يعتبر الاتحاد الجمركي أحد أهم الإنجازات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، كما انه يعتبر التجربة العربية الوحيدة الناجحة في هذا المجال، حيث أدى تطبيقه منذ كانون الثاني يناير 2003 إلى تسهيل انتقال السلع والخدمات بين دول المجلس وتنمية التبادل التجاري فيما بينها. مع ذلك تضمن الاتفاق الخاص بالتعرفة الجمركية الخليجية الموحدة ثغرات سمحت لسلطات الجمارك الحدودية بعرقلة انسياب تدفق الواردات والسلع الأجنبية بين هذه البلدان، من دون حاجة لجمركتها أو ما يسمى بنقطة الدخول الواحدة. وعلى رغم مرور أربع سنوات تقريباً على بدء العمل باتفاق الاتحاد الجمركي، لا يزال موظفو الجمارك في دول المجلس يطالبون بشهادات صادرة عن الهيئات المعنية، للتأكد من أن هذه السلعة الأجنبية أو تلك قد دخلت إحدى دول المجلس بعد كانون الثاني 2003 وليس قبله حتى لا تفرض رسوم جمركية عليها. ومعروف في عالم التجارة والأعمال أن السلع المخزنة فترات طويلة، تحمِّل التجار تكاليف إضافية قد تكون باهظة في بعض الأحيان، لذلك ليس من الحكمة أن يحتفظ التاجر بسلعة معينة مدة أربع سنوات. على عكس ذلك، فإننا نرى كثافة الإعلانات قرب نهاية كل عام، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي التي تتميز بنشاط حركتها التجارية، حيث يحاول التجار والوكلاء التخلص من مخزونهم من السلع من طريق تخفيضات وتسهيلات تمويلية استعداداً لعام جديد وسلع جديدة اكثر قبولاً وتطوراً. لا نعرف على وجه التحديد إذا كانت هذه الحقيقة غائبة عن رجال الجمارك في دول المجلس، أم أن إجراءات ما قبل الاتحاد الجمركي لا زالت سائدة وتتحكم في انتقال السلع الأجنبية بين دول المجلس على اعتبار أن انتقال السلع الوطنية المنتجة محلياً يتم وفق اتفاق إقامة منطقة للتجارة الحرة بين هذه البلدان، منذ 1985. وإذا استمر العمل في دوائر الجمارك بهذا الأسلوب وبهذه القيود التي لا تتناسب مع الواقع العملي، فإن المخاوف هنا تكمن في إمكان انعكاساتها السلبية على مجالات العمل والتعاون الاقتصادي الأخرى بين بلدان المجلس، خصوصاً ان هناك خطوات كبيرة ينتظر استكمالها وتطبيقها في السنوات الثلاث المقبلة، خصوصاً إصدار العملة الخليجية الموحدة. لقد حققت دول المجلس خطوات مهمة في كل المجالات، وبإمكانها تخطي هذه القضية الخاصة بطلب شهادة دخول السلع بعد كانون الثاني 2003 وفتح الأسواق الخليجية بصورة كاملة، والعمل بنقطة الدخول الواحدة، قبل الانتقال الى أشكال أرقى من التعاون وإقامة السوق الخليجية المشتركة، كما هو مدرج على البرنامج الاقتصادي لدول المجلس. اتخاذ مثل هذه الخطوة في حاجة لتحرك سريع من الأمانة العامة لدول المجلس، ومن وزارات الاقتصاد والتجارة لتجاوز هذه العقبة وإلغاء هذا البند الخاص بشهادة ما بعد كانون الثاني 2003. إذ بعد أربع سنوات من الأخذ بالتعرفة الجمركية الخليجية الموحدة، اصبح هذا البند لاغياً من تلقاء نفسه في حكم الزمن، والتمسك به مجرد إجراء روتيني يساهم في عرقلة تنفيذ أمور أخرى اكثر أهمية. جانب آخر من هذه القضية المهمة هو أن رجال الجمارك في التكتلات الاقتصادية في العالم، بما فيها التكتل الخليجي، في حاجة لدورات تدريبية عند اتخاذ أي خطوة كبيرة، كإقامة منطقة للتجارة الحرة أو اتحاد جمركي حتى يصبح مراقبو الجمارك على إلمام تام بالاتفاقات والتعامل معها بصورة مرنة وبعيداً من التعقيدات والتطبيق الحرفي. هذا بالضبط ما يمكن تلمسه عند الانتقال بين بلدان الاتحاد الأوروبي. فالتعرفة الجمركية الموحدة بين 25 دولة تسمح بمرور السلع من دون عوائق أو شهادات، بل إن عملية استرجاع ضريبة إعادة تصدير السلع خارج بلدان الاتحاد يمكن القيام بها عند مغادرة آخر دولة من دول الاتحاد الأوروبي بصرف النظر عن مصدر شراء السلعة ذاتها.