نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    تخريج كوكبة من الكوادر الوطنية لسوق العمل    النفط يعاود الارتفاع    "الجدعان" يبحث الفرص الاقتصادية بمنتدى قطر    القادسية يحسم لقب دوري يلو    الغموض يحيط بعودة محرز لمنتخب الجزائر    فرص للمواهب العلمية ببرنامج كندي    «الموارد» تطلق خدمة «حماية أجور» العمالة المنزليَّة في يوليو    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    تداولات ب 7 مليارات للأسهم.. المؤشر يقفز 43 نقطة    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    الرياض ولندن.. شراكة وابتكارات    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    اللجنة الوزارية للسلامة المرورية تنظم ورشة "تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق"    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد فوزهم ب 34 مقعداً في الدورتين الأولى والثانية وتحولهم الى منافس للحزب الحاكم . تنافس بين شباب "الإخوان" المصريين وشيوخهم ... والنظام ينتظرهم على حافة حوارهم مع الغرب
نشر في الحياة يوم 11 - 05 - 2006

لم يعد هناك جدل حول الحضور البارز لجماعة"الإخوان المسلمين"في المشهد السياسي المصري ونجاح جهودهم في الاقتراب من الشارع والاستحواذ على قدر غير قليل من أصوات المقترعين في أي انتخابات في مصر. هذا ما أثبتته المرحلتان الأولى والثانية من الانتخابات المصرية التي فاز فيها الاخوان ب 34 مقعداً، وما ستؤكده المرحلتان الثانية والثالثة، ويكفي أن جولة الإعادة للمرحلة الأولى لم يشعر فيها الناس بقوى أخرى تنافس الحزب الوطني الحاكم سوى الإخوان. وعلى رغم الضربات المتتالية التي اعتادت السلطات توجيهها إلى الجماعة كل فترة، فإن التنظيم تمكن من استغلال مصائبه في التواصل مع الناس ووسائل الإعلام ليتوسع وينتشر ويتسرب إلى مختلف أنحاء مصر ويفرض مواقفه على قوى المعارضة الأخرى.
رفع"الإخوان"في المعركة الانتخابية شعار"الإسلام هو الحل"ولم تكن تلك المرة الأولى التي تستخدم الجماعة ذلك الشعار. وهم واجهوا حملة كبيرة ضد استخدام شعارهم بدعوى أنه يعني خلطاً بين الدين والسياسة واستبعاد المواطنين من ديانات أخرى، لكنهم أصروا على شعارهم الذي يرون أنه يقربهم من الناس، وفي الوقت نفسه يعكس مبادءهم وأفكارهم وأهدافهم أيضاً.
مرت جماعة"الإخوان المسلمين"بأحداث جسام ومراحل عدة منذ تأسيسها على يد مرشدها الأول حسن البنا العام 1928، وكانت الهجمات تستهدفها دائماً من خارجها، سواء من جانب حكومات أو أنظمة أو جهات أو حتى شخصيات، لكنها ظلت تزيدها قوة وتجعل من التفاف أعضائها وعناصرها حول قادة التنظيم أمراً يزيد من ثقل الجماعة وقدرتها على مواجهة الأخطار الخارجية.
ولعل أخطر ما واجه الجماعة كان دائماً التناقضات والخلافات التي قد تنشأ داخلها. وذلك كان، بلا شك، سبب اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية بمستقبلها بعد رحيل مرشدها السابق مأمون الهضيبي وظهور تساؤلات عما إذا كان اختيار خليفته محمد مهدي عاكف مرشدها الحالي سيثير حفيظة البعض أم لا، ومدى قبول جيل الشباب لاستمرار سيطرة الحرس القديم من قادة الجماعة على القرار فيها.
ويرتبط مستقبل الجماعة دائماً بمدى تماسكها الداخلي. ويعتبر ما يحدث داخلها أهم بكثير من الضربات التي تتعرض لها من الخارج فتزيدها خبرة وقوة وصلابة. ولم يعد الاعتراف الحكومي بالجماعة عائقاً أمام نشاطها، فمقر"الإخوان"الذي يقع في شارع الملك الصالح على نيل القاهرة، معروف للجميع ويقصده مراسلو الصحف ووسائل الإعلام ورؤساء الأحزاب وبعض مرشحي النقابات وبعضهم ينتمي إلى الحزب الوطني الحاكم، من دون أن يحمل المقر لافتة. الانتخابات تكفلت الأمر، عبر عبارتي"الإخوان المسلمين"وپ"الإسلام هو الحل"اللتين كتبتا على لافتات مرشحي الجماعة في الانتخابات في كل أنحاء مصر.
