يعني اختيار الرئيس جورج بوش روبرت مايكل غيتس وزيراً للدفاع، عودة إلى حقبة سابقة في السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، حقبة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر حيث يغلب الحذر والبرغماتية على السياسة الهجومية التي وصمت المحافظين الجدد، راسمي حرب إدارة بوش على أفغانستانوالعراق، وواضعي استراتيجية المواجهات مع إيران وكوريا الشمالية. وغيتس 63 سنة الذي يعتبر ناعم اللهجة وحاد الفكر، يتمتع بشخصية مناقضة تماماً لشخصية سلفه دونالد رامسفيلد. وكان غيتس ابن بائع قطع السيارات المولود في ويتشيتا ولاية كنساس، ينتقد سراً فشل الإدارة في تنفيذ خططها العسكرية والسياسية في العراق. وهو أمضى الأشهر الستة الأخيرة، وهو يضع بهدوء مبادرات جديدة للحرب بصفته عضواً في"مجموعة الدراسات حول العراق"التي انضم إليها في آذار مارس الماضي ويديرها الوزير الجمهوري السابق جيمس بيكر صديق آل بوش، والبرلماني الديموقراطي السابق لي هاميلتون. وتتألف المجموعة من عشرة أعضاء، خمسة من الجمهوريين وخمسة من الديموقراطيين. وهي شكلت بمبادرة من الكونغرس ووافق عليها بوش. لكن تعيين غيتس لا يعني بالضرورة أن انسحاباً مفاجئاً سيجري للقوات الأميركية من العراق. فما زال بوش يسيطر على الأمن القومي، كما يتعين على الديموقراطيين أولاً، الاتفاق على توجه واحد في شأن بلاد الرافدين، فيما تلوح بينهم انقسامات حول كيفية المضي قدماً. وينتظر الحزبان نتائج دراسة"بيكر - هاميلتون"للحصول على إجابات. آخر تاريخ خدم فيه غيتس في واشنطن كان قبل 13 سنة. وبدا الرئيس بوش واضحاً حين أعلن أول من أمس، انه يقدّر تسمية غيتس بوصفه رجلاً قادراً على وضع رؤية جديدة للسنتين المتبقيتين من الولاية الرئاسية. ولم يكن غيتس ضمن مجموعة مستشاري بوش في حملته الرئاسية للعام 2000، وهو ساءل الإدارة علناً عن مبادرتها تجاه إيران، وقال في تقرير صدر عن مجلس العلاقات الخارجية في العام 2004، إن رفض التفاوض مع حكومة طهران يعني نهاية هزيمة للذات. وقال دوف زاكايم المسؤول السابق في وزارة رامسفيلد والذي غادر منصبه في العام 2004 :"التعيين يشير إلى بذل جهد كبير لتجنب مواجهة في شؤون الأمن القومي"، واصفاً غيتس بأنه"برغماتي وواقعي". تحول غيتس إلى صقر كشاف وهو حالياً رئيس الجمعية الوطنية لصقور الكشافة ودرس التاريخ الأوروبي في كلية وليام وميري. توظف في"سي آي إي"خلال تحصيله درجة الماجستير من جامعة إنديانا في العام 1974 وأنهى الدكتوراه من جامعة جورجتاون، بأطروحة تناولت نظرة السوفيات إلى الصين. عمل في مجلس الأمن القومي بين عامي 1974 و1979 في عهد الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرارد فورد وجيمي كارتر. لدى عودته إلى"سي آي إي"، سلمه مديرها وليام كايسي مهمات رئيسة، من بينها مهمة نائب مدير مجلس الاستخبارات القومية ورئيسه. رشحه الرئيس السابق رونالد ريغان أولاً لخلافة كايسي رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية في العام 1987 لكن ترشيحه سحب وسط تساؤلات حول دوره ودور الوكالة في المبيعات السرية للأسلحة إلى إيران وتحويل أرباحها إلى متمردي كونترا في نيكاراغوا. وفي جلسات استماع في 1991 سلم غيتس بارتكاب أخطاء وقال انه كان يجب عليه أن يبذل المزيد وصولاً إلى الحقيقة. أعاد الرئيس جورج بوش الأب تسميته في العام 1991 لرئاسة"سي آي إي"بعد جدل لتثبيته، وأضحى أصغر مدير ل"سي آي إي"31 سنة. عمل طويلاً محللاً للشؤون السوفياتية وأمضى عقدين في وكالة الاستخبارات المركزية. عمل نائباً لمستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت في عهد جورج بوش الأب، وعمل عن كثب مع جيمس بيكر وكوندوليزا رايس. وكان من ضمن فريق مجلس الأمن القومي نفسه الجنرال مايكل هايدن الذي يشغل حالياً منصب مدير ال"سي آي إي". عين في العام 1991 مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية بعد معركة محتدمة لتثبيته في منصبه سيطرت عليها اتهامات بتسييسه التقارير حول الاتحاد السوفياتي. أمضى السنوات ال13 الأخيرة خارج الحكومة يقود أعمالاً منتجة ويدير جامعة"أ وأم"في تكساس. قبل 22 شهراً، ردّ غيتس عرضاً من الرئيس بوش لشغل منصب مدير الاستخبارات القومية، بحجة عدم قدرته على ترك العمل في الجامعة للانتقال الى واشنطن. دعي إلى مزرعة الرئيس في نهاية الأسبوع الماضي حيث تلقى عرضاً بتولي حقيبة الدفاع. وكان رده هذه المرة إيجاباً. وقال غيتس في البيت الأبيض لدى الاحتفال بتنصيبه:"لأن أبناء وبنات أميركيين عديدين في جيشنا يسيرون في درب خطر، لم أتردد عندما طلب مني الرئيس العودة إلى الخدمة". ويأمل الخبراء أن يعني تعيين غيتس مبادرة لتصحيح كبير في سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط.