تفاعل مستخدمو الإنترنت في سورية سريعاً مع إعلان محرك البحث"غوغل"تأسيس مكتبة إلكترونية مجانية أمام الجمهور. بدت تلك الخطوة على تناقض بيّن مع ضعف انتشار الشبكة الدولية للكومبيوتر، مما جعلها مادة جديرة بالاهتمام والنقاش لما ستحدثه من تغيير في مفاهيمنا للقراءة والتواصل مع الكتاب أياً كان مصدره وثمنه فضلاً عن موضوعاته، خصوصاً انها تقدم مكتبة تضم ملايين الكتب التي لا تخضع للرقابة، ومن دون تكلفة مادية للجمهور. ترحيب شكل إعلان"غوغل"هذا، مفاجأة سارة للعاملين في المعلوماتية، وصفه بعضهم بال"الفتح الجديد"، واعتبروا انه يحقق حلم الإنترنت بتقديم خدمة للقراءة والتعلم عالمياً. يتعلق الجانب الأهم، كما يرى مهندس الكومبيوتر وائل، بأفق واسع، متوقعاً ان تتبع مكتبة غوغل مبادرات أخرى من جانب شركات المعلوماتية العملاقة، ربما شملت نشر الكتب، والاسطوانات الموسيقية، والأفلام وغيرها. ويلفت وائل إلى جوانب وتفاصيل كثيرة يجب انتظارها قبل توقع الحصول على الخدمة الجديدة. ويرى ان"تحويل تلك الملايين من الكتب إلى وثائق إلكترونية يتطلب جهوداً فنية هائلة تتصل بالطباعة والمسح الضوئي"سكانينغ"والتدقيق والتبويب وغيرها... ثمة صعوبة أخرى تتصل بالحجم الفيزيائي للأدوات التي يتطلبها تخزين هذا الحجم من الملفات الإلكترونية... هذه صعوبة أقل من سواها، خصوصاً اذا قارناها مع مهمة إتاحة طريقة بحث مناسبة وسريعة، مع كلمات مفتاحية Key Words، أمام القُرّاء". يطرح مبرمجو الكومبيوتر أسئلة أساسية لم يوضحها"غوغل"في إعلانه المذكور. يتساءل المهندس محمود عنبر الاستشاري في تكنولوجيا المعلومات، إلى أي درجة ستكون الكتب متاحة؟ ما نوعيتها؟ ماذا عن الوضع القانوني للمؤلفات الأكاديمية التي ستخرج من المكتبات الجامعية؟ يلفت ايضاً إلى ان كثيراً من الكتب التي يغرينا اسمها، نفاجأ لدى مطالعتها"ورقياً"بأنها بعيدة تماماً من تخيلنا لمحتوياتها. وينوه بايجابية التجربة وأهميتها،"خصوصاً اننا في منطقة نستصعب فيها شراء الكتاب عموماً". ويفضل عنبر الانتظار لمعرفة شروط استخدام"غرفة القراءة"التي يصنعها مشروع"غوغل". ويتساءل عن عدد الصفحات أوالفصول المتاحة مجاناً، وعن إمكان الطباعة وما الى ذلك. سعادة ال"هاكرز"بالحرية لا يخفي قراصنة الكومبيوتر"هاكرز" Hackers سعادتهم بالانكشاف الكبير للمعلومات أمام المستخدمين. يشير بعضهم الى ان هذا الأمر يحدّ نسبياً من هوايتهم التي تتضمن سعياً اصيلاً لكشف ما تسعى المؤسسات عادة لابقائه طيّ الكتمان. يشير ماهر إلى تحدٍ كامن في مشروع"غوغل": ان اقتصر امرها على التصفح صفحة صفحة عبر الانترنت"اون لاين"on line فإن ذلك لن يروي ظمأ"الهاكرز". و سيستمرون في محاولة قرصنة كتب إلكترونية بأكملها. قد يتمكن ال"هاكرز"من النفاذ من مكتبة"غوغل"إلى مواقع المكتبات الكبرى، مما يسهل مهماتهم! في هذا المجال، يلفت الى ان نشاط ال"هاكرز"عالمياً يبتعد عادة عن المكتبات. اذ يميل هؤلاء الى تقصي"تفاصيل"أكثر أهمية، كالمصارف وشركات برمجيات الكومبيوتر، والوزارات والدوائر الحساسة والملفات السرية وغيرها. في