ووقع أول صدام بين الجماعة وعهد مبارك في العام 1990، حينما قاطع"الإخوان"مع أحزاب سياسية، الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ذلك العام احتجاجاً على رفض النظام الاستجابة لمطالب قوى المعارضة بتحقيق اصلاح سياسي، ووقف العمل بقانون الطوارئ. وعلى رغم أن السلطة لا يغيظها دائماً ابتعاد الإخوان عن أي حضور سياسي، فإن الضجة التي أحدثها قرار المقاطعة جعل السلطة تعتقد بأن الإخوان كانوا وراء القرار، فحملتهم تبعاته. لكن العلاقة لم تصل إلى الصدام المباشر إلا في عام 1994 حينما زاد الاحتقان في النقابات المهنية اعتراضاً على قانون تنظيم انتخابات تلك النقابات، الذي هدفت من ورائه السلطة الحد من سيطرة الإخوان عليها. وفي نيسان ابريل من العام نفسه، شهدت نقابة المحامين صداماً مباشراً بين أعضائها والشرطة حين حاول المحامون الخروج في تظاهرة احتجاجاً على وفاة زميلهم عبدالحارث مدني بعد اعتقاله. فتصدت لهم قوات الأمن، وعلى رغم أن مدني لم يكن من"الإخوان"، فإن إصرار مجلس النقابة الذي كان يسيطر عليه"الإخوان"على كشف ملابسات وفاته جعل الحكومة تعتقد بأن"الإخوان"تخطوا الخط الأحمر بتحريك الجماهير فبدأت في توجيه ضربات إجهاضية شديدة للجماعة وألقت القبض في العام التالي على عشرات من العناصر الفاعلة مع التنظيم وأحالت أكثر من 80 منهم على ثلاث محاكم عسكرية. رد"الإخوان"بترشيح 150 من كوادرهم في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ذلك العام ولم يتمكن أي منهم من الفوز بعدما اتخذت السلطات الإجراءات التي تحول دون فوزهم. لم يكن حامد أبو النصر المرشد في حينها فاعلاً في الأزمات.
وأخطر ما واجهته الجماعة في عقد التسعينات من القرن الماضي كان الخلاف الذي تفجر بين شيوخها من جهة، وعدد غير قليل من رموز جيل السبعينات، على رأسهم المهندس أبو العلا ماضي، من جهة أخرى، عندما اعترض ماضي وزملاؤه على الطريقة التي تدار بها الجماعة ورأوا أنها تعكس حرصاً على التنظيم أكثر من تحقيق الأهداف التي نادى بها البنا، فقرروا تأسيس حزب سياسي تحت لافتة الوسط من دون الحصول على إذن من قادة الجماعة. وتحول الأمر إلى صراع بين الطرفين وانتهى باستقالة ماضي وبعض من زملائه وإقالة البعض الآخر. غير أن الأزمة ظلت تلقي بظلالها على الجماعة الى درجة أنها تسببت في ارتباك شديد في قواعد التنظيم افرز حالاً من الركود. وحينما تولى مشهور مهمات المرشد بعد وفاة أبو النصر، اعترض بعض الإخوان على الطريقة التي تم بها تنصيبه، فأعلن الهضيبي في منطقة المقابر أثناء دفن أبو النصر، أن الأخير أوصى قبل وفاته بتنصيب مشهور، لكن الضربات الإجهاضية والأزمة الداخلية وحال التقوقع التي عاشتها الجماعة، ساهمت في امتصاص ردود الفعل تجاه خرق القواعد التي تحدد عملية تنصيب المرشد.
والمؤكد أن الجماعة تفادت أن يتكرر الأمر مجدداً بعد وفاة مشهور فآثرت ألا يُبايع الهضيبي في المقابر لئلا يخرج أحد وينتقد إجراءات تنصيبه، ومن هنا استغرق الأمر وقتاً أطول لحسم الأمر لمصلحة الهضيبي الذي لم يستمر في موقعه كمرشد للإخوان كثيراً فحل محله عاكف. والآن لا أحد في القاهرة لا يعرف جماعة"الإخوان المسلمين"، فالأمر ليس سراً على أحد والجماعة لا تتورع عن الإشارة إلى المكان الذي يتجمع فيه قادتها كل يوم باعتباره مقرها الرسمي، ولم تقتحم قوات الأمن المصرية ابداً ذلك المكان وظلت تلقي القبض على قادة وعناصر"الإخوان"كل فترة في منازلهم أو أثناء اجتماعات يعقدونها في أماكن أخرى.
