كان عمل المرأة المصرية ظاهرة تقتصر على أم بهانة التي تربي بضع دجاجات لتبيعها في سوق الخميس، وأم حسين التي تحوك الجلاليب لنساء القرية. أما النساء من بنات الطبقات الميسورة الحال مادياً واجتماعياً، فكن يعملن لأن قواعد المساواة مع الرجل تنص على ذلك كما تعلمن في المدارس والجامعات التي تلقين فيها العلم أو لإثبات ذاتهن. وهناك من كن يخترن أو ربما يختار أزواجهن لهن المكوث في البيت معززات مكرمات. لكن الظاهرة التي تعد جديدة بالنسبة إلى هذه الفئة من السيدات أن نسبة منهن بدأت تحترف العمل من منازلهن، وإن كان ذلك لا يعني المعنى الحرفي للعبارة. سلمى سيدة في ال 42 من عمرها من الوجوه المعروفة في نادي"هليوبوليس"الرياضي الراقي، فهي عضو في النادي أباً عن جد، ومتزوجة من مهندس يعمل في شركة أجنبية، ولديها ابنتان في مدرسة فرنسية. كانت سلمى تعمل محاسبة في شركة كبرى بعد تخرجها، لكنها استقالت في آخر حملها الأول، ومضت بها السنوات من دون عمل. وقبل عام تقريباً، وبعدما بلغت البنتان سن ال 12 وال 14، بدأت تشعر بالحنين إلى العمل. تقول:"بدأت ساعات الفراغ لدي تتزايد مع مرور الوقت، فزوجي لا يعود إلى البيت قبل المساء، والبنتان أضحتا تعتمدان على نفسيهما في الدراسة. كما أن لكل منهما دائرة من الصديقات، لذا فكرت في العودة إلى العمل. أمضيت نحو ثلاثة أسابيع في رحلة البحث عن وظيفة مناسبة، لكنني فوجئت بأن متطلبات العمل تغيرت كثيراً عن الفترة التي كنت أعمل خلالها. فمعرفة تقنيات الكومبيوتر شرط أساسي لا أتمتع به وغير مستعدة لتعلمه. كما أن معظم الشركات الكبرى تميل إلى تعيين الخريجين الجدد. ولما كانت ابنتاي من هواة ارتداء الپ"تي-شيرت"بألوانها وطبعاتها المختلفة شأنهما شأن معظم أبناء جيلهما، فقد هداني تفكيري إلى مشروع بسيط وصغير: اشتريت ماكينة طباعة الرسومات على الپ"تي- شيرت"، وهي عملية لا تستغرق أكثر من دقيقتين واتفقت مع مصنع"تي-شيرت"على توريد كميات من ال"تي-شيرت"بألوان مختلفة، كما اشتري الرسومات من وكيل لها في مصر بسعر الجملة". وفي خلال أسابيع قليلة، اشتهرت سلمى في النادي، بين الأعضاء وتوسعت تجارتها، وبدأت تورد الى محلات الملابس، وأصبح لها دخل شبه ثابت من مشروعها، وإن كان أكثر انتعاشاً في الصيف. من طريق الكومبيوتر أيضاً، تدير منال عملها من المنزل، فهي خريجة كلية لغات وترجمة، وعملت خمس سنوات كمترجمة فورية في المؤتمرات، لكنها اضطرت إلى التخلي عن هذا العمل بعد ارتباطها بزوجها الذي يتنقل بين المحافظات المصرية كل أربع سنين. وهي تنتقل معه مصطحبة عملها معها من خلال الكومبيوتر المحمول Laptop وتحقق دخلاً شهرياً لا يقل عن خمسة آلاف جنيه مصري من خلال العلاقات الوطيدة التي تربطها بشركات ومنظمات ومراكز بحثية عدة تحتاج إلى ترجمة الوثائق حيث تستقبلها على بريدها الالكتروني ثم تترجمها وتنقحها وتعيد إرسالها. وتؤكد منال أنها حتى في حال استقرار زوجها مرة أخرى في العاصمة، فإنها لن تفكر في العودة إلى عملها الأصلي بعدما ذاقت طعم العمل الحر. تقول:"أعمل في الساعات التي تناسبني بينما ارتدي ملابس البيت ومن دون قيود العمل السخيفة". أسباب من نوع آخر هي التي جعلت نادين تتخلى عن وظيفتها المرموقة في إحدى شركات الدعاية والإعلان الكبرى، وهي السخافات التي كان يقترفها زوجها ليدفعها إلى ترك العمل، تقول:"زوجي غيور جداً ولم يكن يطيق جو العمل الذي أعمل فيه، حفلات ولقاءات ومجاملات إلى غير ذلك. ولأنني أحبه جداً، تركت العمل لكن بعدما بدأت مشروعاً منزلياً مربحاً". ولحسن الحظ أن نادين تتمتع بموهبة فنية، إذ تعلمت صناعة قلادات وأساور من الفضة والحجارة الكريمة وتلقى رواجاً هائلاً في دوائر صديقاتها وقريباتها وحتى بين عملائها القدامى في الشركة. نموذج مختلف تماماً تقدمه نرمين التي دفعها زوجها دفعاً إلى العمل من أجل المساهمة في مصاريف المنزل، فقد كان زوجها رجل أعمال لكنه خسر تجارته عقب عملية خاسرة خاضها، واضطر إلى العمل كمحاسب في مكتب صديق له. لكن مستوى معيشة الأسرة تأثر كثيراً وكانت الحاجة ماسة إلى ازدياد الدخل، إلا أن نرمين لم يسبق لها العمل أبداً، ولم يشغل هذا الموضوع بالها من قبل. لذا فكرت في العمل مندوبة لشركة مستحضرات تجميل واستخدام علاقاتها المتشعبة وشخصيتها الاجتماعية في تحقيق نسبة مرتفعة من المبيعات وتأمين نسبة عمولة لا بأس بها. نظام العمل من المنزل بعمولة حقق لأماني أكثر من غاية أيضاً. فعلى رغم أنها خريجة الجامعة الاميركية في القاهرة، قررت التلفع بالنقاب بعد عدد من الدروس الدينية التي حضرتها مع صديقاتها نادي الجزيرة الراقي في بيت إحداهن. وجاء مع تلفعها بالنقاب اعتناقها فكرة حرمة عمل المرأة خارج بيتها لو لم تكن هناك ضرورة قصوى لذلك. لذا فإنها"تتسلى"بشراء عشرات العباءات الخليجية في كل مرة تزور فيها دول الخليج مع زوجها بحكم عمله، وتبيعها في Open day تقيمه مرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر في بيتها ولا تحضره سوى صديقاتها وصديقاتهن محققة لنفسها هامشاً معقولاً من الربح"الحلال". النماذج السابقة تؤكد أن"التجارة شطارة"وأن"الشاطرة تغزل برِجل حمار"سواء كانت هذه"الرِجل"laptop أم هواية فنية، أم قدرة لغوية، أم حتى مجرد رغبة في ربح مادي إضافي بعيداً من قيود العمل الكلاسيكي من ساعات عمل طويلة أو مضايقات مدير سخيفة أو حتى الاضطرار إلى ارتداء بدلة غير مريحة عوضاً عن ملابس البيت المريحة جداً!