدة"خارج العراق على الخط، مثل الدكتور الظواهري و"أبي يحيى الليبي"اللذين أصدرا تسجيلات صوتية عديدة يحضان فيها بقية"الجهاديين"في العراق على اللحاق بپ"الدولة الإسلامية". لكن معارضي"القاعدة"في داخل العراق بقوا على موافقهم المعارضة للانضمام الى"الدولة". ودخل الأميركيون على خط هذه الخلافات وأخذوا يشجعون زعماء العشائر السنية على"التصدي"ل"القاعدة"في مناطقهم. وبدأت مساعي الأميركيين تثمر"صحوات"ضد التنظيم انطلاقاً من الأنبار وعاصمتها الرمادي. باكستان -افغانستان والظاهر أن"تنظيم القاعدة الأم"في قواعده على الحدود الباكستانية ? الأفغانية لم يكن غائباً عما يحصل في العراق. إذ سعى في البداية الى ارسال شخصية قيادية من صفوفه لتنظيم الأوضاع في العراق بعد الخلل إثر غياب الزرقاوي. لكن"عبدالهادي العراقي"، سرعان ما سقط في يد الأميركيين خلال محاولته الانتقال من أفغانستان الى العراق عبر تركيا، ونُقل الى غوانتانامو. وعلى إثر انكشاف أمر سقوط"عبدالهادي العراقي"وفشل نداءات الظواهري و"أبي يحيى الليبي"ل"الجهاديين العراقيين"للانضمام الى"الدولة الاسلامية"، بدا أن الأمر سيحتاج الى تدخل على مستوى أكبر لتفادي انهيار أوضاع"القاعدة"في"بلاد الرافدين". وهكذا اضطر زعيم"القاعدة"نفسه أسامة بن لادن الى الدخول على الخط، بعد انقطاع طويل استمر أكثر من سنة ونصف، ووجه رسالة الى"العراقيين"أقر فيها بأن"القاعدة"ارتكبت أخطاء في تصرفاتها في بلادهم. وجاء خروج بن لادن الى العلن في ظل تثبيت"القاعدة"مواقعها في مناطق الحدود الباكستانية ? الافغانية، حيث بدا أن تنظيمه لم يعد يخشى ضربات الأجهزة الباكستانية في مناطق القبائل، ولا في الجانب الافغاني من الحدود حيث بقي انتشار الأميركيين محدوداً. ولا شك أن هذا"الاطمئنان"مرده الى حد كبير النكسات التي تعرضت لها الأجهزة الباكستانية على يد مؤيدي"طالبان"في وزيرستان التي تفيد وثائق اميركية بأنها مقراً لقيادت"القاعدة". ولم تُسجل بقية"وكالات القاعدة"الأخرى حول العالم نشاطاً لافتاً في 2007. إذ لم يظهر نشاط جديد ل"القاعدة في أوروبا"منذ تفجيرات مدريد في آذار مارس 2004، ولا في المملكة العربية السعودية حيث فككت أجهزة الأمن خلايا عديدة ل"القاعدة في جزيرة العرب"واعتقلت المئات من عناصرها". أما"القاعدة في أرض الكنانة"فلم يظهر لها نشاط سوى من خلال بيانات دأب على إصدراها قيادي سابق في"الجماعة الإسلامية"المصرية يدعى محمد خليل الحكايمة. وأفيد في السودان بأن أجهزة الأمن اعتقلت في الصيف مجموعة من الإسلاميين المتشددين وصادرت كميات من الأسلحة والمتفجرات معهم وعثرت على وثائق تفيد بأنهم من"القاعدة"في السودان. وفي لبنان وسورية صدر بيان يحمل تهديدات باسم"القاعدة في بلاد الشام"خلال مواجهات الجيش اللبناني مع مقاتلي"فتح الإسلام"في نهر البارد، لكن لم يمكن التأكد من جدية هذا البيان.