ومنذ أخرج الرئيس الراحل أنور السادات الإخوان من السجون وأتاح لهم مساحة يتحركون فيها، اتخذت الجماعة من تلك الشقة التي تقع في شارع سوق التوفيقية وسط العاصمة مقراً لها وهي كانت مقراً لمجلة"الدعوة"التي كان التنظيم يصدرها. لكن ذلك المقر أغلق بحكم أصدرته المحكمة العسكرية العليا في عام 1995 بعدما قدمت السلطات إلى المحكمة شريط فيديو يصور قادة وأعضاء الجماعة يدخلون ويغادرون المكان. ونقل الإخوان مقرهم بصورة موقتة إلى شقة أخرى تقع في حي العجوزة في محافظة الجيزة وهي كانت أثناء المعركة الانتخابية التي أجريت في ذلك العام، مقراً انتخابياً للهضيبي. ثم منح عضو مجلس الشعب السابق القطب البارز في الجماعة حسن الجمل شقة يملكها، الى المرشد السابق محمد حامد أبو النصر، وهي نفسها تحولت العام 1996 بعد وفاة الأخير، مقراً للإخوان.
الى ذلك المكان يتوافد أعضاء مكتب الإرشاد كل يوم تقريباً ما عدا يوم الجمعة وعلى رأسهم عاكف الذي استغرب بعضهم اختياره مرشداً بعد وفاة الهضيبي. فهو آخر صقور الجماعة الأحياء، وقضى زهاء ربع قرن خلف القضبان. وخشي البعض أن تكون الجماعة اختارت أيضاً عن قصد أو من دون قصد مرحلة جديدة على درب التصعيد مع السلطة في مصر، على أساس أن عاكف محسوب على التيار الراديكالي المصنف من جيل"القطبيين"في الجماعة، وأنه لن يكون حريصاً على المواءمات الدقيقة التي طالما التزم بها الهضيبي، سواء أثناء توليه منصب المرشد العام، أو قبل ذلك حينما كان نائباً له. ورأى البعض أن هذا الاختيار ينطوي أيضاً على تعزيز دور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، باعتبار عاكف أحد عرابيه، وممن ساهموا في إعادة ترتيبه من الداخل، فالرجل غادر إلى ألمانيا عام 1980 بعد إفراج الرئيس المصري الراحل أنور السادات عن قيادات الجماعة، وتولى مسؤولية إدارة"المركز الإسلامي"في مدينة ميونيخ الألمانية. وكما هو معلوم، يعتبر المركز مجرد غطاء لقيادة التنظيم الدولي منذ تأسيسه حتى الآن. لكن طريقة عاكف في إدارة الجماعة ساهمت في ترسيخ وجودها في الشارع وعبر وسائل الإعلام. فهو لم يفوت فرصة من دون أن يفرض الإخوان كواقع على الجميع وترك مهمة العمل التنظيمي لآخرين من جيل الشباب برعوا في توسيع عضوية التنظيم وتفعيله بصورة تدعو إلى الذهول.
والمؤكد أن الشيوخ والشباب ينتمون الى خلفيات تاريخية وثقافية مختلفة تماماً، فالجيل الأول عاش طوال حياته تقريباً في صدام مع الدولة مما جعله يزداد تركيزاً على العمل الاجتماعي الديني بخلاف جيل الوسط الذي لم يصطدم بالدولة إلا عام 1995 وبالتالي فهو اكثر انفتاحاً في التعامل مع الدولة والقوى السياسية الأخرى. ويريد الشيوخ ان تستمر الجماعة على منهجها الرامي الى إقامة مجتمع إسلامي غير منقوص في حين يطالب جيل الاصلاحيين في الجماعة الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و55 عاماً، بأن تنخرط جماعة"الاخوان المسلمين"في شكل اكبر في العملية الديموقراطية في مصر، مشيرين الى أنها لم تحقق أي نجاح منذ تأسيسها على يد حسن البنا في مدينة الاسماعيلية عام 1928 وهو العام نفسه الذي ولد فيه المرشد الحالي عاكف.