المقلب الآخر من المشهد المعلوماتي، بهر كثير من القراء التقليديين بفكرة التخلص من معضلة الرقابة التي طالما أرّقت المثقفين العرب. بدوا وكأنهم ينطلقون من افتراض مبدئي مفاده تحرر المشروع الجديد من أطر الرقابة التقليدية، التي تكفر وتحرم وتمنع. بدا هؤلاء ميالين الى القول إن سقف مكتبة"غوغل"سيتحدد بالمسموح والممنوع في مكتبات الجامعات الأربع: هارفارد وستانفورد وأكسفورد ومتشيغن فضلاً عن مكتبة بلدية نيويورك. وتلفت الصحافية رانيا مارديني إلى أن معاناة المثقف العربي مع الرقابة، قد تجد حلاً نسبياً لها في المكتبة الجديدة، وضمن نطاق القادرين عربياً على التعامل مع اللغات الأجنبية. وتضيف ان العقدين الماضيين ازدحما بمؤلفات ممنوعة لكتّاب عالميين كسلمان رشدي وتسليمة نسرين وغيرهما. وترجح ان تفتح مكتبة"غوغل"الإلكترونية باباً موصداً، وخلافياً، عن تلك المسائل. وربما شكلت تلك المكتبة"اختراقاً"في ذهنيتنا الشرقية، من خلال ضخ هذا الحجم الكبير من المؤلفات العالمية. المحتوى العربي وتبرز التساؤلات المطروحة حول مشروع"غوغل"، مسألة غياب المحتوى العربي الكامل عنها. ولربما لجأ البعض، الى استخدام انظمة رقمية في ترجمة ما يقرأه مباشرة على الانترنت"اون لاين". هل يكفي ذلك لحل المشكلة؟ مهما تفاوتت الإجابة، فإنها تشير الى مدى شح المعلومات العربية المتوافرة مقارنة بالحجم الهائل للمحتوى العالمي. يلفت المهندس عنبر إلى ان"هذه مشكلتنا...ربما مع الأيام تدفع التجربة الجديدة العرب لنشر ما لديهم، ويضعونه أمام اعين القراء العرب... لعلهم يدحضون المقولة التقليدية بأن العرب قوم لا يقرأون". ثمة اسئلة اخرى، لا تخفيها السعادة بسماع نبأ عن مكتبة اسطورية قد يستغرق بناؤها وقتاً لا يقصر. من ضمنها، يأتي السؤال عن مشكلة"الملكية الفكرية". ويبدو من المستحيل، نظرياً على الأقل، إتاحة هذا الكم الهائل من الكتب على الشبكة مجاناً، من دون الحصول على موافقة كل أولئك المؤلفين؟ يقود الأمر الى سؤال آخر: كيف يمكن حماية حقوق المؤلفين الآخرين مستقبلاً؟ يختلف الموقف تماماً عند المبدعين في الحقل الأدبي والعاملين فيه. ثمة ذهول من حجم ما ستتيحه تلك الأرقام الهائلة من الكتب. وفي المقابل، لا يبدو الأدباء شغوفين بالتجربة الجديدة التي تمنعهم من التواصل التقليدي مع عادات القراءة. يشير الشاعر مرهج محمد الى سعادة الحصول على الكتب ب"كبسة زر". وينبّه في الوقت عينه، الى ان"كل شيء نسبي...التفجر المعلوماتي الهائل تتجلى تأثيراته لدى المتلقي بأشكال متناقضة تتداخل فيها مشاعر الدهشة والراحة، مع مشاعر التوجس والرهبة... تدفق هذه الأنهار من المعلومات ضمن شروطها الزمانية والمكانية... لا يخلو الأمر من بعض المخاوف، خصوصاً عند تذكر اولئك الذين يتمتعون بأمزجة وخيالات مختلفة، كمعشر الأدباء من شعراء وقاصين وروائيين". ويضيف محمد ان الشاعر"معني جمالياً بتفاصيل الوصول أكثر من الوصول بحد ذاته... صعوبة ووعورة الدروب التي تؤدي بك الى الجبل تضفي متعة على التواصل مع ساكني القمة. قد لا تعني الجوهرة شيئاً من دون ذاكرة السعي إليها"!