بختام مباريات دوري ابطال اوروبا اليوم بين ليفربول وايه سي ميلان، يكون مضى على عمر المسابقة 50 عاماً، اي ان 50 لقباً توزعت على فرق غالبيتها بين عريقة وكبيرة، لكنها ابتسمت لقلة من الصغار والمصطنعين، فلميلان وليفربول معاً 10 ألقاب من ال50. وبسبب الاغراءات المادية الكبيرة التي تحملها فكرة المنافسة في اكبر واهم مسابقة للاندية في العالم، فإن المشاركة فيها اصبحت ملحة جداً كونها تعود بمداخيل ضخمة جداً. وبحسب قانون المسابقة الذي يسمح بتأهل اربعة فرق من كل من انكلترا واسبانيا وايطاليا وثلاثة من كل من فرنسا والمانيا، فإن باب التأهل للفرق المتوسطة والمكافحة والمتواضعة بات مشرعاً، والفكرة مغرية جداً، والمطلوب هو ضخ المزيد من الاموال ولو بالاستدانة، لضمان التأهل من المركز الرابع او الثالث، ولكن العواقب غير مضمونة وقد تهدد بافلاس المغامرين، فمثلاً تشلسي لم يملك تاريخاً عريقاً سواء في دوري الابطال أو حتى في الدوري الانكليزي، لكنه حظي بكنز البليونير الروسي رومان ابراموفيتش ما اكسبه حصانة ضد الافلاس حال فشل في التأهل الى دوري الابطال، لكن فريقاً مثل لاتسيو الايطالي عانى بشدة من الانفاق غير المسؤول من اجل عيون المسابقة الاوروبية، فرئيسه السابق سيرجيو كرانيوتي انفق ملايين اليوروهات في نهاية عقد التسعينات ليحظى بأبرز 22 لاعباً من ال50 الافضل في العالم، ليضمن السيطرة الاوروبية تحت قيادة المدرب السويدي زفن غوران اريكسون، وكلفه ضم خوان سيباستيان فيرون وهيرنان كريسبو وكلاوديو لوبيز وغايزكا ميندييتا وحدهم اكثر من 180 مليون يورو بين عامي 1999و2001، لكن النتيجة كانت سلبية ولم ينجح الفريق سوى بالفوز ببطولة الدوري الايطالي مرة واحدة عام 2000، واوروبياً كان النجاح الوحيد الفوز بكأس ابطال الكؤوس عام 1999، فيما كان افضل انجاز في دوري الابطال هو الوصول الى ربع النهائي، وبعدها جفت مصادر المال وتقلصت المداخيل وتفاقمت الديون، والنتيجة افلاس ومعاناة بعد مغامرة فاشلة. اما انتر ميلان فانه حافظ على قدرته الشرائية في ال15 عاماً الماضية في محاولة لاستعادة امجاده السابقة، التي تكللت بالفوز بكأس ابطال اوروبا مرتين في الستينات. فمنذ مطلع التسعينات صرف اكثر من بليون يورو على 120 لاعباً، منهم من فاز بدوري الابطال لكن مع فرق اخرى، وانفاق هذه المبالغ الخيالية لم يسعفه حتى للفوز ببطولة الدوري الايطالي التي كان آخر لقب له فيها في عقد الثمانينات، فيما اقتصرت انجازاته الاوروبية على كأس الاتحاد، وافضل انجاز في دوري الابطال كان الوصول الى نصف النهائي. امام ليدز وبعد مغامرته الناجحة قبل اربع سنوات بتأهله الى نصف نهائي دوري الابطال، فانه ارتأت له فكرة صرف الملايين لضمان استمرارية التأهل الى المسابقة الاوروبية، فدفع نحو 90 مليون يورو في غضون عامين، لكن بمرور اول موسم فشل فيه في التأهل انهار تماماً وكان قاب قوسين من اشهار افلاسه، واضطر لبيع نجومه، وغالبيتهم باسعار مخفضة لسد ديون بلغت نحو 140 مليون يورو. وباستحداث نظام الدوري في كأس الابطال في منتصف التسعينات فانه ساهم اكثر واكثر في حماية الاندية الكبيرة صاحبة التاريخ والعراقة، وبات تأهل فريق متواضع او خارج نطاق الاندية الكبيرة الى المباراة النهائية او الفوز باللقب، يعد مفاجأة كبيرة، فقبل النظام الجديد فعلها النجم الاحمر اليوغوسلافي في1991 ومرسيليا الفرنسي في1993، ولكن بعد النظام الجديد نجحت الاندية الكبيرة في السيطرة على المسابقة، فمانشستر يونايتد احرز اللقب في 1999 بعد غياب دام 31 عاماً، فيما احرز ريال مدريد لقبه بعد غياب 32 عاماً، ولقب بورتو البرتغالي الموسم الماضي كان الاول منذ 1987، فيما توج اياكس بطلاً لاوروبا بعد 22 عاماًَ على احتكاره المسابقة في مطلع السبعينات، وبايرن اصبح بطلاً بعد غياب 25 عاماً. بالتالي اصبح التحدي الكبير هو دخول الفرق"المتواضعة"او الخارجة عن"نادي العراقة"الى دائرة المنافسة على كأس الابطال. فتشلسي كان قريباً جداً في الموسمين الاخيرين بتأهله الى نصف النهائي، وسيزداد قوة في ظل ثروة ابراموفيتش، فيما تأهل فالنسيا الى نهائيين متتاليين في 2000 و2001، لكنه سرعان ما توارى. فقط اسم جديد واحد أضيف الى لائحة ابطال المسابقة في ال12 موسماً الماضية، هو بوروسيا دورتموند، الذي توج بطلاً في 1997، والذي انجر وراء البناء على هذا الانجاز بالاستثمار في لاعبين جدد بمبالغ كبيرة خارج ارادته، والنتيجة كانت الطريق ذاته الذي سلكه ليدز ولاتسيو، واصبح يعاني افلاساً ومشكلات مادية مستعصية. والغريب ان العملاق برشلونة احرز اللقب مرة يتيمة عام 1992، وظل سجله في المسابقة متواضعاً وغريباً، مقارنة بحجمه اوروبياً، فبعد انجاز 1992 وصل الى النهائي في 1994، لكنه ظل بعيداً حتى عن المنافسة على احراز اللقب، على رغم صرفه الملايين الكثيرة على لاعبين جدد ما انهكه في مطلع الالفية الجديدة، ففي اعوام 2001 و2002 و2003 سجلت خزانة النادي خسائر فادحة بلغت 60 مليون يورو و85 مليون يورو و120 مليون يورو على التوالي، كانت نتائج مباشرة لضم لاعبين بمبالغ خيالية من دون مردود على صعيد تحقيق الالقاب، محلية كانت او اوروبية، اذ انه انفق بين عامي 2000 و2004، 125 مليون يورو على ضم اربعة لاعبين فقط هم: خافيير سافيولا وصامويل ايتو ورونالدينيو ومارك اوفرمارس، فإحراز بطولة الدوري الموسم الحالي هو اللقب الاول للفريق في ست سنوات. فطالما اعتبرت مسابقة دوري ابطال اوروبا انها وسيلة لاثراء جيوب الكبار واضعاف وتهميش الصغار، وربما بداية لفكرة اكبر واعمق، وهي انشاء دوري اوروبي، ينسحب اعضاؤه من بطولاتهم المحلية وينصب تركيزهم على دوري واحد، دوري الاضواء والملايين.