وعلى رغم أن الدولة المصرية حسمت معركتها مع الجماعات المتطرفة الراديكالية الجماعة الإسلامية المسلحة وجماعة الجهاد المصريتين، فإنها لا تزال تخوض معركة من نوع آخر مع الإخوان، يغلب عليها طابع سياسي وقانوني أكثر مما هو أمني وحركي.
لا شك في أن"الإخوان المسلمين"كغيرهم من قوى المعارضة المصرية استفادوا كثيراً من الغطاء الأميركي الذي تشكل بفعل المطالبة المستمرة بالإصلاح في مصر ودول المنطقة. فالضغوط الخارجية مثلت دعماً مباشراً لجهود المعارضة المصرية في قضية الإصلاح والتصريحات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين في مواقع مختلفة، صبت في النهاية في اتجاه توسيع هامش الحريات والحد من سطوة السلطة تجاه تحركات المعارضة، وخصوصاً"الإخوان المسلمين". وقد يرى البعض أن ذلك يتناقض مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية عقب مشاركة الإخوان في التظاهرات على خلفية اعتراضهم على الصوغ الجديد للمادة 76 من الدستور حينما اعتقلت على مئات منهم، إلا أن الحقيقة أن السلطة ظلت يدها مغلولة، ولولا بؤرة الضوء التي وضعت فيها مصر والمواقف الخارجية أميركياً وأوروبياً فإن تصرف الإخوان لم يكن ليقابل من جانب السلطة إلا بإجراءات أشد عنفاً وأكثر صرامة.
الواقع أن"الإخوان"عدلوا من استراتيجيتهم ورأوا أنهم أمام لحظة تاريخية عليهم أن يستغلوها، وأنه حانت الفرصة لقطف ثمار الماضي فنزلوا إلى الشارع ومارسوا عروضاً للقوة وأرادوا القفز فوق المسرح السياسي ليكونوا بطله الأول، مع انهم يعرفون أن النزول الى الشوارع والتظاهر"خط احمر"وضعته السلطة وهي لا تقبل بتجاوزه. وقد يتدرج توقيف الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت، وقبله الدكتور عصام العريان، في هذا السياق قبل إطلاقهما مع بقية المحتجزين من الإخوان قبل الانتخابات.
وينفي الإخوان أي رغبة في الحوار مع الأميركيين وأي نية للتواصل مع الأوروبيين، وتأتي دائماً تصريحات قادة الجماعة وعلى رأسهم عاكف في سياق توجيه الانتقادات لسياسات أميركا وللرضوخ والتخاذل الأوروبيين، لكن ذلك لا ينفي أن الإخوان التقوا مسؤولين أوروبيين وتحاوروا معهم في جلسة رعاها رئيس"مركز ابن خلدون"الدكتور سعد الدين إبراهيم. وحرصت الجماعة على إبقاء الأمر سراً وانزعجت بشدة حينما تسربت المعلومات عن الاجتماع فقررت وقفه ربما تفادياً لإغضاب السلطة لكن الأهم كان الحرص على صورة الجماعة من أن يلطخها الحديث عن علاقة للإخوان بجهات أجنبية.
واللافت أن الأميركيين لم ينفوا إبداء أي رغبة في التحاور مع الإخوان المسلمين، غير أنهم نفوا أن يكون لقاء قد تم بين مسؤولين في الإخوان ومسؤولين أميركيين. علماً أن الرغبة تظل قائمة والمحاولات تبقى مستمرة، وإذا نجحت مساعي الاميركيين لترتيب لقاءات مع قادة الاخوان في أي مكان فلن يكون من السهل اخفاؤها. ويستغرب البعض التناقض في الموقف الاميركي ورد الفعل تجاه الاعتقالات التي تطاول الاخوان أو تلك التي تستهدف عبرها أجهزة الامن فصيلاً سياسياً آخر من غير الاخوان، فالضجة الاميركية عقب القبض على رئيس حزب الغد الدكتور أيمن نور كانت مدوية في حين لم يبرز أي رد فعل أميركي عندما تم القبض على العريان أو عزت أو مئات من الإخوان.
