أثبتت وزارة البيئة المصرية انها قادرة على ان "تصنع من الفسيخ شربات". والفسيخ منطقة في القاهرة اسمها "الفسطاط" كانت الى سنوات قريبة الاكثر عشوائية والاعلى تلوثاً والافقر صحياً، لكنها تحولت الى "شربات" بفعل الطبيعة، وتحديداً الخضرة والغاز الطبيعي. سكان القاهرة يعرفون جيداً هذه المنطقة، ويتحاشون التردد عليها كلما امكن ذلك. فهي كانت تعاني ارتفاعا في كل شيء، ما عدا النظافة، عوادم وتلوث هوائي يفوق كل المحاذير والنسب الدولية، فضلات وقمامة في كل مكان. تفادي التردد على المنطقة كان سهلاً للبعض، ومستحيلاً على قاطنيها! لكن الوضع تغير، ودخلت "الفسطاط" من باب الانجازات البيئية المرموقة من اوسع مداخله، وكان افتتاح "بيت القاهرة" خير دليل على ذلك. "بيت القاهرة" مركز بيئي ثقافي تعليمي تابع لوزارة البيئة وتحولت "الفسطاط" بفضله الى واحدة من افضل المناطق البيئية في القاهرة، بالاضافة لمكانتها على رأس قائمة المزارات السياحية في مصر لاحتوائها آثاراً تمثل الديانات السماوية الثلاث. إذ طغى على مكبات القمامة اللون الاخضر. وظهرت الطرق والأزقة بعد ما اختفت أو كادت تحت وطأة أكوام المخلفات. رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد حرص يوم افتتاح "بيت القاهرة" أول من أمس على أن يتفقد معرض مشروع تحسين هواء القاهرة الكبرى الذي دخل عامه السادس ونجح في خفض نسبة التلوث بالرصاص وعوادم السيارات وانبعاثات المصانع. والمتابع لشوارع القاهرة سيلحظ ان عدداً كبيراً من السيارات لا سيما سيارات الاجرة، والباصات تعمل حالياً بالغاز الطبيعي كوقود نظيف. وهنا تجب الاشارة الى الدور الذي تلعبه وزارة الداخلية لتطبيق العقوبات على السيارات المعادية للبيئة والتي تبث سمومها في هواء القاهرة. وساهمت برامج التفتيش والصيانة والبرنامج القومي للفحص الالزامي لعوادم السيارات في خفض معدل تلوث باصات الديزل بنسبة 50 في المئة. لكن السيارات لم تكن وحدها المسؤولة عن التلوث الشديد الذي أصاب سماء القاهرة وقلبها، لدرجة ان نسبة التلوث الهوائي بالرصاص في منطقة شبرا الخيمة مثلاً كانت قد فاقت المعدلات العالمية 30 مرة. فالمسابك كانت تبث سمومها المتخمة بالرصاص والشوائب العالقة في ارجاء عدة من العاصمة. ونجحت جهود وزارة البيئة المصرية بالتعاون مع هيئة المعونة الاميركية في خفض النسبة حوالى 75 في المئة. وذلك بعد ما حذرت دراسة علمية من ان الاطفال الذين يعيشون في القاهرة مهددون بانخفاض درجات ذكائهم 52.4 درجة بسبب التلوث بالرصاص. وقدرت كلفة معالجة المشكلات الناجمة عن تلوث هواء القاهرة بنحو 13 بليون دولار اميركي. نتيجة التحسن الطارئ في هواء القاهرة ومنطقة "الفسطاط" هي ترشيح وزارة الطاقة الاميركية للقاهرة لنيل جائزة المدن النظيفة، لهذا العام. أما النتائج الاخرى فهي السير على درب الوصول الى عقول اذكى للصغار، ورئات أنظف للكبار، أملاً في نفس عميق يأخذه سكان القاهرة من دون نوبة سعال حاد.