يذكرني فريق "الراصد الإعلامي العربي" في بريطانيا، أو "آراب ميديا واتش"، بمثل شعبي هو "صغير وفعله كبير"، فهذه المجموعة التي تراقب التغطية العربية في وسائل الاعلام البريطانية تتألف من متطوعين، ومع ذلك فهي تقف نداً لمؤسسات اسرائىلية أو صهيونية كبيرة حسنة التمويل، مثل شركة ميمري وجماعة "أونِستْ ريبورتنغ" معناها التغطية الشريفة وهو اسم فرويدي، لأن لا شرف أو شرفاء في الدفاع عن اسرائيل آرييل شارون. أسست "ميديا واتش" في أيلول سبتمبر سنة ألفين على خلفية فشل محادثات السلام في كامب ديفيد، واشتداد الحاجات الانسانية في العراق، وأوكلت ادارتها الى لجنة تنفيذية من 12 عضواً، هم الأكثر نشاطاً وقدرة على تخصيص وقت لهذا العمل، مع وجود حوالى 400 عضو يؤيدون جهود المجموعة ويساعدون ضمن نطاق امكاناتهم. واللجنة التنفيذية تضم رجالاً ونساء، حوالى نصفهم عرب، ونصفهم بريطانيون أو من جنسيات أخرى، وهناك المسلم والمسيحي واليهودي، والكل يعمل تطوعاً. كيف تنشط "ميديا واتش"؟ العمل الأساسي هو مراقبة الأخبار العربية في وسائل الاعلام البريطانية وتصحيح الأخطاء والردّ على الحملات، إضافة الى فتح قنوات اتصال مع الصحافيين والسياسيين وجماعات حقوق الانسان، وتوفير المعلومات لطالبيها، وتحليل الأخبار وغير ذلك كثير. ولا يكاد يمضي يوم أو أسبوع من دون ان تنشر الصحف البريطانية رسالة لأحد الأعضاء رداً على خبر، أو تصحيحاً لمعلومة. وبين النجاحات العزيزة على قلبي اضطرار "الديلي تلغراف" مرتين الى نشر تصحيح "ميديا واتش" معلومات في ما تكتب الصهيونية العجوز بربارة امييل، المرّة الأولى عن حصار بيت لحم، والثانية عن تدمير اسرائيل آثاراً فلسطينية. وكانت "ميديا واتش" أول من نبهني، والعالم الى خلفية شركة ميمري للترجمة، فهذه بدأت في واشنطن بعد تسلم بنيامين نتانياهو رئاسة الوزارة الاسرائىلية، سنة 1996، وأخذت تترجم انتقائياً من الصحف العربية، أو من التنصت على خطبة جمعة في مسجد قرية في الصحراء. وعندما كثر استشهاد الصحافة الغربية بترجمات ميمري سجلت "ميديا واتش" ان رئيسها ايغال كارمون أسسها مع الاسرائىلية مثله ميراف وورمزر زوجة ديفيد وورمزر، أحد المحافظين الجدد النشطين في الادارة الأميركية عمل ضابط استخبارات في الجيش الاسرائيلي من 1968 الى 1988، وكان قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية من 1977 الى 1982، وعمل مستشاراً في مكافحة الارهاب لرئيسي الوزارة اسحق شامير واسحق رابين من 1988 الى 1993. وكانت صفحة الشركة على الانترنت تسجل "التزامها للصهيونية" الا ان هذه المعلومات أزيلت بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر 2001، ووضعت "ميديا واتش" هذه التفاصيل بتصرف الراغبين، فكان ان كتب بريان ويتكر في "الغارديان" مقالاً بعنوان "ميمري انتقائية" لعب ذكي على الكلام لأن "ميموري" بالانكليزية تعني "ذاكرة" ولا يزال يتابع نشاطها ويفضح أهدافها حتى اليوم. في أهمية ما سبق ان اعضاء "ميديا واتش" يتصدون للجماعات اليهودية بأسلوبها، ويزاحمونها في نشاط اللوبي الذي بقي زمناً وقفاً عليها. وأمثلة تغني عن شرح: هدد روبرت فيسك في "الاندبندنت" بأنه سيترك العمل اذا لم يجد دعماً كافياً ضد الضغط الصهيوني عليه. وجند الأعضاء أنفسهم وبعثوا برسائل عبر البريد العادي والفاكس، والبريد الالكتروني. وشكر فيسك الأعضاء وقرر مواصلة العمل. - اتهمت جماعة الضغط الصهيونية "أونِست ريبورتنغ" جريدة "الغارديان" باللاسامية، وأمطر أنصارها، كالعادة، الجريدة بالرسائل، ورد أعضاء "ميديا واتش" برسائل من عندهم ما أوجد توازناً ساعد الجريدة. - شكا اللوبي الصهيوني والاعلامي جون بيلجر أمام لجنة التلفزيون المستقل بعد بث فيلمه الوثائقي "فلسطين لا تزال القضية". ونظمت "ميديا واتش" حملة بين أعضائها فبعثوا برسائل الى اللجنة تمتدح الفيلم وموضوعيته. وفي النهاية رفضت اللجنة الشكوى، ولا يزال بيلجر منذ ذلك الوقت نصيراً قوياً. ولعلّ أفضل مثل على المثابرة الضرورية للنجاح رفض مجلة "الايكونومست" تصحيح خبر يقول ان طائرات اسرائىلية قصفت معسكرين لحزب الله انتقاماً من قتل مسلحي الحزب اسرائيلياً على الجانب الاسرائىلي من الحدود. وعندما وجد عضو المجموعة بنجامين كاونسل ان رسالته التي تصحح المعلومات استناداً الى تقرير المراقبين الدوليين عن وجود الاسرائىلي داخل الأراضي اللبنانية لم تنشر، اشتكى الى لجنة الشكاوى الصحافية، وبعد أخذ ورد أُرغمت المجلة على نشر التصحيح. مرّة أخرى، "ميديا واتش" تضم أعضاء متطوعين نجحوا في التصدي لمجموعات اللوبي الصهيوني، وعملهم مهمّ ومؤثر، إلا انهم بحاجة الى دعم للاستمرار. وكنتُ تلقيت منهم خطة عمل، ثم تحدثت مع الأخ شريف حكمت النشاشيبي، مدير "ميديا واتش"، ووجدت ان حاجتهم السنوية كلها في حدود مئة ألف جنيه استرليني، لا بد ان هناك بين القراء من يستطيع ان يقدمها، فهي لا تتجاوز ثمن صفحة اعلان في جريدة غربية. "ميديا واتش" عمل رائد قام على اكتاف شبان وشابات يستحقون دعمنا وتشجيعنا جميعاً، فأنتظر ان أسمع ان هناك من قرر مساعدتهم كما يستحقون.