أما الاخوان فلديهم اعتقاد بأنهم استفادوا من الاعتراف بوجود تيار إسلامي معتدل، ورأوا في ذلك فرصة لعرض وجهة نظرهم بطريقة مباشرة، وليس من طريق طرف ثالث، في اقناع الاتحاد الاوروبي بتبني استراتيجية شاملة للإصلاح، لتفادي عيوب المشاريع الاميركية. ويشير المؤيدون لقابلية وصول الحوار إلى اتفاقات مهمة ومؤثرة، الى خبرة الغرب في التعامل مع حزب العدالة والتنمية في تركيا، وكذلك الى خبرة التعاون مع قوى إسلامية في العراق، مع ان ذلك لا يأخذ في الاعتبار اختلافاً جوهرياً بين هاتين التجربتين وبين واقع الحركات الاسلامية المعتدلة عموماً والاخوان المصريين خصوصاً. فالتعاون في الحال الأولى صار واقعاً وممكناً بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وفي الحال الثانية بعد سقوط النظام العراقي السابق، وليس في إطار وجود نظم أخرى قائمة، تأخذ في الاعتبار موقف الخصم والقوى ذات المرجعية الإسلامية. ويبقى السؤال حول كيفية دخول الأوروبيين في حوار مع جماعة لا تتمتع بالشرعية القانونية؟ وماذا سيتحقق من حوار كهذا قد يتسبب اصلاً في خلافات عميقة بين الدول الاوروبية والحكومة المصرية؟
لا شك في أن اوروبا تسعى إلى استكشاف مواقف الإسلاميين في ما يتعلق بمدنية الدولة وتداول السلطة وحقوق الإنسان والمرأة والأفكار الليبرالية والفكر الاقتصادي الاسلامي، واساليب ممارسة السياسة والاستعداد للعمل من خلال آليات ديموقراطية، ومدى الحريات التي يمكن للاسلاميين أن يمنحوها لمجتمعاتهم إذا ما وصلوا إلى السلطة. والمؤكد أن المؤسسات الاوروبية السياسية والبحثية اطلعت على موقف الجماعة من تلك القضايا. وبالنسبة الى الاخوان يمكن النظر إلى لجوء الاتحاد الأوروبي الى مثل هذا الحوار كوسيلة للضغط على الانظمة، أو حتى كمعاول لهدمها، إذ هناك ادلة كثيرة على أن الأوروبيين غيروا مسلكهم نحو الكثير من الأنظمة العربية بما يتوافق مع النهج الأميركي، وذلك بعد تجربتهم المريرة في الاختلاف مع أميركا قبل وفي أعقاب غزو العراق. يظهر ذلك على سبيل المثال في الموقف الفرنسي تحديداً من الضغوط على سورية في ما يتعلق بالشأن اللبناني، وفي السعي لإصدار قرار من مجلس الأمن ضد السودان في ما يتعلق بقضية دارفور. وقد عبر الإسلاميون مراراً عن رفضهم أن يستخدموا كمعاول لتدخلات خارجية تستهدف أوطانهم، وقد تؤدي في النهاية إلى تكريس سيناريو خيار"الفوضى الخلاقة"، الذي تروج له الإدارة الاميركية الحالية. وبطبيعة الحال، فإن الاسلاميين إذا شعروا بأن الدعوات الى الحوار المطروحة قد تهدف في المقام الأول إلى تقليل مصداقيتهم أمام شعوبهم، فإنهم لن يلقوا بأنفسم إلى هذا الفخ.
كل ذلك لا يضع في الاعتبار رد الفعل الرسمي المصري إذا ما تم بالفعل حوار علني بين الاخوان والاتحاد الاوروبي. وتكفي الاشارة الى التحذير الشديد الذي اطلقه الرئيس حسني مبارك من إنه لن يتوانى عن التصرف إذا حدث من الاخوان ما يهدد الأمن القومي. وبالطبع فإن حواراً كهذا من وجهة النظر الرسمية سيكون تهديداً مباشراً للأمن القومي. وربما يبرر ذلك المواقف الاميركية والأوروبية التي تعدلت فلم تعد تصدر عن المسؤولين هناك، ما يشير إلى رغبة في التحاور مع الإخوان الذين صاروا بلا جدال القوة المواجهة للحزب الحاكم في مصر.
شبهة العنف ... والنقابات والبرلمان
سيظل شبح اتهام الاخوان في ارتكاب اعمال عنف قبل ثورة تموز يوليو يطاردهم، وسيطالب كل مرشد جديد بأن يبذل جهوداً حثيثة لتغيير تلك الصورة وتحسينها وتقديم صورة أخرى تعكس رفض الجماعة استخدام العنف ونبذها للارهاب وحرصها على انتهاج خيار سلمي.
