إذا كان المتفرجون الأميركيون بدأوا يتدافعون الى الصالات السينمائية في بلادهم للحصول على مقعد يشاهدون من جلستهم المريحة عليه، ما اختاره اوليفر ستون من تلك الأحداث الدموية الرهيبة التي عصفت بأميركا والعالم يوم الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001، فإن المتفرجين الأوروبيين، ومتفرجي مناطق اخرى من العالم سيكون عليهم انتظار ايام أخرى قبل ان يشاهدوا ثاني فيلم كبير يحقق، هوليوودياً، عن احداث ذلك اليوم... وهو فيلم"مركز التجارة العالمي"الذي كان مخرجه اوليفر ستون قد عرض ثلث ساعة منه خلال الدورة الأخيرة لمهرجان"كان". ويومها كانت المشاهد من القوة والغموض ايضاً، بحيث جعلت كثراً يترقبون بلهفة عرض الفيلم الذي قام ببطولته نيكولاس كايج. قليلون من الصحافيين، يومها، اتيح لهم ان يلتقوا ستون في"كان"، إذ ان صاحب"الاسكندر"وپ"نيكسون"لم يتمكن من المكوث سوى ساعات قليلة، قائلاً ان عليه ان يعود الى داره بسرعة لكي يستغل كل ساعة في إنجاز العمليات التقنية لپ"مركز التجارة العالمي"، أي فيلمه الجديد ذاك. يومها فوجئ كثر حين قال ستون ان هذا سيكون عنوان الفيلم، اذ انهم كانوا يعتقدون ان هذا الاسم الرسمي انما هو"اسم مشفر"مؤقت. ستون اكد انه الاسم النهائي مذكراً بأن ثمة افلاماً كبيرة كثيرة في تاريخ السينما، جعلت عنواناً لها، الاسم الرسمي للمركب او للمعركة أو للشخص الذي تتحدث عنه "واترلو"،"تايتانيك"،"الاسكندر"... الخ. ناقد مجلة"بروميار"الفرنسية كان يومها في"كان"من قلة محظوظة مكنتها العلاقات الخاصة من محاورة أوليفر ستون، حيث ان الموزع الفرنسي لپ"مركز التجارة العالمي"هو احد المساهمين في رأس مال المجلة. وهكذا تمكنت"بروميار"من طرح اسئلة عدة على المخرج اجاب عنها مشترطاً ألا ينشر الحوار إلا قبل اسابيع قليلة من موعد عرض الفيلم في فرنسا وأوروبا. وقد جاءت اجابات ستون عن بعض الأسئلة على الشكل التالي: إن ما جذبني كي اصور حكاية شرطيين وجدا نفسهما في فخ دمار البرجين هو واقع ان الحكاية حقيقية من أولها الى آخرها. من هنا وجدت نفسي راغباً في ان اروي الحكاية، ومن خلالها ان أزيل الكثير من الأساطير التي حيكت من حول احداث ذلك اليوم. لقد أردت ان اعتنق وجهة نظر الناس الذين عاشوا داخل الأحداث. وليس ثمة ما هو اصدق من حكاية الشرطيين جيمينو وماكلافلن اللذين وقعا في فخ الدمار. في ذلك اليوم عثر فقط على عشرين شخصاً حياً... وأن يكون هؤلاء قد نجوا، لأمر أشبه بالمعجزة. اما الرجل الذي انقذهم فمحاسب من كونكتكت، كان في السابق جندياً في المارينز: حلق شعر رأسه، ارتدى ثيابه العسكرية وتسلل الى المكان عابراً حاجز الشرطة بفضل ثيابه. وهناك حدد مكان الأحياء وانتزعهم من بين الركام. المؤسف انني لم أتمكن من استجوابه حول الأحداث، اذ حين بدأت العمل على الفيلم كان هو ذهب ليحارب في العراق. ما هو تفسيري لأحداث 11 ايلول؟ انا لست واثقاً بعد من ان في إمكاني ان تكون لي وجهة نظر. بل أعتقد ان الدلالة الحقيقية لتلك الأحداث لن تظهر ابداً على الفور. وتلك هي معضلة الإعلام في ايامنا هذه: إننا نريد تحليلات آنية وهذا مستحيل. التحليل يحتاج وقتاً. اما عالمنا فإنه يحتاج الى ان نشجع الاعتدال فيه. وعلى كل المستويات وخصوصاً في ما يتعلق برد فعلنا على الأحداث. ان اخشى من أخشاه في ايامنا هذه، هو ان نضطر الى ان نعيش من جديد حرباً عالمية اولى. إنني أذكر ان تفجيرات بالقنابل حدثت في باريس في العام 1982، حين كنت أكتب سيناريو"سكارفاس". وإحدى تلك القنابل انفجرت في جوار المكان الذي كنت اعيش فيه تماماً. يومها أعلن ارهابيون إسلاميون مسؤوليتهم عنها. وهناك في ايامنا ارهابيون آخرون في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وايرلندا وإنكلترا. هناك عمليات ارهابية رهيبة قتلت ألوف الناس من المدنيين. وفي كل مرة تكون هناك تحقيقات بوليسية، من دون ان تلي العمليات ردود فعل هائلة لا توازيها حجماً. ان الذين مولوا وقرروا عمليات 11 ايلول هم قبضة من الناس. ونحن لدينا اجهزة استخبارات ممتازة، لذلك لست أفهم لماذا اخترنا ردود فعل اخرى، حلولاً غير القبض على الإرهابيين. لست أدري لماذا كان يجب علي أن أخشى الدنو، في فيلم لي، من هذا الموضوع... ان النتائج التي أسفرت عنها احداث الحادي عشر من ايلول أتت اكثر ضخامة بكثير من الأحداث نفسها. ان عدد الناس الذين قتلوا في العراق يفوق عشرات الأضعاف عدد الناس الذين قتلوا في مركز التجارة العالمي. إن الحروب تتوسع على مزاجها والاقتصاد هو الذي يتحمل اولى النتائج وأقساها. إن العالم كله بات الآن قيد التبدل بسبب احداث 11 ايلول. وفي المقابل نعرف ان معظم الأفلام التي تحقق حالياً تدور احداثها في زمننا الحاضر هذا. ومن هنا لست أفهم كيف يمكن مثل هذه الأفلام ان تحكي حكاياتها من دون ان تأتي، ولو عرضاً، على ذكر ما حدث في ذلك اليوم. نذكر ان الفن السابع لم ينتظر في تلك الأحيان انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى يتحدث عنها. والأمر نفسه يمكن ان يقال عن الحرب الكورية. في المقابل كانت حرب فييتنام حكاية اخرى. كان على الناس ان ينتظروا"صائد الغزلان"والعام 1978 قبل ان يبدأوا الحديث الجاد عن حرب فييتنام. ومع هذا لا بد من القول ان فيلم تشيمنو هذا لم يكن فيلماً واقعياً عن تلك الحرب، كان أقرب لأن يكون أوبرا اسطورية، مثله في هذا مثل"يوم الحشر الآن"لكوبولا. اما فييتنام جون واين ورامبو فإنها غير ذات وجود على الإطلاق .... بالنسبة إليّ، علمتني تجربتي الشخصية في فييتنام الفارق بين الحرب وكتب الرسوم الملونة. خوض الحرب ليس أمراً مسلياً. حين تشاهدون فيلمي"مولود في الرابع من تموز"تدركون كيف ان رصاصة واحدة يمكنها ان تبدل مصير انسان. ان الأميركيين يعبدون العنف... ويشعرون بحاجة مرضية إليه في كل يوم.