وربما كان أكبر أخطاء البنا اقدامه في عام 1940 على تأسيس"النظام الخاص"أي الجناح العسكري السري للجماعة، وهو عرض الامر في بداية ذلك العام على خمسة من كبار مساعديه وهم: صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت ومحمود عبدالحليم وعبدالعزيز احمد، و رأى أن"الجماعة"في حاجة الى جهاز عسكري لمواجهة"الاحتلال البريطاني في الداخل والصهاينة في فلسطين".
لم يدرك البنا حينها أن ذلك الجهاز سيكون وبالاً على"الجماعة"وهو عهد بمسؤولية"النظام الخاص"الى عبدالرحمن السندي الطالب في كلية الآداب والذي لم يكن تجاوز الحادية والعشرين من العمر، فتحول الجهاز إلى اداة لردع اعداء"الاخوان"داخل البلاد. فقتل عناصره في آذار مارس 1948 القاضي أحمد الخازندار الذي كان اصدر احكاماً مشددة ضد اشخاص من"الجماعة"ضبطوا في الاسكندرية ومعهم قنبلة. ثم قتلوا رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي ونفذوا عمليات لم تحظ بأي قدر من التخطيط السليم، وأثبتت الأيام أن البنا فقد سيطرته على الجهاز الذي تحول بمرور الوقت الى جهاز مستقل داخل الجماعة.
وظلت العلاقة بين"الاخوان"والحكومات المتعاقبة قبل ثورة تموز يوليو 1952 تسير في خط بياني متعرج ولم تكن ابداً مستقرة. وحين جاءت وزارة النقراشي في كانون الاول ديسمبر 1946 أرسل البنا إليه رسالة طالبه فيها بقطع المفاوضات مع الانكليز والتشدد في طلب الجلاء الكامل عن مصر واللجوء الى مجلس الأمن في حال رفض الانكليز ذلك، فرد النقراشي في 8 كانون الأول ديسمبر 1948 بقرار حل بموجبه الجماعة على أساس انها"تهدف الى قلب نظام الحكم في البلاد". حاول البنا تسوية الأمر بالتفاوض مع الحكومة لكن اغتيال النقراشي نفسه زاد الأمر صعوبة وبعدما يئس البنا وزع رسالة حملت عنوان"القول الفصل"أكد فيها أن"الاسلحة كانت في حوزة الاخوان بمعرفة الحكومة لاستغلالها ضد الصهاينة في أرض فلسطين". وأكد أن اتفاقاً بين الجماعة وجامعة الدول العربية ابرم في هذا الشأن. وابدى البنا اسفه لمقتل القاضي الخازندار والنقراشي واعتبر أن السبب الحقيقي لحل الجماعة هو"ضغوط البريطانيين واليهود والأميركيين". وتسارعت الاحداث حتى اغتيل البنا يوم 12 شباط فبراير 1949 بعد ما حصل على حكم قضائي ألغى قرار حل الجماعة التي دخلت بعدها في مرحلة جديدة من تاريخها.
ظل"الاخوان"نحو ثلاث سنوات، اضطربت فيها احوال الجماعة بشدة، من دون مرشد، مما عكس أزمة القيادة في"الجماعة". وحينما تسلم المستشار حسن الهضيبي والد المستشار مأمون الهضيبي، مهمات المرشد في 19 تشرين الاول اكتوبر عام 1951 كانت التركة ثقيلة والظروف بالغة الصعوبة. فالعلاقات مع الحكومة متوترة وقطاع القضاء ناقم على"الاخوان"بسبب اغتيال الخازندار وپ"النظام الخاص"بقيادة السندي بدأ يتضخم على حساب سمعة الجماعة ومكانتها.
وكانت تلك المشكلة أهم المعضلات التي واجهت الهضيبي في بداية فترة توليه مهام المرشد، فأعضاء"النظام"كانوا يتعاملون معه بشيء من الفوقية والاستقلال التام عنه، ووفقاً لما يصدره السندي فقط من اوامر. فبادر الهضيبي الى عزل السندي وثلاثة من اعوانه هم: عادل كمال ومحمود الصباح واحمد حسن. واحتمى في جمهور الاخوان، وقبل أن يفيق من الصدام مع السندي واتباعه، دخل الهضيبي، في صدام مع قادة ثورة تموز يوليو بعد تفجر التناقضات بين الطرفين. ولم ينجح اللقاء الذي عقد في منزل جمال عبدالناصر يوم 20 ايلول سبتمبر 1954 وحضره عبدالناصر وستة من الأخوان على رأسهم الهضيبي في حل التناقضات وتجاوز الخلافات. وفشل اتفاق الهدنة سريعاً، وبدأت مرحلة المحنة الطويلة التي افرزت مدرسة سيد قطب، وما تفرع عنها من افكار ومبادئ تقوم على"أن"أساس النظام الاجتماعي يعيش وضعية الجاهلية وأن الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الالوهية في الأرض وهي"الحاكمية"والحاكمية في الوضع الجاهلي تستند الى البشر فتجعل بعضهم لبعض أرباباً".
وصارت افكار قطب لاحقاً أحد أهم المبادئ التي استندت إليها الحركات الاصولية الراديكالية، ومن هنا جاءت عبارة"إن كل الحركات الراديكالية خرجت من عباءة الاخوان"التي استخدمتها الحكومات المتعاقبة في مصر والعالم العربي لتبرير الاجراءات التي تستهدف ضرب البنى التحتية لپ"الجماعة".
ولم يشفع لپ"الإخوان"كتاب"دعاة لا قضاة"الذي كان عبارة عن مجموعة من الابحاث كتبها رموز الجماعة داخل السجون ثم جمعت في كتاب حمل اسم"حسن الهضيبي"وانتهت الى رفض أفكار قطب والتشديد على الاسلوب السلمي الهادئ. واستمرت ضغوط عبد الناصر واجراءاته ضدهم طوال عهده، وتنوعت ما بين الاعتقالات والاعدامات.
وبدأ"الاخوان"عصراً جديداً بعد وفاة عبدالناصر العام 1970 وخرج الهضيبي وبقية الاخوان في العام التالي من السجن وانشغلت الجماعة في تضميد جروحها مستغلة المناخ الذي كرسه السادات، وهو اراد من خلالهم احداث توازن سياسي في المجتمع، والتصدي للمد الناصري واليساري. وعقد الهضيبي أول اجتماع موسع لپ"الاخوان"خارج مصر العام 1973 تم خلاله اعادة تشكيل مجلس الشورى وتكوين لجان العضوية في مصر والعالم العربي. لكن وفاة الهضيبي في 11 آب اغسطس عام 1973 شكل إيذاناً بأزمة جديدة نتيجة صراع بين المطالبين بتحديث الجماعة والعمل في النور، وبين رجال"النظام الخاص"الذين طرحوا اسم أحد"الاخوان"وأكدوا أن الهضيبي رشحه لخلافته ورفضوا الكشف عن الاسم علانية بزعم الظروف الأمنية. وظلت الجماعة نحو ثلاث سنوات يقودها"مرشد سري"لا يعرفه الا القليلون، ما مكّن الحرس القديم من السيطرة مجدداً على التنظيم. وإزاء اعتراضات بعض"الاخوان"على الاوضاع عُقد اجتماع في بداية عام 1976 في القاهرة طرح فيه للمرة الأولى اسم عمر التلمساني كمرشد للجماعة، ووجدت شخصية التلمساني الهادئة والجاذبة قبولاً لدى السادات وپ"الاخوان"في آن، وهو حرص على مد الصلات مع الحكومة المصرية والسادات نفسه، ونجح في ذلك. وأحدث دخول أعداد كبيرة من زعماء الحركة الطلابية من أعضاء"الجماعة الدينية"الى قلب"الاخوان"زخماً كبيراً وأعاد الحياة الى الجماعة مرة اخرى. وأفرزت السنوات الاخيرة من حكم السادات مناخاً مؤاتياً، فمعاهدة كامب ديفيد وزيارة السادات للقدس اتاحت لپ"الاخوان"فرصة تصدر القوى الوطنية المعارضة للعلاقات مع اسرائيل والتطبيع معها. واستطاع التلمساني ان يستوعب كثيراً من التناقضات التي تفجرت بين الجيل الجديد الآتي من الخارج وجيل الشيوخ من الحرس القديم، واستمرت علاقته بالعهد الجديد بعد حادث المنصة اغتيال السادات جيدة حتى توفي في 22 ايار مايو 1986.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.